مواطن ضعف التركيب الديموغرافي في الصين «2 من 2»
خلال العقد الذي انقضى، استمرت الفجوة بين الاقتصادين الصيني والأمريكي في التضييق، وهو ما يرجع جزئيا إلى فقاعة الإسكان الهائلة في الصين. لكن في الفترة ما بين 2031 و2035، ستتخلف الصين عن الولايات المتحدة في كل المقاييس الديموغرافية، ومن المرجح أن ينخفض معدل نمو ناتجها المحلي الإجمالي إلى ما دون نظيره في الولايات المتحدة. إذ انخفض الناتج المحلي الإجمالي الصيني مقارنة بنظيره الأمريكي من 76 في المائة في 2021 إلى 66 في المائة في 2023. في حين إنه من المرجح أن يكون هذا الانخفاض نتيجة لتقلبات قصيرة الأجل، فإنه يمكن أن ينذر بفجوة اقتصادية آخذة في الاتساع بين الصين التي تعاني الشيخوخة السريعة، والولايات المتحدة التي تتمتع بساكنة أغلبها في منتصف العمر.
وقد كان للمزايا الديموغرافية التي تتمتع بها أمريكا دور حاسم في الحفاظ على هيمنتها العالمية. فعلى سبيل المثال، تجاوزت طفرة المواليد في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية مثيلتها في أوروبا. فضلا عن ذلك، شهدت الولايات المتحدة طفرة ثانية في عدد المواليد في أواخر سبعينيات القرن الـ20 وحتى منتصف العقد الأول من القرن الـ21، مع ارتفاع معدل الخصوبة من 1.74 في 1976 إلى 2.1 في 1990، وظل مستقرا حتى 2007.
خلال الفترة نفسها، انخفض معدل الخصوبة في الاتحاد الأوروبي من 2.06 إلى 1.52. وبحلول 2008، كان متوسط العمر في الاتحاد الأوروبي أعلى بأربعة أعوام منه في الولايات المتحدة. فضلا عن ذلك، في حين بدأت قوة العمل في الاتحاد الأوروبي في الانحدار في 2008، فمن المتوقع أن تظل قوة العمل في أمريكا ثابتة حتى 2048. وليس بالأمر الغريب أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي في الاتحاد الأوروبي، الذي كان ضعف نظيره في الولايات المتحدة بمعدل 1.1 في 2008، بنسبة 68 في المائة في 2023 مقارنة بنظيره في الولايات المتحدة.
لكن الولايات المتحدة لديها من الأسباب ما يبرر قلقها. إذ انخفض معدل الخصوبة في أمريكا من 2.12 في 2007 إلى 1.67 في 2022، ومن المتوقع أن يستمر في الانخفاض مع تزايد عدد النساء اللواتي يؤخرن الزواج والإنجاب، ومع انخفاض القوة العاملة من الذكور.
فضلا عن ذلك، غالبا ما تجد الولايات المتحدة صعوبة في معالجة التحديات الديموغرافية بفاعلية. ورغم إنفاقها على الرعاية الصحية أكثر من أي دولة أخرى، إلا أنها تتمتع بأقصر متوسط عمر متوقع في العالم المتقدم. فمن المثير للقلق أن واحدا من بين كل 25 طفلا أمريكيا في سن الخامسة اليوم، سيفارق الحياة قبل بلوغه سن الـ40. ومن بين الأسباب الرئيسة لذلك تعاطي جرعات زائدة من المخدرات والعنف المسلح. وقد تؤدي هذه التحولات الديموغرافية إلى تباطؤ اقتصادي، وتقويض التماسك السياسي، بل وحتى تعريض الديمقراطية الأمريكية للخطر.
لقد دخلت كل من الصين والولايات المتحدة مرحلة من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية التي اتسمت بالقلق الاستراتيجي وتزايد خطر سوء التقدير. يبدو أن كلا منهما يقلل من خطورة الأزمات الديموغرافية التي تواجهه. وإذا لم تعالج مشكلة الفخ الديموغرافي الذي تعيشه الصين فقد يؤدي إلى التعجيل بالانهيار الحضاري.
من ناحية أخرى، قد تكتشف الولايات المتحدة أن نفوذها العالمي قد تضاءل. في حين إنها شكلت النظام الدولي بمفردها، فإن قدرتها على الحفاظ على الاستقرار العالمي تعتمد الآن على تعاون حلفائها والتعامل مع الصين. لكن نظرا للتحديات الديموغرافية التي تواجه الدولتين، فإن صدام "ثوسيديديس" المتوقع بين العمالقة قد يشبه في النهاية شجارا بين الأطفال.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2023.