مايكروسوفت في طليعة مستخدمي الذكاء الاصطناعي التوليدي .. لكن بثمن
طوال معظم أعوامها الـ48، عرفت مايكروسوفت بأنها الشركة الأكثر فاعلية في تبني الابتكارات في صناعة التكنولوجيا - وهي الشركة التي صقلت الاختراعات التي جرت في مكان آخر، بدلا من الخروج بابتكاراتها الخاصة.
لكن هذا الأسبوع حمل معه شيئا مختلفا، وفقا لباري بريجز، كبير مسؤولي التكنولوجيا السابق في الشركة الأمريكية، فقد أصبحت مايكروسوفت أول شركة في الصناعة تجعل التكنولوجيا التي تقف وراء تشات جي بي تي متاحة كميزة معيارية في منتج برمجي مستخدم على نطاق واسع، وهو ما قد يؤدي لتغيير حياة العمل للملايين.
فبعد ما يقرب من عام من الآمال المتزايدة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، ستراقب صناعة البرمجيات النتيجة بحثا عن دلائل تشير إلى ما إذا كانت التكنولوجيا جاهزة للانتقال من الضجة الإعلامية إلى واقع الأعمال. كما ستكون الخطوة التي قامت بها مايكروسوفت أول اختبار لاستعداد الشركات لدفع ثمن باهظ لتكنولوجيا تعتمد بشكل كبير على موارد الحوسبة باهظة الثمن مثل الرقائق المتقدمة اللازمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي، التي تجعل تسليمها مكلفا.
وأعلنت مايكروسوفت رسميا "التوفر العام" لمساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يطلق عليه اسم كوبايلوت، في إصدارات المؤسسات من مجموعة تطبيقات الإنتاجية مايكروسوفت 365 المستخدمة على نطاق واسع، التي تشمل برامج وورد وباوربوينت وإكسل.
من المحتمل أن تضع هذه الخطوة أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة في متناول ما يقدر بنحو 150 مليون عامل، وفقا للمحللين، وستساعدهم على إنشاء المستندات ورسائل البريد الإلكتروني تلقائيا أو إنشاء جداول البيانات بسهولة أكبر. وتم تصميم هذه البرمجية لتسهيل الاعتماد على جميع البيانات التي تحتفظ بها الشركة في تطبيقات مايكروسوفت الخاصة بها. وفي النهاية، تهدف الارتباطات بمخازن البيانات الأخرى إلى جعل كوبايلوت واجهة أمامية "ذكية" للعمل مع جميع بيانات الشركة الأكثر قيمة.
وللحكم من خلال السعر، تتوقع مايكروسوفت أن تمثل هذه التكنولوجيا تقدما عميقا في تطبيقات البرامج اليومية التي يستخدمها عديد من موظفي المكاتب، حيث تم تسعير ميزة كوبايلوت بمبلغ 30 دولارا شهريا لكل مستخدم، وهي متاحة كعملية تحسين للعملاء الذين يدفعون حاليا مقابل إصدارات إي 3 أو إي 5 من تطبيقات الإنتاجية الخاصة بالشركة. وتبلغ تكلفة هذه البرامج 36 دولارا و57 دولارا شهريا، على التوالي - ما يعني أن عملية التحسين ستضيف ما يصل إلى 83 في المائة إلى فاتورة البرنامج الشهرية.
قال ديريك وود، المحلل في شركة تي دي كوين: "عند نقطة التسعير هذه، سيتردد العملاء في اعتمادها على مستوى المؤسسة على الفور". وأضاف أنه بدلا من ذلك، من المرجح أن يقوموا باختبارها بعناية قبل طرحها، بحثا عن أنواع معينة من الأعمال التي تستفيد بأكبر قدر من هذه التكنولوجيا.
وعلى الرغم من ذلك، فإن العدد الهائل من العاملين الذين يستخدمون برامجها وقيادتها المبكرة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي قد وضع شركة مايكروسوفت في موقع الصدارة، حيث إن هذه التكنولوجيا سريعة التطور تدخل في الاستخدام اليومي.
وفي إحدى الفعاليات الأخيرة التي نظمتها شركة جارتنر وحضرها تسعة آلاف من كبار مسؤولي المعلومات في الشركات وغيرهم، هيمن الذكاء الاصطناعي من مايكروسوفت على جزء كبير من الحوارات، حسبما قال جيسون وونج، المحلل في الشركة المختصة بأبحاث تكنولوجيا المعلومات. وجاءت إحدى العلامات المبكرة على ذلك الأسبوع الماضي مع انتعاش غير متوقع في النمو في منصة أزور السحابية من مايكروسوفت، التي عزتها الشركة إلى الذكاء الاصطناعي.
وقال وونج: "لقد أبلت مايكروسوفت بلاء حسنا في توليد حصة ذهنية (أي مستوى التقدير الذي تتمتع به الشركة في أذهان المستهلكين أو خبراء الصناعة أو عامة الناس)، لكنها ليست حصة سوقية بعد". وأضاف أن شركات البرمجيات الأخرى "ستراقب عن كثب" لمعرفة ما إذا كان بإمكانها تحويل هذا الوعد إلى مكاسب حقيقية في الإيرادات.
وعلى عكس إطلاق المنتج العادي، هناك كثير من المسائل التي تتعلق بوصول الذكاء الاصطناعي التوليدي إلى سوق البرمجيات الشاملة التي تبدو تجريبية، حيث يقول المحللون إنه ليس من الواضح حتى الآن ما هي أنواع العمل التي ستستفيد أكثر من هذه التكنولوجيا أو مدى سهولة استخدام العاملين للأدوات الجديدة.
