التجارة السياحية في أثينا .. صداع متنام للسكان
أثينا هي مدينتي. وقضيت فيها معظم الـ16 عاما الماضية، ومثل جميع العلاقات طويلة الأمد، فهي علاقة وقعت في حبها وخرجت منها. لقد اجتذب الأكروبوليس ووسط المدينة التاريخي الزوار عدة قرون، لكن في الآونة الأخيرة، بدأ الازدهار السياحي الذي لا يمكن السيطرة عليه في تعطيل الحياة اليومية.
كانت الأمور مختلفة تماما عندما انتقلت هنا أول مرة في 2007 على بعد مرمى حجر من متحف الأكروبوليس، الذي لم يكن قد فتح أبوابه بعد.
كان الحي هادئا وبه موقف سيارات واسع، وأكشاك الفواكه على مسافة قريبة، وجيران أعرفهم بالاسم. بالكاد كنت أسمع أي ضجيج في الليل. في ذلك الوقت، شعرت كأن السياح يتدفقون إلى المدينة بخجل، وكنت أرحب بهم، وشعرت أن مدينتي يتم المرور بها في السابق باعتبارها مجرد محطة ضرورية في الطريق إلى إحدى الجزر في بحر إيجه. عندما ظهرت شركة أير بي إن بي لأول مرة في اليونان، أدرجت شقتي فيها بلهفة، وكنت أمثل دور الحارس بالمجان حتى يتمكن ضيوفي من تجربة الأماكن التي أحببتها.
وبعد مرور عامين، عندما ضربت الأزمة الاقتصادية، ظهرت علامات في وسط المدينة تدل على دولة في حالة متدهورة. وأدت الإضرابات الأسبوعية المناهضة لإجراءات التقشف إلى إصابة مركز المدينة بالشلل. وفي الأغلب ما كانت مصحوبة بمظاهرات تتحول إلى اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمتظاهرين. وانتقل عديد من أصحاب المتاجر إلى أماكن أخرى. وانخفضت أسعار العقارات، وانخفض عدد الزوار. وفي 2012، لم يتجاوز عدد الوافدين الدوليين إلى مطار أثينا 8.4 مليون شخص.
لكن بعد أن تجاوزت البلاد الأزمة التي استمرت عقدا من الزمن، كنت سعيدة برؤية متاجر جديدة تفتح أبوابها، والمقاهي والمطاعم التي تستحوذ على المساحات المهجورة، والمدينة تستعيد حيويتها.
وفي 2019، استقبلت أثينا 17.8 مليون وافد دولي. لكن منذ ذلك الحين، مع الانقطاع خلال فترة الجائحة، تسارع التحول نحو السياحة، دون وجود خطة لحماية السكان.
تم افتتاح خمسة فنادق جديدة في الأعوام الأربعة الماضية في شارع ضيق قبالة ميدان سينتاجما، الذي كان في السابق موطنا للمتاجر والمطاعم الصغيرة. يقول الكاتب نيكوس فاتوبولوس، الذي يقود جولات المشي في المدينة: "معظم الاستثمارات في أثينا تتعلق بالفنادق. على الرغم من إيجابية ذلك بالنسبة إلى الحركة الاقتصادية، إلا أنه مقلق بالقدر نفسه لمستقبل أثينا، الذي يبدو محبطا لسكان وسط المدينة".
في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام، كان هناك 14.9 مليون وافد من خارج البلاد: بزيادة 7 في المائة عن الفترة نفسها من 2019. وما كان في السابق مجرد تدفق للسياح في الصيف، فقد انتشر عبر العام كله: حيث كان عدد الوافدين في شهري يناير وفبراير ضعف ما كان عليه في 2022.
ما يميز أثينا عن العواصم الأخرى هو أن السياح يتدفقون إلى منطقة صغيرة نسبيا. تقول إيوانا دريتا، رئيسة منظمة ماركيتينج جريس، وهي منظمة غير حكومية تدعم السياحة اليونانية: "لم يقتصر الأمر على زيادة عدد الوافدين بشكل كبير فحسب، لكن السياح يتركزون في دائرة قطرها صغير حول الأكروبوليس".
لقد باتت معالم حياتي اليومية تتآكل الآن، وأشعر كما لو كنت أعيش في الفناء الخلفي القذر لمعبد البارثينون. وفي حي بلاكا الذي أعيش فيه، أصبح متجر الأجهزة المحلي عندنا مطعما آخر للسياح، وحلت وكالة لتأجير السيارات محل متجر ملابس يقع على الزاوية. كما أنني أتشاجر يوميا مع سائقي سيارات الأجرة والحافلات الصغيرة والحافلات ذات الطابقين المتوقفة بشكل غير قانوني على الطريق السريع خارج منزلي، التي تتسبب في فوضى مرورية. والحانات تشغل الموسيقى بصوت عال حتى ساعات الفجر، وتنتشر المقاهي والمطاعم على الرصيف، مجبرة المارة على حشر أنفسهم للمرور بين الطاولات التي يحاول الناس الاستمتاع عليها بغدائهم أو قهوتهم. أضف إلى ذلك الدراجات الكهربائية التي يستأجرها السياح، ويمكنك أن تتخيل الفوضى.
لم تؤد المساكن المؤجرة لمدة قصيرة إلى تدمير الأحياء فحسب، بل أيضا إلى تأجيج أزمة الإسكان، حيث يتم استخدام الشقق بشكل متزايد لعقود إيجار مربحة. لكن على عكس السلطات المحلية في أمستردام ونيويورك، التي تحركت لتقييد الإيجارات عبر تطبيق أير بي إن بي، ركزت اليونان على فرض الضرائب على أصحاب العقارات الذين يمتلكون منازل متعددة مخصصة للإيجارات القصيرة.
مع ذلك، قد يكون التغيير قادما. حيث وعد هاريس دوكاس، عمدة أثينا الجديد، الذي تم انتخابه هذا الشهر، بمعالجة مشكلات السياحة. وكثير يتوقف على ما إذا كان سينفذ وعوده أم لا.
وتحذر دريتا من أن الخطر يكمن في أن الاستياء المتزايد بين الأثينيين سينتقل إلى الزوار. تقول: "السياحة هي امتداد لحياة السكان المحليين. لا يمكن أن يكون لدينا سياح سعداء إذا لم يكن لدينا سكان سعداء".