رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


فجوة وتباطؤ وقلق

أصبح السؤال متى سيتم تخفيض أسعار الفائدة؟ السؤال الأبرز الذي ظل يطرح باستمرار من قبل معظم المهتمين بالشؤون الاقتصادية في كل العالم اليوم، فالجميع أصبح على قناعة تامة بأن أسعار الفائدة الحالية قد وصلت حدها الأعلى الذي يتناسب مع مستويات التضخم العالمية. ومن المؤكد أن صورة الاقتصاد العالمي ليست كما كانت في بداية هذا العام، حيث كانت آراء صندوق النقد الدولي غير مشجعة بشأن آفاق النمو في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا، واستمرار البنوك المركزية حينها في رفع أسعار الفائدة مع بلوغ التضخم مستويات 8 في المائة، ونتيجة لذلك شهدنا منذ بداية العام موجة إفلاس البنوك بدءا ببنك "إس في بي" ثم المشكلات المالية في البنوك الأوروبية مع إنقاذ بنك "كريدي سويس"، مع تحذيرات للقطاع المالي مع تزايد مخاطر تعثر المقترضين في سداد ديونهم نتيجة ارتفاع أسعار الفائدة خاصة في القروض العقارية التجارية، لقد كان التشاؤم يضرب بأطنابه في جميع التحليلات الاقتصادية، لكن مع اقتراب نهاية العام تبدو الغيوم كأنها تتجه للرحيل، فالاقتصاد أصبح أكثر وضوحا، وهناك استقرار مع تأقلم البنوك والشركات مع أسعار الفائدة الجديدة، كما أن التضخم يتجه نحو الاستقرار في أعقاب الأخبار، التي صدرت نهاية الأسبوع الماضي عن نمو الاقتصاد الأمريكي بشكل غير متوقع بنسبة 5 في المائة تقريبا على أساس سنوي في الربع الثالث، ما يؤكد قوة أكبر اقتصاد في العالم وتميزه، واتجاه البنك المركزي الأوروبي لوقف سلسلة من تضييق السياسة النقدية وبدء مناقشة بشأن التخفيض على الرغم من قول رئيسة البنك المركزي الأوروبي إن ذلك سابق لأوانه تماما، وفي ظل هذا التغير، فإن الأسئلة قد تبدلت تماما بين رفع الفائدة والحد الأعلى المتوقع، إلى التخفيض والحد الأدنى، وذلك في ظل بيانات تتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.6 في المائة العام المقبل من 2.9 في المائة المتوقعة هذا العام.
ومن هنا يؤكد عدد من الاقتصاديين العالميين، وفق ما نشرته "الاقتصادية" أن لدى البنوك المركزية اليوم أعلى أسعار الفائدة من أجل مكافحة التضخم، وأن هذه الأسعار ما زالت تقيد النشاط الاقتصادي، ويرون أن الأمر يحتاج بعض الوقت قبل أن يتحقق نمو عالمي فوق متوسطه التاريخي، كما أن الاستطلاع الذي أجرته "رويترز" يؤكد أن 200 اقتصادي من مجموع 500 تم أخذ آرائهم في الفترة من السادس إلى الـ25 من أكتوبر، في 48 دولة شملها الاستطلاع، ما زالوا يرون التضخم عند مستويات تضر بالاقتصاد العالمي ويطالبون بتأجيل دعوات خفض الفائدة، ما يشير إلى أن أسعار الفائدة ستظل مرتفعة أيضا فترة أطول، وتستند وجهة النظر هذه إلى أنه رغم النجاح واسع النطاق في خفض التضخم من أعلى مستوياته، فإن الأسعار لا تزال ترتفع ولن يتم تحقيق أهداف التضخم في وقت قريب، وكما أكد 75 في المائة ممن شارك في استطلاع "رويترز" أن المخاطر التي تهدد توقعات التضخم تميل إلى الارتفاع، وفي هذا المسار يقول كبير الاقتصاديين