وقال جيه بي جوندر، المحلل في شركة فوريستر ريسيرتش، إن هناك "مخاطر وقوع أخطاء وسوء التفسير وسوء الاستخدام". على سبيل المثال، قد يرسل عامل كسول بريدا إلكترونيا تم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي دون التحقق من دقته، أو أن يعتمد على ملخص لاجتماع تم إنشاؤه بطريقة آلية دون التحقق من أحد البشر الذين كانوا هناك لالتقاط الفروق الدقيقة التي فشل الذكاء الاصطناعي في فهمها. إذا كان الذكاء الاصطناعي قد سهل إنتاج مزيد من رسائل البريد الإلكتروني، فقد يضيف ذلك إلى العبء الزائد الذي يشعر به عديد من العمال الغارقين بالفعل في الاتصالات الإلكترونية.
ويعترف المسؤولون التنفيذيون في شركة مايكروسوفت بأن هناك أشياء كثيرة لا يعرفونها عن كيفية استخدام العمال للتكنولوجيا الجديدة أو الآثار الجانبية غير المتوقعة التي قد تترتب عليها.
وقال جاريد سباتارو، نائب رئيس شركة مايكروسوفت المسؤول عن جلب ميزات جديدة لتطبيقات الأعمال الخاصة بها: "بالتأكيد نحن في المراحل الأولى وأننا نتعلم فقط. أنا متأكد من أن هناك أشياء لا نفكر فيها الآن". لكنه توقع أن المفاجآت الإيجابية سترجح على المفاجآت السلبية، لأن تنوع جوانب الذكاء الاصطناعي التوليدي يجلب استخدامات جديدة وغير متوقعة.
وأضاف سباتارو أن مايكروسوفت جمعت بالفعل بيانات كافية من تجاربها لإظهار أن النسخة الجديدة من كوبايلوت تحقق مكاسب إنتاجية كبيرة. وتخطط الشركة للكشف عن النتائج في مؤتمر إجنايت السنوي الذي تعقده في 14 نوفمبر.
وإلى جانب قياس الوقت الذي يوفره العمال عن طريق القيام بمهام مثل إنشاء النصوص وتحليل الأرقام بطريقة أوتوماتيكية، تقول مايكروسوفت إن اختباراتها تضمنت تشغيل مجموعات تحكم للتحقق من صحة النتائج وتطوير طرق لقياس جودة مخرجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وليس كميتها فقط.
ولكن إلى أن يرى العملاء النتائج ويحصلون على فرصة للتحقق منها من خلال اختباراتهم الخاصة، يجب أن تؤخذ هذه الادعاءات على سبيل الثقة، حيث قال وونج: "في الوقت الحالي، لا يوجد كثير من الحقائق. فإما أن تستثمر الشركات دون تدقيق أو أدلة، أو بالخوف: الخوف من أن تتخلف عن الركب".
وقال سباتارو إنه تم تحديد مبلغ الاشتراك بـ30 دولارا شهريا بعد البحث عما سيكون العملاء على استعداد لدفعه مقابل هذا النوع من المساعدة التي يستطيع أن يقدمها الذكاء الاصطناعي. كما نظرت مايكروسوفت في "حسابات تكلفة لكل فرد" كم يمثل مبلغ الـ30 دولارا شهريا من حيث التكلفة الإجمالية لتوظيف عامل المعرفة؟ وما نوع مكاسب الإنتاجية اللازمة لتبرير تكلفة البرنامج الإضافية؟
وبحسب تقديرات جوندر من شركة فوريستر فإن الإنفاق الإضافي سيكون مبررا حتى مع وجود "افتراضات متواضعة جدا"، على سبيل المثال، بافتراض بأن البرنامج وفر على العامل الذي يتقاضى أجرا عاليا ما لا يقل عن ساعتين في الشهر.
وعلى الرغم من تقديم ادعاءات كبيرة بشأن الذكاء الاصطناعي، سعى المسؤولون التنفيذيون في مايكروسوفت إلى خفض التوقعات بشأن تأثيره على الإيرادات على المدى القصير، بينما كانت توقعات وول ستريت متحفظة. حتى الطرح الناجح للتكنولوجيا قد يضيف 1 في المائة فقط إلى نمو إيرادات مايكروسوفت في سنتها المالية لعام 2025، التي تبدأ في يوليو المقبل، حسب تقديرات المحلل وود من شركة تي دي كوين. وأضاف وود أن هذا يعادل نحو 2 إلى 2.5 مليار دولار.
كما يمكن للمنافسة مع شركات البرمجيات الأخرى أن تحد من الإمكانات. إن واجهات برمجة التطبيقات التي تقدمها شركة أوبن أيه آي وغيرها من الشركات المصنعة للنماذج اللغوية الكبيرة، التي تسهل على البرامج الاستفادة من خدماتها، فتحت الطريق أمام الذكاء الاصطناعي التوليدي ليصبح سمة قياسية لعديد من تطبيقات البرامج.
وقال وود: إن مايكروسوفت ستظل تتمتع بعدد من المزايا مقارنة بالشركات الأخرى، مثل القدرة على الاستفادة من البيانات الموجودة في تطبيقات مايكروسوفت وعلاقتها الوثيقة مع شركة أوبن أيه آي. لكن ليس من الواضح مقدار العلاوة التي ستكون قادرة على طلبها إذا أصبح إنشاء رسائل البريد الإلكتروني أو تلخيص المستندات بشكل أوتوماتيكي، أنشطة روتينية متاحة من خلال عديد من التطبيقات المختلفة. وأضاف: "سنرى ما إذا كان بإمكان مايكروسوفت الحفاظ على أسعارها هذه محددة".