جاذبية الكمال لن تطلق إمكاناتك الخفية
عندما بدأت تعلم لغة الماندرين، اتبعت استراتيجية رآها كثير ممن حولي بأنها غير تقليدية. بدلا من تكبد عناء كتابة الحروف والتدرب على ترتيب الجمل، بدأت بجعل نفسي أحمقا بقدر الإمكان. تحدثت بلغتي الصينية المبسطة المليئة بالأخطاء مع الأصدقاء، وأزعجت المعلمين بالنكت المبتذلة، وفرضت على أذناي سماع الموسيقى وبرامج البودكاست باللغة الصينية. لم تكن لغتي مثالية، لكنها كانت كافية لأجري مقابلات مع الناس وأقرأ المقالات الإخبارية القصيرة خلال عام فقط.
يلخص آدم جرانت، عالم النفس التنظيمي، هذه الطريقة بدقة إلى جانب مجموعة كاملة من الأنظمة والسمات الأخرى في كتابه الجديد "الإمكانات الخفية: العلم وراء تحقيق إنجازات أعظم".
"أن تكون كائنا معتادا على المشقة" (بعبارة أخرى، أن يضع الشخص نفسه في مواقف غير مريحة)، كما كتب جرانت، "يمكن أن يطلق ذلك إمكاناتك الخفية بأنواع مختلفة كثيرة من التعلم". هذه واحدة فقط من مهارات الشخصية التي يعتقد أستاذ كلية وارتون أنها يمكن أن تكشف إمكانات المرء ليفعل أمورا أعظم مما قد توحي به خلفيته أو سيرته الذاتية أو خبرته.
يأخذ جرانت القارئ في جولة سريعة حول العوامل المؤدية إلى النجاح: تجميع المعلومات، وتجاهل جاذبية السعي للكمال، وتقديم التنازلات الحتمية.
إن هذه العوامل أساسية ليس فقط لتعلم مهارة أو لغة ما، فهذه الصفات هي ما يقول عنها إنها ترفع الشخص إلى قمة الصناعة في مجاله. كما يحكي قصته من خلال الطرق والأساليب، بداية من خوفه من الحديث أمام الجمهور حتى دخوله جامعة كبرى.
كما يتناول جرانت - مؤلف كتاب "فكر مرة أخرى: قوة معرفة ما لا تعرفه" كذلك، دراسة لكيفية التشجيع على الانفتاح الذهني والتفكير التحفيزي - الأنظمة التي يستخدمها الناجحون للحفاظ على دوافعهم والتغلب على العقبات مثل انقطاع الأفكار لدى الكتاب. كما يظهر كيف يعيدون صياغة الخسائر ويعدونها فرصا للتعلم والتأقلم، كما تفعل الفرق الرياضية عندما تفقد صانع الصفقات "جميع الأمور الرياضية المذكورة تتعلق بالرياضات الأمريكية مثل البيسبول وكرة السلة".
التعلم من الآخرين سمة، كذلك الاستفادة القصوى من العلاقات. كما يتحدث جرانت عن متلازمة المحتال، واصفا إياها "بالمفارقة" التي يتجاهل فيها الشخص ثناء الآخرين، ويصدق أن رأيه السيئ عن نفسه أكثر أهمية.
دراسات الحالة تمتد حول العالم، بدءا من المهندس الذي ساعد على إنقاذ عمال المنجم المحتجزين في تشيلي 2010، حتى نظام التعليم الفنلندي، وأول 13 ضابطا بحريا أمريكيا من أصول إفريقية تغلبوا على التمييز.
يجب على صانعي السياسات والمسؤولين التنفيذيين أن يولوا انتباها دقيقا للقسم الأخير من الكتاب: كيفية بناء هياكل توجد فرصا للجميع. يلعب التعليم دورا أساسيا في ذلك بالتأكيد: الأنظمة التي ترعى المواهب بجميع أشكالها، بدلا من ترك بعضها خلفها، أفضل بكثير. تعد الجامعات البريطانية من ضمن المؤسسات العديدة التي تحرز تقدما إيجابيا في هذا التوجه.
كما خضع نظام المدارس الفنلندي للتدقيق من الخبراء. يشيد جرانت بطريقته الإنسانية: إعطاء المعلمين وقتا كافيا للتخطيط للدروس وتخصيصها، والتدخل المبكر للأطفال الذين يواجهون صعوبات، وجعل الأيام الدراسية قصيرة.
في مرحلة ما، يقدم جرانت نتائج "بيسا" (البرنامج الدولي لتقييم الطلاب)، اختبار عالمي تجريه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، يعطى لطلاب المدارس الثانوية لتقييم أنظمة التعليم حول العالم.
مع الأسف لم يمض جرانت وقتا كبيرا لدراسة سبب تقدم نتائج دول شرق آسيا في اختبار بيسا على نتائج فنلندا، بخلاف الإشارة إلى أن الطلاب الفنلنديين أقل تعاسة وليست لديهم واجبات منزلية كثيرة.
احتلت المركز الأول في 2018 المقاطعات الأربع الأكثر تقدما في الصين، بنظام تعليم يكاد يكون معاكسا تماما للنظام الفنلندي.
والأكثر أهمية هي فكرة استبدال "تسلسل السلم الهرمي" بـ"التسلسل الشبكي"، الذي يقدم للأشخاص أكثر من سبيل للترقية والتطور الوظيفي، فلا يجب أن يعوق رئيس عنيد أو علاقة عمل صعبة تقدم الموهوبين.
كتب جرانت أيضا أن الجامعات والشركات يجب أن تتخذ مزيدا من الإجراءات لاكتشاف الإمكانات، وما إذا اكان الشخص قد تغلب على الشدائد كأن ينشأ في الفقر. ويشير إلى أنه يمكن قياس ما لا يمكن قياسه عن طريق النظر إلى معدل تغير درجات الطالب إضافة إلى النتيجة النهائية.
يتبادر إلى الذهن مثال خوسيه هيرنانديس الأمريكي من أصول إسبانية. حقق رائد الفضاء حلمه بالانضمام إلى "ناسا" بعد رفضه مرات عديدة من نظام لم يأخذ في الحسبان تجاربه المختلفة في عمله عامل مزرعة عندما كان صغيرا وتغلبه على الشدائد.
بالتالي يجب على الأنظمة أن تتطور وتتغير لإيجاد أفضل الأشخاص. أتمنى أن يتخذ جرانت الموقف نفسه تجاه الديمقراطية الانتخابية، التي رفضها لمصلحة نظام القرعة لاختيار رؤساء الولايات المتحدة في عمود في صحيفة نيويورك تايمز قبل شهرين.
اختيار القادة السياسيين عن طريق المصادفة، كما فعل الأثينيون القدامى، ليس أمرا غير ديمقراطي وخطير فقط، لكن يبدو أنه يعارض رسالة كتاب الإمكانات الخفية الأساسية: لا تتخل عن النظام بسبب الأشخاص السيئين، بل قم بتحسين المرشحين ليأتي الأشخاص الأفضل في المستقبل.