رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


الحيل النقدية وإغراق الأسواق بالأموال

تدهور في سعر صرف الين وضعف في النمو الاقتصادي وصعوبة بالغة في السيطرة على منحنى عوائد السندات الحكومية، جميعها أمور مقلقة لمتخذي القرار في اليابان وذات تأثيرات كبيرة محتملة في اقتصادات الدول الأخرى، هذا رغم التحسن البسيط في نمو الناتج المحلي هذا العام نتيجة الانخفاض الحاد في سعر صرف الين.
بداية الأزمة اليابانية انطلقت حين أدى تهور ضخ الأموال في القطاع العقاري الياباني خلال الثمانينيات الميلادية إلى انفجار فقاعة عقارية مدوية، حين بدأ بنك اليابان المركزي رفع معدلات الفائدة لكبح التضخم، وانتهى به الأمر إلى إدخال الاقتصاد الياباني في دوامة من التحديات، وتراجع في النمو الاقتصادي منذ ذلك الوقت. أدى ضخ السيولة في بداية الثمانينيات إلى ارتفاع أسعار العقار والتضخم على وجه العموم، الذي كان قد وصل إلى 23 في المائة قبل ذلك بعدة أعوام، وبالفعل نجح بنك اليابان في السيطرة على التضخم الذي استمر بالنزول إلى ما دون الصفر في الأعوام اللاحقة، ولكن لم ينجح في إنعاش الاقتصاد ولا في استقرار سعر الصرف.
أثناء العصر الذهبي للاقتصاد الياباني كان سعر صرف الين يتجاوز 300 ين للدولار، ما أدى إلى انتعاش الصادرات اليابانية وتحسن النمو الاقتصادي لعدة أعوام، حيث كان النمو السنوي للناتج المحلي يتجاوز 10 في المائة في بعض الأعوام، وبعد الفقاعة العقارية وارتفاع معدلات الفائدة تدهور النمو نتيجة تحسن سعر الصرف من نحو 160 ين إلى أقل من 90 ين للدولار في 1995، فوجدت اليابان نفسها في مأزق كبير: الاستمرار في رفع معدلات الفائدة للسيطرة على التضخم، ولكن مع ارتفاع سعر الصرف وإضعاف النشاط الاقتصادي، أو العمل على خفض معدلات الفائدة المكلف على الحكومة لتحريك الاقتصاد مع احتمال عودة التضخم، إضافة إلى أن طبيعة الاقتصاد الياباني وسلوك الاستهلاك والادخار في المجتمع الياباني لم تساعد على إنعاش الاقتصاد كما ينبغي.
منذ 2012 انتهجت اليابان، بقيادة رئيس الوزراء السابق شينزو آبي، سياسة رفع مستوى التضخم في البلاد بإغراق الأسواق بالأموال في محاولة لتحريك الاقتصاد، فقامت بخفض معدلات الفائدة بشكل كبير وصلت إلى دون الصفر ولكن بلا فائدة تذكر. وعندما استنفد بنك اليابان جميع الحيل النقدية لديه، التي تكون موجهة نحو معدلات الفائدة على المستوى القصير جدا، ولا تؤثر كثيرا في معدلات الفائدة على المدى الأطول، كعام وخمسة أعوام وعشرة وأكثر من ذلك، اضطر حينها بنك اليابان لتفعيل آلية السيطرة على أسعار السندات من خلال ما يعرف بالتحكم بمنحنى عوائد السندات. المشكلة أن هذه الآلية لم تنجح كما هو متوقع ما اضطر البنك إلى رفع سقف العائد على السندات العشرية تدريجيا إلى 1 في المائة، وهذا يعني أن بنك اليابان يشتري السندات من المستثمرين ولكنه لا يستطيع الدفاع عن عائد متدن لفترة طويلة.
أساس المشكلة أن هناك مستثمرين ومضاربين غير راضين عن عوائد السندات المتدنية في اليابان، فيقومون ببيع السندات على بنك اليابان ويحولون أموالهم إلى الدولار من أجل الاستثمار في السندات الأمريكية التي تمنح عائدا أفضل بكثير مما هو متاح في اليابان. هذه العمليات تؤدي إلى ضغط على عوائد السندات اليابانية بجعلها ترتفع بينما يحاول بنك اليابان منعها من الارتفاع، وفي الوقت نفسه تؤثر عمليات الاستثمار في السندات الأمريكية في تدهور سعر صرف الين بسبب تحويل الأموال إلى دولارات. وكما هو معروف في نظرية تكافؤ أسعار الفائدة بين الدول، فالذي يحدث أن الدولة ذات الفائدة المتدنية يرتفع سعر صرف عملتها مستقبلا من أجل أن تكون معدلات الفائدة الحقيقية بين الدول متساوية.
مع احتمال استمرار معدلات الفائدة في أمريكا وأوروبا، فإن صعوبة التحكم في منحنى العوائد اليابانية ستستمر، ما يعني أن على بنك اليابان الاستمرار في الدفاع عن السندات اليابانية بالاستمرار بشرائها، ولكن ذلك يتطلب بيع بعض مما لديه من سندات أمريكية لاستخدام متحصلاتها في شراء السندات اليابانية.
وهنا يأتي تخوف السلطات النقدية والمالية في أمريكا من تخلص اليابان مما لديها من سندات أمريكية، لكون ذلك سيرفع من عوائد السندات الأمريكية بشكل يخالف توجهات الفيدرالي الأمريكي. هناك انخفاض متواصل في نسبة تملك الأجانب للسندات الأمريكية من نحو 47 في المائة في 2012 إلى 38 في المائة في 2018، ثم إلى 29 في المائة حاليا، علما أن اليابان هي أكبر المستثمرين بنحو 1.1 تريليون دولار حاليا.
الأوضاع النقدية والمالية في اليابان مهمة لمعظم دول العالم وللمملكة على وجه الخصوص بسبب حجم التبادل التجاري بين البلدين، الذي يأتي عادة بعد الصين من حيث الصادرات، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في الأعوام الخمسة الماضية 657 مليار ريال، بحسب وزارة التجارة السعودية، بينما تؤمن السعودية أكثر من 40 في المائة من واردات اليابان النفطية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي