رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


جودة القرارات بصحة البيانات

إن التخطيط السليم ورسم السياسات الاقتصادية يتطلبان توافر بيانات شاملة وموثوقة لاستخدامها في التحليل والقيام بالتقديرات اللازمة وبناء الخطط الاقتصادية المستقبلية. ولذلك يدرك المعنيون بوضع السياسات وصنع القرار أن الاستخدام الفاعل للبيانات الإحصائية أمر أساسي لاتخاذ قرارات سليمة تسهم في تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة. والأهداف الإنمائية لمختلف الخطط.
وقد أدى استخدام التكنولوجيا في العصر الحديث إلى تغييرات كبيرة على مستوى الاقتصاد والمجتمعات والشركات، إضافة إلى زيادة الإنتاج الصناعي في القطاعات الأخرى. أدت هذه التطورات السريعة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى نمو هائل في كمية المعلومات التي تم جمعها، ولذلك فإن مراقبة الاقتصاد في جميع الأحوال أمر له أهمية كبيرة لدى الحكومات والمنظمات الدولية والبنوك المركزية. وعليه فإن استخدام علم البيانات والتعلم الآلي عن طريق جمع كمية كافية من البيانات والمعلومات يساعد على صنع القرارات حيث يحتاج صانعو القرارات إلى معلومات اقتصادية كاملة ومتاحة من أجل تصميم سياسات فاعلة تساعد على تعزيز النمو الاقتصادي.
تتعلق الأهمية البالغة للبيانات الاقتصادية التي تتسم بالدقة وحسن التوقيت في إرشاد القرارات التي تتخذ بشأن السياسات، خاصة أثناء الأزمات. ونلاحظ كيف عطلت جائحة كوفيد - 19 إنتاج كثير من الإحصاءات الأساسية. ودون البيانات ذات المصداقية، لا يستطيع صناع السياسات تقييم مدى الأضرار التي تلحقها بالأفراد والاقتصاد.
ومن هنا تعتمد الحكومات حول العالم على البيانات التي يستند إليها، ليس فقط لإعلان أرقامها، بل للاستناد إليها في رسم سياساتها المحلية. وهذا أمر مفهوم تماما. فلا يمكن وضع قانون أو اتخاذ قرار في أي مسألة محلية دون بيانات دقيقة، خصوصا في الدول التي تتعرض فيها هذه الحكومات إلى تدقيق حقيقي من الجهات التشريعية، وحتى من مؤسسات المجتمع المدني التي تتمتع بنفوذ أحيانا يكون مباشرا في رسم السياسات عموما. وتختلف جودة البيانات من دولة إلى أخرى. وحتى في الدول المتقدمة التي تخضع للرقابة النيابية والمجتمعية، لم تصل هذه الجودة إلى المستوى الذي يساعد الحكومات على وضع السياسات المناسبة أو المتطابقة مع الحالة الحقيقية الموجودة على الأرض.
والبيانات كلها تبقى أساسا للاستراتيجية العامة. فإذا كانت تختص (مثلا) بالنشاط التجاري، لا يمكن للحكومة هنا وهناك، تطوير اتفاقياتها مع الأطراف الأخرى، دون أن تكون أمامها أرقام حقيقية. والأمر ينسحب على كل شيء. وهنا تبرز جودة القرار الآتي من جودة البيانات. والأرقام التي تأتي عبر هذه البيانات تمثل محورا رئيسا للحكومات، بل تقلل أو تزيد من شعبيتها. ومن هنا، فإن القرارات التي تستند إلى بيانات غير دقيقة عادة ما تترك آثارا سلبية لفترة طويلة، حتى لو خرجت الحكومة من الحكم فعلا. ففي الصيف الماضي مثلا، ارتكبت حكومة ليز تراس التي لم تصمد في الحكم أكثر من 44 يوما، خطأ فادحا بفعل استنادها إلى بيانات واستنتاجات بشأن خفض الضرائب. ماذا حدث؟ يدفع البريطانيون الآن ولمدة طويلة آتية، ثمنا لذلك عبر ارتفاعات ضخمة لأسعار الفائدة على القروض السكنية.
ودقة البيانات ترفع أيضا من سمعة الدول التي تصدر منها. ما يمنحها تصنيفات خارجية عالية أو ما يجعلها تحافظ على تصنيفاتها المرتفعة. بمعنى آخر، لا يمكن للنشاط الاقتصادي الصحي (العمل) دون بيانات عالية الدقة، وتستند إلى الحياد، وتبتعد عن "التسييس" إن جاز القول. ولا مبالغة في القول، إن صناع السياسات يسيرون بلا هدى إذا لم تكن أمامهم أرقام حقيقية وبيانات عالية الجودة. فهذه الأخيرة مهمتها ليس سوى مرشد للمشرعين أو واضعي السياسات، بصرف النظر عن سلبياتها أو إيجابياتها. في أزمة الديون الخطيرة التي ضربت عددا من الدول الأوروبية في نهاية العقد الأول من القرن الحالي، كانت البيانات الصادرة عن الدول التي عانت هذه الديون غير دقيقة بل متضاربة، ما أخر حزم الإنقاذ التي طرحتها المفوضية الأوروبية بدعم من ألمانيا.
والمشكلة الرئيسة هنا، أن أمر البيانات غير الدقيقة لا يقتصر على دول لا تتمتع بالشفافية السياسية والتشريعية، بل تشمل دولا متقدمة. كما أن هناك اختلافات في توصيفات بعينها مرتبطة ببيانات أساسية مثل سوق العمل. فرغم أن البطالة (مثلا) بلغت في بريطانيا أخيرا 4.2 في المائة، وهو أمر ليس سيئا بالمعيار العام، إلا أن مفهوم البطالة بحسب الشرائح العمرية أو الأوضاع الشخصية لكل فرد في هذا البلد، لا يوجد اتفاق حوله من جهات عدة. ومن هنا، ينبغي أن تكون الأمور واضحة ليس فقط عبر دقة البيانات الرسمية أو الإحصائية، بل أيضا من جهة توصيف الحالة قيد البحث.
إن الأمر ليس معقدا بقدر ما هو غير واضح. فأي اختلاف حتى في المفهوم العام، يربك صناع السياسة المالية في مسألة تحديد سقف الفائدة مثلا. وخلاصة القول فإنه لا يمكن أن تكون هناك قرارات عالية الجودة من حيث التشريع والتنفيذ، دون معلومات تنقلها بيانات حقيقية تعكس الواقع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي