من إيفرجراند إلى كانتري جاردن .. كيف تكشفت أزمة العقارات في الصين؟

من إيفرجراند إلى كانتري جاردن .. كيف تكشفت أزمة العقارات في الصين؟

يبدو أن كانتري جاردن، أكبر شركة تطوير للقطاع الخاص في الصين، تتجه نحو التخلف عن السداد بعد فشلها في سداد دفعة لسندات خارجية، وهي لحظة حرجة أخرى في الحساب البطيء الذي يجري في قطاع العقارات الضخم في البلد.
قبل عامين تخلفت شركة تطوير أخرى عن السداد، إيفرجراند، وهو ما لخص القلق بشأن حجم المشكلات في العقارات الصينية. لقد راكمت شركة إيفرجراند مطلوبات بقيمة 340 مليار دولار وأصبحت المطور العقاري الأكثر مديونية في العالم.
كان يعتقد منذ فترة طويلة أن شركة كانتري جاردن أكثر استقرارا لكن مشكلاتها تظهر الآن التدهور في هذا القطاع -مع جفاف المبيعات وآلاف مشاريع التطوير المتوقفة عبر الصين- والصعوبات التي تواجهها بكين في فهم مع الأزمة الطويلة التي هزت ثاني أكبر اقتصاد في العالم والتعامل معها.
قال لاري هو، كبير الاقتصاديين الصينيين في جامعة ماكواري: "تكافح الصين لتحقيق التوازن في سياستها العقارية على مدى العامين الماضيين، لقد كانت محاصرة بين تقديم كثير من الحوافز أو عدم تقديم ما يكفي. لقد كانوا يتخبطون، لكن التدابير التي اتخذوها حتى الآن لم تكن كافية لتخفيف مخاطر الائتمان المتعلقة بشركة التطوير التي يتوجس منها مشترو المنازل".
إن الاضطراب بين شركات تطوير العقارات له أهمية كبيرة بالنسبة للصين، لأن قطاع البناء والعقارات كان المحرك لجزء كبير من النمو في البلد. وكثيرا ما أسهمت العقارات والصناعات ذات الصلة بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي.
وأكدت شركة كانتري جاردن الأسبوع الماضي أنها "لن تكون قادرة على الوفاء بجميع التزاماتها المتعلقة بسداد ديونها الخارجية". ولم تقم بسداد السند الذي كان مستحقا في سبتمبر. وانتهت فترة سماح نهائية للدفع مدتها 30 يوما هذا الأسبوع. وتبلغ الديون الدولية على المجموعة الدولية نحو 11 مليار دولار وإجمالي التزاماتها نحو 200 مليار دولار في يونيو.
وانخفضت مبيعات كانتري جاردن 44 في المائة على أساس سنوي في الأشهر الستة الأولى من عام 2022. وانخفضت أسهم الشركة نحو 70 في المائة هذا العام، بينما يتم تداول سنداتها بنحو 5 سنتات على الدولار.
ومن المتوقع أن تنضم المجموعة إلى عشرات من المطورين الآخرين في السعي لإعادة هيكلة الديون الخارجية. لكن وضع التزاماتها الأكبر كثيرا في البر الرئيس، التي تشمل القروض من البنوك وشركات الاستثمار، يظل محاطا بالغموض.
ولا تزال شركة إيفرجراند نفسها تكافح من أجل وضع اللمسات الأخيرة على عملية إعادة الهيكلة المخطط لها منذ فترة طويلة، التي خرجت عن مسارها الشهر الماضي عندما فشلت في المضي قدما في إعادة تمويل دين خارجي بسبب تحقيق تنظيمي غير محدد. وتواجه شركة إيفرجراند جلسة استماع للتصفية في إحدى محاكم هونج كونج في 30 أكتوبر.
قال جاري نج، كبير الاقتصاديين في ناتيكسيس في هونج كونج، إن عدم اليقين بشأن ما إذا كانت اللوائح التنظيمية قد تم تغييرها يخاطر "بجر المطورين الآخرين إلى المستنقع".
وقد اعتمد مطورو العقارات في الصين لأعوام على إصدار السندات الخارجية والداخلية لدعم نشاطهم التطويري في البر الرئيس. في الأغلب ما يقوم المطورون ببيع الشقق قبل اكتمالها، مستخدمين الأموال للاستثمار في مشاريع تطوير جديدة في أماكن أخرى.
لكن عندما سعى صناع السياسات إلى تقييد الاقتراض الجديد بسياسة "الخطوط الحمراء الثلاثة" الصارمة عام 2020، انهار نموذج جمع الأموال القديم الذي اعتمده المطورون.
