خريجون أمام عقود من فشل تنشيط الاقتصاد وضعف الطلب

خريجون أمام عقود من فشل تنشيط الاقتصاد وضعف الطلب

لا يتطلب الأمر إجراء فحص دقيق للإحصاءات الاقتصادية حتى ندرك أن المداخيل في الولايات المتحدة تجاوزت بكثير تلك في بريطانيا في الأعوام الأخيرة. ستفي بضع دقائق على منصة إنستجرام أو تيك توك بالمهمة، حيث ستقابل بحرا من المقاطع للاستهلاك الأمريكي الواضح على خلفيات المساكن الرحبة والأصيلة. لقد وصلتنا الرسالة.
لكن دون البحث في البيانات، قد يغيب عن ذهنك فارق بسيط لا يحظى بالتقدير الكافي: ميزة الأجور الهائلة في أمريكا تقتصر على فئة خريجي الجامعات. حصل البريطانيون الذين تركوا نظام التعليم في سن 18 عاما دون الحصول على شهادة جامعية على ما متوسطه 14 جنيها استرلينيا في الساعة في 2022 (نحو 18 دولارا بعد تعديل فروق الأسعار). وحصل نظراؤهم في الولايات المتحدة على أعلى بشكل طفيف فقط، بمعدل 19 دولارا في الساعة.
بعيدا عن ملاحظة التفاؤل النسبي هذه، فإنني أنصح الخريجين البريطانيين بإشاحة نظرهم.
في العام الماضي كان متوسط دخلهم في الساعة 21 جنيها استرلينيا، أو ما يزيد قليلا على 26 دولارا.
أسمعكم تقولون إنهم يحصلون على علاوة جيدة بنسبة 47 في المائة مقارنة بمواطنيهم من غير الخريجين. لماذا كل هذا التشاؤم والكآبة؟ لأنه على الجانب الآخر من الأطلسي، حصل الخريجون الأمريكيون على نحو 36 دولارا في الساعة.
عشية الأزمة المالية العالمية قبل 15 عاما، كان دخل الخريجين البريطانيين يقل 8 في المائة فقط عن دخل الخريجين الأمريكيين، وقد تضخمت تلك الفجوة إلى 27 في المائة.
هؤلاء في الأساس الأشخاص نفسهم. بالعمر نفسه، والتحصيل الدراسي، ويعيشون بشكل متزايد في الثقافة نفسها، حيث إن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تطمس الحدود الوطنية. لكن مجموعة واحدة تحصل على أجور أكثر 40 في المائة. ما الذي يمكن أن يفسر هذا التباين الدراماتيكي؟
هل الخريجون البريطانيون ببساطة أقل مهارة من نظرائهم الأمريكيين؟ أو أقل مهارة في المجالات الأكثر ربحا؟ التذمر الشائع هنا هو أن الناس يدرسون عددا كبيرا جدا من الشهادات غير ذات العلاقة في سوق العمل، لكن مزيج المواضيع التي يدرسونها متشابه: 34 في المائة من الخريجين الأمريكيين الذين تراوح أعمارهم بين 25 و60 عاما درسوا العلوم، والتكنولوجيا، والهندسة والرياضيات مقابل 30 في المائة في المملكة المتحدة. يتمتع الخريجون البريطانيون، بشكل عام، بالمهارات اللازمة لدفع الفواتير.
والمشكلة هي أن الطلب على هذه المهارات أعلى بكثير ويدر دخلا أعلى في الولايات المتحدة منه في المملكة المتحدة.
وفي دراسة رائدة أجرتها جامعة هارفارد ونشرت هذا العام، أظهرت آنا ستانسبيري، الأستاذة المساعدة في قسم دراسات العمل والتنظيم في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أنه مع توسع حصة الخريجين في القوى العاملة في المملكة المتحدة على مدى الأعوام الـ25 الماضية، فإن العلاوات التي يتقاضونها مقارنة بغير الخريجين انخفضت. ومن ثم يمكننا أن نستنتج في المجمل أن المعروض من العمال المهرة في بريطانيا يفوق الطلب في الوظائف التي تتطلب المهارة. وفي لندن فقط واكب عدد الوظائف ذات الأجور المرتفعة العدد المتزايد من العمال ذوي المهارات العالية.
لقد قمت بتوسيع تحليل ستانسبيري ليشمل الولايات المتحدة، والتناقض لا يمكن أن يكون أكثر وضوحا. فعبر البلد بأكمله تقريبا من بوسطن إلى سان فرانسيسكو، ظلت علاوة أجور الخريجين ثابتة – أو حتى ارتفعت – مع زيادة المعروض من الخريجين. تمتلك أمريكا جبالا من الوظائف المربحة للغاية التي تتطلب مهارات عالية وتطارد أفضل المرشحين، بينما توجد في بريطانيا جبال من المرشحين المهرة الذين يطاردون عددا ضئيلا من فرص عمل للخريجين ذوي المستوى العالمي.
والنتيجة هي أنه في معظم أنحاء بريطانيا، يعمل أكثر من ثلث الخريجين في وظائف لا تتطلب شهادة جامعية – حتى في لندن، الرقم هو 25 في المائة. يعد الحصول على علاوة مقابل مهاراتك أصعب بكثير عندما تكون زائدة عن المتطلبات.
لن يكون حل مشكلات الخريجين في بريطانيا بالمهمة السهلة ولا السريعة. وعلى جانب الطلب، يتعين عليها أخيرا أن تأخذ على محمل الجد مشروع رفع مستوى البلد باستثناء لندن، وجعل إيجاد وظائف للخريجين جزءا من تلك الأجندة.
يحصل الخريجون في العاصمة على علاوة أعلى بكثير لمهاراتهم، مقارنة بأولئك في أي مكان آخر، لأن لندن تعد وجهة جذابة للاستثمار في الوظائف ذات القيمة العالية بقدر ما هي جاذبة لكل موجة من الخريجين.
بالنسبة إلى عدد كبير جدا من المدن والمناطق الأخرى في بريطانيا، فإن عقودا من الإهمال من جانب وستمنستر تعني أن أيا من هذين الأمرين صحيح.
على جانب العرض، يرى البعض أن بريطانيا ينبغي أن تقلل من عدد الأشخاص الذين يلتحقون بالجامعات، لكن البيانات لا تؤيد ذلك. ومن الواضح أن اليد العاملة الماهرة في المملكة المتحدة غير مستغلة بالقدر الكافي، لكن النتائج الأفضل كثيرا التي حققتها أمريكا في ظل وجود مجموعة مشابهة من العمالة الماهرة في الحجم تشير إلى أن بريطانيا مثقلة بضعف الطلب على المهارات القيمة، لا بزيادة المعروض من المهارات. ويجب أن يكون التصحيح من خلال توفير الوظائف المناسبة.
في النهاية، تأتي مشكلة علاوة أجور الخريجين في أعقاب الوعكة الأوسع نطاقا في المملكة المتحدة: الفشل في إعادة تنشيط الاقتصاد بعد الأزمة المالية، وعقود من نقص الاستثمار.

الأكثر قراءة