رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الأسهم وعدالة سعر الطرح الأولي

تعرف عدالة سعر الطرح الأولي في الأسواق المالية بشكل عام بأنها انعكاس لمستويات الشفافية والنزاهة في عملية الطرح الأولي، ولضمان هذه المسألة تضع الهيئات المشرفة على الأسواق المالية في كل العالم عديدا من الإجراءات واللوائح، تعمل كمصدات لضمان عدالة سعر الطرح الأولي، وحماية المستثمرين والمصدرين على حد سواء. هذه الآليات تعمل على منع أي تلاعب أو ممارسات غير نظامية في تسعير الأوراق المالية أثناء الطرح العام الأولي IPO، وأول هذه المصدات هي الرقابة التنظيمية التي تنفذها هيئة السوق المالية لترسم دورها في الإشراف على عملية الاكتتاب العام، وضمان الامتثال للقوانين واللوائح ذات الصلة ومراجعة بيانات التسجيل المقدمة من الشركات التي تخطط للاكتتاب العام، وتدقيق الجوانب المختلفة بما في ذلك الإفصاحات المالية، والعمليات التجارية، واستراتيجيات التسعير، وتساعد هذه الرقابة التنظيمية في الحفاظ على العدالة من خلال ضمان توفير معلومات دقيقة للمستثمرين المحتملين.
وعلى هذا الصعيد، هناك عامل مهم آخر في ضمان عدالة سعر الطرح الأولي، وذلك بمشاركة المتعهدين وهم مؤسسات مالية أو بنوك استثمارية تساعد الشركات على إصدار الأوراق المالية للجمهور، وتقوم بدور حيوي في تحديد سعر الطرح الأولي من خلال إجراء العناية الواجبة الشاملة على البيانات المالية للشركة وظروف السوق وطلب المستثمرين، ويستخدم متعهد الطرح خبراته لتقييم العوامل المختلفة وتحديد السعر، ويمارس في هذا أعلى درجات النزاهة، ذلك أن المتعهد حريص على سمعته المهنية أكثر من حرصه على مكاسب مؤقتة.
ويلاحظ أن هناك آليات أخرى تسهم في ضمان العدالة في تحديد سعر الطرح الأولي وهي بناء سجل الأوامر، الذي يتضمن جمع مؤشرات الاهتمام من المستثمرين المحتملين قبل تحديد سعر الطرح، ومن خلال هذه العملية، يقوم المتعهد بقياس الطلب من المستثمر المؤسسي، ويمكن إجراء تحليل تقييم وتسعير مستقل لضمان عدالة سعر الطرح الأولي. وهنا لا بد أن نفهم أن الحرية الاقتصادية تعد من العوامل المهمة أيضا، فلا يوجد ضمان مسبق لأي شركة بنجاح الاكتتاب، وهذا الوضع مرهون بمدى تقبل المستثمرين للشركة والطرح الأولي الخاص بها، ولذلك يجب أن تعمل الشركة جاهدة لتحسين سمعتها التجارية وتعيين أفضل المراجعين الخارجيين لتقييم أصولها، وقد ثبت من خلال الأبحاث أن الثقة بالمراجع الخارجي لها أثر في قبول التسعير الأولي.
وفي تقرير نشرته "الاقتصادية" أخيرا استند إلى بيانات "تداول" تبين أنه من بين 23 شركة تم إدراجها في سوق الأسهم الرئيسة خلال العامين الماضي والجاري، هناك خمس شركات تتداول دون سعر الاكتتاب بما نسبته 22 في المائة من الشركات المطروحة للاكتتاب آخر عامين، وسجلت هذه الشركات تراجعات راوحت بين 9 و34 في المائة عن سعر الطرح وبخسائر سوقية 2.86 مليار ريال، فهل كانت أسعار الاكتتابات لتلك الشركات مبالغا فيها؟
ومن المهم قبل أن نحسم الإجابة عن السؤال الذي تمت إثارته بشأن احتمالية أن تكون أسعار الاكتتابات للشركات مبالغا فيها، فلا بد من توضيح أنه ليست كل الشركات التي تم طرحها قد تراجعت أسعارها، حيث هناك 23 شركة تم إدراجها، بينما التي حققت تراجعا في أسعارها بلغت خمس شركات، فهنا أكثر 78 في المائة من الشركات لا تزال تتداول عند أسعار أعلى من سعر الطرح، الأمر الآخر بشأن مثل هذه التراجعات في أسعار الأسهم عن سعر الاكتتاب هو أنها ليست ظاهرة جديدة، بل هي مألوفة في الأسواق المالية كافة وحول العالم، وهناك عديد من الدراسات التجريبية لفهم الأسباب الكامنة خلف انخفاض سعر سهم الشركة بعد الطرح.
ومن الملاحظ، فقد أشارت هذه الدراسات إلى عدة أسباب وراء حدوث ذلك، أحد هذه الأسباب الرئيسة لانخفاض سعر السهم بعد الاكتتاب العام، هو ظروف السوق، حيث يمكن أن يكون لمسار السوق العامة وثقة المستثمرين تأثير كبير في أداء الأسهم المدرجة حديثا. إذا كان هناك تراجع عام في السوق أو إذا تحولت معنويات المستثمرين إلى السلبية، فقد يؤدي ذلك إلى فرض ضغط هبوطي على أسعار أسهم الشركات المدرجة حديثا، علاوة على ذلك، قد يكون هناك تناقض بين التوقعات التي وضعتها الشركة وأدائها الفعلي. فقبل طرح أسهم الشركة للاكتتاب العام، في الأغلب ما تنشئ الشركات سردا إيجابيا حول آفاق نموها وإمكانات الأرباح المستقبلية. ومع ذلك، بمجرد أن يتم تداولها علنا، قد يجد المستثمرون أن هذه التوقعات كانت مفرطة في التفاؤل أو غير واقعية. ونتيجة لذلك، قد ينخفض سعر السهم، حيث يعدل المستثمرون توقعاتهم على أساس الأداء الفعلي. من الأسباب أيضا ما تفرضه هيئات الأسواق المالية من حظر لبيع الأسهم الخاصة بالمؤسسين، وبمجرد انتهاء فترات الحظر، قد يختار المطلعون بيع أسهمهم، الأمر الذي يمكن أن يزيد من المعروض من الأسهم في السوق ويضع ضغطا هبوطيا على الأسعار.
هذا التحليل لا يعني أن خللا ما قد لا يحدث في ضمانات السعر العادل وضمانات الشافية والنزاهة، وحدثت مثل هذه الظاهرة في السوق المالية السعودية خلال فترة ماضية، وتم اكتشاف التلاعب من قبل الهيئة التي أحالت جميع المتورطين إلى القضاء وتم إيقاع عقوبات مختلفة، فالتلاعب المقصود بالأسعار سيكون ثمنه عقوبات رادعة بشأن كل من يتورط في ذلك، واكتشاف الحالات السابقة يؤكد أن الحالات التي رصدتها وحدة التقارير في "الاقتصادية" وشملت تحليلا موسعا للشركات الخمس المذكورة ستكون محل دراسة وتحليل لفهم الأسباب الكامنة خلف التراجع، فإذا كانت الأسباب طبيعية، فإن التراجع في حد ذاته يمثل نوعا من المخاطر غير المنتظمة، التي يواجهها المستثمرون في السوق، وإذا كانت تعود إلى تضليل متعمد، فإن ذلك مما يمكن اكتشافه، وتطبيق الإجراءات الرادعة ضد هذه الممارسات الخاطئة والضارة بالسوق والمستثمرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي