الاتفاق رهينة نرجسية الاختلافات الصغيرة .. اقتصادات الاتحاد الأوروبي الضحية
"على الدول الأعضاء أن تعد سياساتها الاقتصادية مسألة ذات اهتمام مشترك". من هذا الواجب، الذي تلتزم بلدان الاتحاد الأوروبي بالوفاء به بموجب المعاهدة، تنبع الحقيقة غير العادية بأن حكومات أوروبا السيادية تحاسب بعضها بعض بانتظام على ميزانياتها. وفي أي مكان آخر، تعد هذه مسألة وطنية بحتة.
إننا الآن في المرحلة النهائية من التحديث الذي طال انتظاره للقواعد المالية للاتحاد الأوروبي، التي تم تعليقها خلال الجائحة. كانت المحادثات مكثفة حتى قبل أن تنشر بروكسل اقتراحا تشريعيا الربيع الماضي. تحرص الحكومة الإسبانية على التوصل إلى اتفاق خلال فترة رئاستها الحالية للاتحاد الأوروبي التي تستمر ستة أشهر. وتشير جميع الدلائل إلى أن معظم الدول الأعضاء متفقة على ضرورة الانتهاء من الأمور قريبا، خاصة لأنها إذا لم تفعل ذلك فإن القواعد القديمة ستعود مجددا.
تعد الإصلاحات التي تجري مناقشتها أفضل من تلك التي تحل محلها، فهي أبسط وأكثر مقاومة للتقلبات الدورية، وتربط خطط الميزانية بمسارات الإنفاق المرتكزة على توقعات الدين العام على المدى الطويل. ستكون هذه المسارات خاصة بكل بلد، وستشكلها الحكومات الوطنية جزئيا. ويؤمل أن تجعل التغييرات القيود أكثر واقعية على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، فهي توفر مجالا أكبر لسياسات تعزيز النمو، وتوفر مرونة في الميزانية مقابل الاستثمارات والإصلاحات المتفق عليها.
لكن القواعد الجديدة ستحمل أيضا بعض مشكلات النظام السابق، وقد تضيف مشكلات جديدة. سيظل "الاهتمام المشترك" يركز على كمية الإنفاق من جانب الدول الأعضاء وليس نوعيته. وستظل الحسابات تهيمن على السياسة. سابقا، كان من الممكن فرض عقوبات على الميزانيات على أساس حسابات مبهمة للعجز الهيكلي. وستستخدم القواعد الجديدة تحليلات القدرة على تحمل الديون بالقدر نفسه من الغموض والحساسية تجاه الافتراضات وصعوبة شرحها للناخبين.
سيكفل النظام أن تظل السياسة الوطنية محور الخلاف الرئيس. كل ذلك يضمن تقريبا أنها ستستوعب الاهتمام السياسي المطلوب بشدة لتأمين توفير المنافع العامة الأوروبية المشتركة بدلا من ذلك، وهذا يعني الاستثمار الذي يحقق فوائد عبر الحدود. من شأن هذا أن ينطبق على التزام "الاهتمامات المشتركة" أكثر من مجرد الرصد المتبادل للماليات الوطنية. وسيكون مثمرا أيضا بعد أن أصبح دمج شبكات الطاقة الأوروبية والرقمنة وإزالة الكربون بشكل جماعي من الأولويات المقبولة اليوم.
علاوة على ذلك، من المرجح أن يزداد الاقتصاد السياسي القائم على الاقتراض والإنفاق المشترك سوءا. خطوط الصدع واضحة. ترى الاقتصادات المتلقية الصافية أن الصندوق الرائد الخاص بالاتحاد الأوروبي للتعافي بعد الجائحة يمكن الاستناد عليه. ويصر المساهمون الصافون فيه على أنه ينبغي ألا يتكرر. إذا سمحت القواعد الجديدة بالإنفاق الممول من صناديق الاتحاد الأوروبي، وهو أمر منطقي، فإن هذا الانقسام سيتعمق. الإنفاق الأكثر شيوعا لا يعني تحويلات أكبر فحسب، بل انضباطا أكثر ليونة في الميزانية أيضا.
لكن النظام الجديد سيعمل على تحسين النظام القديم، ولن تكون العيوب بأي حال من الأحوال ما سيستمر وزراء المالية في الخلاف بشأنه. قبل الجميع الاتجاه الرئيس للقواعد الجديدة. وقد نجح اقتراح التسوية الدنماركي في سد جزء كبير من الفجوة بين الدول، مثل ألمانيا، التي تدعو إلى خفض الديون على أساس سنوي، والدول -مثل فرنسا- التي تصر على أنه لا يمكن أن تكون هناك تخفيضات سنوية تلقائية بغض النظر عن الدورة الاقتصادية أو غيرها من الظروف الاقتصادية. ويبدو أن متوسط تخفيضات الديون على مدى أعوام هو المخرج، لكن المعدلات الدقيقة وكيفية تطبيقها، ومخصصات الإنفاق الاستثماري، وكيفية تقييم العجز بشكل منفصل عن الديون، لا تزال جميعها محل خلاف.
لكن ما يعينه هذا هو أن الاتفاق أصبح رهينة نرجسية الاختلافات الصغيرة. والضحايا هم اقتصادات الاتحاد الأوروبي. إن الوقت والطاقة السياسية والثقة يستهلكها وزراء المالية بمعدلات مرتفعة في واجبات أكثر أهمية تتطلب اهتمامهم مقارنة بتطبيق أقوى قليلا لقواعد الميزانية أو قدر أكبر قليلا من المرونة فيها.
هذا يشمل إعادة التفكير في الغرض من ميزانية الاتحاد الأوروبي في عالم يتسم بتهديدات جيواقتصادية وجيوسياسية خارجية، وتحول في الطاقة، وتوسع أسرع مما يتصوره كثيرون. إن كيفية استيعاب الحاجة للمزيد من الاستثمارات المشتركة في مجال الدفاع والنقل وربط الطاقة، على سبيل المثال لا الحصر، مع استيعاب مجموعات سكانية جديدة أكثر فقرا لكنها كبيرة الحجم، ستكون ذات أهمية أكبر بكثير بالنسبة إلى مستقبل الأوروبيين الاقتصادي من مجرد إدخال التعديلات المتبقية على القواعد المالية.
كذلك الحال بالنسبة إلى التقدم -الذي كان بطيئا إلى حد كارثي حتى الآن- في توحيد أسواق المال في الكتلة وتنميتها. يحتاج رواد الأعمال الأوروبيون في مجال تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا الخضراء إلى التمويل لتحقيق نمو كبير محليا بدلا من بيع أعمالهم في الولايات المتحدة. ولا ينبغي أن تكون تفاصيل القواعد المالية قضية تستحق التمسك بها، بغض النظر عن السياسات الداخلية المتمثلة في تحقيق النصر في بروكسل. لقد حان وقت التسوية وبدء العمل على أشياء أكبر.