كما واجه معظم المطورين العشرة الكبار عام 2020 انخفاضا حادا في المبيعات وسط تراجع ثقة المستهلك، ما زاد مخاوف المطورين بشأن السيولة. هناك دلائل تشير إلى أن مشتري المنازل فضلوا بدلا من ذلك الشراء من شركات التطوير المدعومة من الدولة، التي ينظر إليها على أنها أقل عرضة للإفلاس.
وفي محاولة لتصحيح المسار، كشف صناع السياسات في نوفمبر الماضي عن تدابير دعم لقطاع العقارات. وفتحت البنوك خطوط ائتمان جديدة للمطورين الذين يعدون ذوي جودة عالية، بما في ذلك شركة كانتري جاردن. لكنها فشلت حتى الآن في وقف أزمة السيولة.
لقد أصبحت الآن أكثر من نصف أكبر 50 شركة تطوير عقاري عام 2020 في وضع التخلف عن السداد، حيث تظهر أرقام شركة بلومبيرج أن المطورين الصينيين تخلفوا عن سداد نحو 115 مليار دولار من أصل 175 مليار دولار من السندات الدولارية الخارجية المستحقة منذ عام 2021. وتواجه كومة أكبر من القروض المصرفية الداخلية أيضا بحاجة إلى إعادة الهيكلة أو الجدولة.
وبينما يعاني المطورون، أكدت بكين والحكومات المحلية حتى الآن الحاجة إلى استكمال مشاريع الإسكان غير المنتهية. وبينما لا توجد أرقام شاملة عن عدد مشاريع التطوير غير المكتملة، تشير البيانات المتاحة إلى أن عددها الإجمالي قد انخفض منذ عام 2021 لكنه لا يزال أعلى مما كان عليه في معظم العقدين الماضيين.
لكن تخلف المطورين عن السداد يثير تساؤلات حول قدرتهم على إكمال كثير من تلك المشاريع.
لم تؤثر أزمة القطاع العقاري حتى الآن على أي تحرك حاد لأسعار المنازل. لقد انخفضت أسعار المنازل الجديدة، المقياس الرئيس لسوق العقارات في الصين، في بعض المدن الكبرى لكنها ظلت مزدهرة في مدن أخرى.
سعت الحكومة هذا العام إلى تقديم مزيد من الدعم للمشترين. وخفض المقرضون أسعار الفائدة التي تغطي نصف قروض الرهن العقاري في البلد في سبتمبر. ورفعت بعض سلطات المدن الكبرى من الدرجة الثانية والثالثة جميع القيود المفروضة على مشتريات المساكن بدءا من يوليو.
ويجادل المحللون بأن كثيرا من إجراءات سياسة بكين تجاه العقارات كانت حسنة النية، لكنها غير فعالة في محاولة لتحقيق توازن دقيق للغاية بين تقديم دعم كاف على صعيد السيولة وعدم تحفيز مزيد من المضاربة في هذا القطاع.
وقال إنج: "تهدف كثير من السياسات إلى تحقيق الاستقرار في السوق المحلية وتوفير القدر المناسب من السيولة للمطورين لإنهاء الوحدات القائمة وتخفيض الديون، لكن عندما يكون هناك عدد كبير جدا من الأهداف، يكون من الصعب التأكد من أن كل شيء في مكانه الصحيح".
وأوضحت ساندرا تشاو، الرئيسة المشاركة لأبحاث آسيا والمحيط الهادئ في شركة كريديت سايتس لأبحاث الائتمان، أنها جزء من مشكلة أكبر نراها خارج قطاع العقارات، في إشارة إلى التمويل المستهدف لتوجيه الائتمانات للشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم. وأضافت: "كان تحويل هذه السياسات دائما هو الجزء الصعب".
وقال روري جرين، كبير الاقتصاديين الصينيين في شركة تي إس لومبارد، إنه بدا أن لدى صناع السياسة في الصين فهما جيدا للحاجة إلى خفض المديونية في العقارات قبل عامين. وقال: "لكن ما سار على نحو خاطئ هو عدم وجود خطة لكيفية تغييرها وما يأملون في المضي به نحو نموذج جديد للقطاع".
وأضاف: "ببساطة، من الصعب جدا تغيير نموذج النمو فجأة ببساطة ومحاولة إعادة تخصيص الموارد بعيدا عن العقارات... خاصة عندما يكون له روابط أصول ضخمة مع الأسر والحكومات المحلية، والنظام المالي بأكمله".

الأكثر قراءة