في BMO: "إن السياسة النقدية حاليا قد لا تكون مقيدة للاقتصاد بما يكفي، والنمو الذي تحقق في الاقتصاد الأمريكي يؤيد هذا الاتجاه، ولذلك يرى أنه قد يتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي في النهاية أن يعود لرفع أسعار الفائدة، لكن مثل هذا الرأي لم يعد مسموعا الآن، فالجميع يتحدث عن تخفيض أسعار الفائدة، وإن اختلفوا في التوقيت لذلك، فهناك تباين واضح بشأن التوقيت المناسب لتخفيض أسعار الفائدة ليس بين الخبراء الاقتصاديين والاحتياطي الفيدرالي، بل حتى بين البنوك المركزية نفسها، فمن المتوقع، وفق تقرير نشرته "الاقتصادية" بداية هذا الأسبوع أن بنوك الاحتياطي النيوزيلندي، والأسترالي وبنك إندونيسيا والهندي تتجه إلى تأجيل النظر في تخفيض أسعار الفائدة، وأن بنك اليابان، الذي ظل متمسكا بسياسة شديدة التساهل قد يبدأ دورة رفع أسعار الفائدة في العام المقبل، وهذا الاتجاه تؤيده استطلاعات رأي الخبراء التي تظهر أن تأييد هذا الاتجاه يتزايد مع الوقت.
وعلى هذا الصعيد، فإن ما يمكن تأكيده اليوم، هو أن الجميع تقريبا، متفقون على أن أسعار الفائدة قد وصلت مستويات مناسبة، وأن الحديث عن رفع أسعار الفائدة قد تلاشى تقريبا -باستثناء اليابان التي لم ترفع أسعار الفائدة منذ البداية، بل حافظت على مستوياتها قبل أزمة التضخم- لكن هناك تباينا حول استمرار الأسعار الحالية أو البدء في تخفيضها، النقاش يدور -كما أسلفنا- حول التوقيت المناسب، هناك من يرى أن الأمر قد يبدأ مع بداية 2024، أو في منتصفه على الأقل، والبعض -وهم الأغلبية- يدعمون عدم التخفيضات حتى النصف الثاني من 2024، ويتفق الجميع تقريبا على أن التخفيض لن يكون على شكل سلسلة سريعة، وأن الخطوة الأولى ستشكل تحولا نحو تحفيز الاقتصاد، ولهذا فإن القلق لا يزال مستمرا بشأن السيطرة على التضخم، فالمخاطر لا تزال في المنظور، لكن هذه المخاطر لا تشمل ارتفاع الأسعار فقط، بل إن بقاء أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة قد يقيد النشاط أكثر مما ينبغي، ومن المتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي إلى 2.6 في المائة العام المقبل من 2.9 في المائة المتوقعة هذا العام، فأي المخاطر أهم، هل القلق من تخفيض أسعار الفائدة بعد أن تأقلمت عليها الشركات والبنوك سيقود إلى العودة للتضخم السريع، وبالتالي العودة لرفع أسعار الفائدة، ما يتسبب في إرباك لا حد له وقد تفشل بنوك جديدة؟ أو أن خطر تباطؤ النمو هو الأكثر قلقا، ما قد يتسبب في تراجع أكثر مما ينبغي وتصعب معالجته إلا بتخفيضات للفائدة أكثر مما ينبغي وهو مما يربك أيضا؟ الجدير بالاهتمام أن الاقتصاد الأمريكي الذي يقود أسعار الفائدة العالمية يبدو مختلفا عن الباقين، ففي وقت يتراجع فيه الاقتصاد العالمي يتجه الاقتصاد الأمريكي للنمو، بينما الاقتصاد العالمي في تباطؤ، وبهذه الوتيرة هل يقود هذا إلى إحداث فجوة، خاصة أنه لا يوجد تنسيق عالمي في شأن أسعار الفائدة، بل هو مما تتحكم فيه مجالس إدارات منعزلة عن بعضها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي