بدل دماغك
اعتقدنا لأعوام طويلة، ومن موروثنا الشعبي وحتى ثقافتنا العلمية، أن بناء الدماغ يكون في بداية مراحل العمر، أليس أسلافنا من قالوا: "العلم في الصغر كالنقش على الحجر"، "ومن شب على شيء شاب عليه"، لقد جعلونا نستسلم ونسلم باستحالة التغيير.
ما نعرفه عن الدماغ متغير بإيقاع سريع يحبس الأنفاس، وكلما علمنا وفهمنا أكثر عن الدماغ يتبين أنه غير صحيح أو غير مكتمل، بعض حالات سوء الفهم تكون واضحة أكثر من غيرها، على سبيل المثال اعتدنا أن نفكر أن الدماغ بعد سن الطفولة لا يتغير، وتبين أن هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة.
مفهوم آخر خاطئ عن الدماغ بأنك تستخدم أجزاء من الدماغ في أي وقت من الأوقات، ويتوقف نشاط الدماغ عندما لا تفعل شيء، وهذا أيضا غير صحيح، فقد تبين أنه حتى في وقت راحتك وعدم تفكيرك بشيء، فإن دماغك يظل نشطا بشكل كبير.
التقدم في التكنولوجيا، خاصة التصوير بالرنين المغناطيسي، سمح لنا بهذه الاكتشافات وأكثر، منذ أقل من 25 عاما مضت كنا نعتقد أنه بعد البلوغ، يكون التغيير الوحيد الذي يحصل في الدماغ سلبيا فقط، ويتمثل في فقدان خلايا الدماغ مع التقدم في العمر يسبب ضررا كالسكتة الدماغية.
لكن مع التقدم العلمي بدأت الدراسات في إظهار عدد كبير من إعادة التنظيم في دماغ الكبار، كما أظهرت لنا الأبحاث التي تلت ذلك أن كل سلوكياتنا تحدث تغييرا في أدمغتنا، وهذه التغيرات غير محصورة بالتقدم في العمر.
ربما الأكثر متعة وإثارة للاهتمام والتحول في هذه الاكتشافات هو كلما تعلمت معلومة جديدة أو مهارة فإنك تغير دماغك. إنه شي نسميه المرونة العصبية. دماغك يمكنه أن يتغير من خلال ثلاث طرق رئيسة لدعم التعلم
أولها: زيادة التعلم، ما يزيد من كمية الإشارات الكيميائية بين خلايا الدماغ، وهذا يدعم الذاكرة قصيرة المدى وتشمل التحسن في مهاراتك الحركية، وثانيها: وهو المدهش، إذ الدماغ يستطيع تغيير هيكله، أي تغيير الصلات بين خلاياه، ما يدعم الذاكرة طويلة الأمد.
أظهرت الدراسات أن سائقي التاكسي في لندن، الذين حفظوا خريطة لندن بالفعل ليحصلوا على رخصة القيادة، لديهم مناطق دماغ أكبر مخصصة للمساحة أو ذاكرة الخرائط، آخر طريقة يمكن أن يتغير بها دماغك ليدعم التعلم هي أنه كلما استخدمت مناطق الدماغ أكثر تصبح مستثارة أكثر وسهلة الاستخدام مرة أخرى.
من عجيب صنع الله أن أنماط المرونة تختلف من شخص لآخر، وعلى كل شخص معرفة ما يناسبه ويحفز دماغه للتعلم والاستشفاء وتحسين أداء دماغه.