أسعار الفائدة إلى أين؟ الاقتصاديون يهتدون بنجوم تغطيها الغيوم

أسعار الفائدة إلى أين؟ الاقتصاديون يهتدون بنجوم تغطيها الغيوم

يلاقي الجميع صعوبة في معرفة إلى أين تتجه أسعار الفائدة. المستثمرون متوترون، كما يتضح من تقلب عوائد سندات الخزانة طويلة الأجل. يحاول محافظو البنوك المركزية الأمريكية إظهار الهدوء، لكنهم يرون ضبابا أيضا. في 25 أغسطس، لخص جاي باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي الحالة المزاجية عندما قال: "نحن نهتدي بالنجوم تحت سماء ملبدة بالغيوم". يمتلك الاقتصاديون بعض الأدوات لاستنارة الطريق أمامهم، لكنها ليست مفيدة للغاية.
الشيء الذي يبحث عنه الجميع هو معدل الفائدة المحايد. إنه المعدل (الحقيقي) الذي لا ينعش الاقتصاد ولا يثبطه حين تتلاشى الصدمات المؤقتة. يعتقد محافظو البنوك المركزية أنه ليس بإمكانهم التأثير عليه أو مراقبته. مهمتهم هي التكهن به فحسب، مع أن معظمهم يتفقون على أن معدل الفائدة المحايد انخفض على مدى العقود الأخيرة، إلا أن تحركاته الأخيرة غامضة أكثر. يشير تقدير نشره الفيدرالي في ريتشموند إلى أنه انخفض من نحو 2.2 في المائة في أبريل 2008 إلى 0.8 في المائة بعد عامين، لكنه تعافى بحلول أبريل 2023. على النقيض، وجد تقدير من الفيدرالي في نيويورك أنه في أبريل 2023 كان لا يزال أقل بنحو 2 في المائة مما كان عليه قبل الأزمة المالية العالمية. في أبريل، استخدم صندوق النقد الدولي نموذجا أكثر تعقيدا لإثبات أنه لا يزال منخفضا للغاية على الأرجح.
تتباين هذه التقديرات بسبب الاختيارات النسبية المختلفة التي اتخذها مقدروها. يتمثل أحد المناهج في وضع افتراضات كثيرة عن طريقة عمل الاقتصاد في التخلص من الضوضاء المرتبطة بالصدمات. لكن يتحمل هذا النهج خطر أن تكون الافتراضات، ومن ثم النتائج، هراء. يعتمد نهج بديل على البيانات الحديثة أكثر. لكن هذا يخاطر بنتائج تعكس الصدمات المؤقتة، ولا تعكس المستقبل الذي ستتلاشى فيه.
خذ على سبيل المثال الطريقة المعتمدة كثيرا على البيانات التي نشرها الفيدرالي في ريتشموند، التي تستخدم متوسطا متحركا معقدا للغاية للتنبؤ بمعدلات طويلة الأجل. نظرا إلى مرونة الاقتصاد الأمريكي في الآونة الأخيرة، فربما ليس مفاجئا أن يشير ذلك إلى معدل فائدة محايد صاعد. لسوء الحظ، هذه الطريقة تتحمل نطاقات خطأ إحصائية بحجم حافلة. وعلى الرغم من أن التقدير المتوسط هو 2.3 في المائة، فإن الحد الأدنى 1.4 في المائة والحد الأعلى 3.6 في المائة. هذا بمثل جدوى إخبارك بأن بيتزا ليلة الجمعة ستصل في أي وقت بين الساعة 6 و11 مساء.
تستخدم طريقة الفيدرالي في نيويورك نظريات أكثر. تفترض وجود علاقة بين التضخم، ووضع الاقتصاد نسبة إلى إمكاناته وأسعار الفائدة، ثم تدخل البيانات لاستنتاج معدل الفائدة المحايد. اتضحت تكلفة هذا النهج خلال الجائحة، عندما كان النموذج يلفظ أرقاما غير معقولة حتى أنه تم تعليقه مؤقتا. النموذج المعدل الذي يبين معدل الفائدة المحايد الأمريكي قد عاد الآن.
إن النهج الذي يتبعه صندوق النقد الدولي هو أكثر نهج يعتمد على النظريات من بينهم جميعا. على المدى الطويل، ينبغي أن تؤثر عوامل مثل التغير الديموغرافي ونمو الإنتاجية والسياسة المالية على توازن الادخار والاستثمار. ويقدم نموذجه تحليلات مفصلة مذهلة لمقدار ذلك بالضبط. بين 1975-79 و2015-19، أسهم التغيير الديموغرافي في انخفاض معدل الفائدة المحايد في أمريكا 0.5 في المائة، وأسهم ضعف نمو الإنتاجية في انخفاضه 1.23 في المائة.
مرة أخرى، يكمن الخطر في أن هذه النتائج توضح لك النماذج أكثر من الواقع. خاصة إذا كنت تعتقد أن دراسة أجريت عام 2017 من بنك التسويات الدولية التي جادلت بأن الأحداث المتزامنة لانخفاض أسعار الفائدة الحقيقية، وتوقف نمو الإنتاجية، وشيخوخة السكان "تبدو مصادفة". وبالبحث في البيانات بين عامي 1860 و2016، فإنها ترى أن تغيير أطر السياسة النقدية أكثر أهمية.
الطريقة الأخرى لقياس معدل الفائدة المحايد هي بالنظر إلى أسعار الفائدة طويلة الأجل المضمنة في تسعير أصول المستثمرين. تحسب إحدى الدراسات المثيرة للاهتمام سعر الفائدة طويل الأجل المضمن في قيمة الشقق البريطانية قبل تمديد عقود الإيجار وبعده. تخلص الدراسة إلى أن المعدل الطبيعي للعائد على رأس المال لم يرتفع كثيرا منذ الجائحة. لكن هذا المعدل يشمل علاوة المخاطرة المرتبطة بامتلاك عقارات بريطانية، وقد يتأثر ببيانات مشوهة أخرى. وبالطبع، كما يقول عاطف ميان، أحد مؤلفي الدراسة، فإن المعتقد الجماعي في سوق الإسكان "قد يكون خاطئا".
يمكن لمحافظ بنك مركزي قلق أن يدفع نفسه إلى الجنون بقلقه إزاء عدم اليقين الذي ينتظره. ماذا لو كان معدل الفائدة المحايد بطيء الحركة بالفعل، لكن الجائحة كشفت أننا بالغنا في تقدير هبوطه خلال العقد 2010-2020؟ ماذا لو كانت توقعات محافظي البنوك المركزية والمستثمرين تؤجج بعضها بعضا؟ ربما قول إن هذه التقديرات لمعدل الفائدة المحايد هي أفضل ما لدينا، ليس مطمئنا كثيرا. لكن قولنا إن تحديد أي خطأ سيلاقي الصعوبة نفسها سيكون مطمئنا أكثر.

الأكثر قراءة