شركات ميتة .. لا نمو ولا توزيعات

يعرف خبراء الاقتصاد الشركات التي تعاني صعوبات مالية كبيرة ولا تستطيع الوفاء بالتزاماتها بشركات "الزومبي"، وهي نوع من الشركات الميتة التي تعاني خسائر مستمرة ولا تستطيع تحقيق أرباح مستدامة ومع ذلك تجد تمويلا جديدا بطرق مختلفة، وكلما زادت أخطارها الائتمانية زادت الفوائد عليها وزادت معها صعوبة سداد التزاماتها المالية، ومع ذلك فهي حية وباقية وتطلب مزيدا، وتظهر بكل ثقة في الأسواق المالية وعلى ظهرها جبل من الديون المستحقة، وفي الوقت نفسه تجد طريقها للمال، فكيف تستطيع البقاء؟ وما مصيرها ومصير الاقتصاد العالمي معها؟
وقد تم توثيق الشركات الميتة القادرة على البقاء وآثارها الاقتصادية لأول مرة إبان الأزمة الاقتصادية في اليابان، فقد لعب إقراض هذا النوع من الشركات دورا رئيسا في الركود الاقتصادي في الثمانينيات والتسعينيات، نظرا إلى سوء تخصيص رأس المال وإهمال الشركات الأكثر إنتاجية، وظهرت نتائج مماثلة في أزمة الديون السيادية الأوروبية في العقد الأول من القرن الـ21، عندما قامت البنوك الضعيفة "بتأجيل المشكلة" من خلال القروض.
هذه الشركات المثقلة بالديون لها سوق واسعة وعملاء، ومع ذلك فهي غير قادرة على إنتاج ما يكفي من النقد لإرضاء جميع أصحاب المصلحة، فتلك شركة "بوينج" قد تضخمت التزاماتها الإجمالية بأكثر من 32 مليار دولار في 2021، في حين ازداد إجمالي دين "كارنيفال" بمقدار 14.8 مليار دولار، وأضافت "دلتا إيرلاينز" 24.2 مليار دولار، و"إكسون" 16.2 مليار دولار و"ماسي" 1.2 مليار دولار وفقا لتقارير، فهذه الشركات ومثلها كثير في العالم كانت قادرة على البقاء من خلال قروض الرفع المالي المشتركة، وهي نوع من القروض التي تتمثل في تجميع مجموعة من شركات التمويل، ويتم توزيع التكاليف والأخطار بين المشاركين في القرض، وفي الأغلب تتم إدارة قروض الرفع المالي المشتركة عادة من قبل مجموعة أو كيان مستقل يعرف بإدارة الصندوق، وتعود الفائدة المستحقة على القرض إلى المشاركين حسب نسب حصصهم في القرض، وعادة تقوم البنوك التقليدية بتوفير هذا النوع من القروض، لأنها تعد وسيلة فاعلة لتمويل مشاريع كبيرة وتحقيق أهداف استثمارية مشتركة.
وتسمح هذه القروض بتوزيع التكاليف والأخطار بين المشاركين، لكن في الآونة الأخيرة وكما يشير تقرير نشرته صحيفة "الاقتصادية" فإن حل الشركات المثقلة بالديون قد أصبحت مثل شركات الزومبي غير قادرة على الوصول إلى معالجة مثل هذا النوع من القروض، نظرا إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض بسبب رفع أسعار الفائدة من جانب ولرداءة التصنيف الائتماني من جانب آخر، ومع ذلك فقد وجدت هذه الشركات دماء جديدة لها من خلال صناعة الائتمان الخاص المزدهرة التي تبلغ قيمتها 1.5 تريليون دولار.
ومن نافلة القول أيضا الحديث عن التحولات التي أصابت صناديق رأس المال الجريء والأسهم الخاصة، حيث عملت هذه الصناديق لعقود وفقا لمفهوم الاستحواذ على الشركات الواعدة، ومن ثم دعمها حتى يمكن إعادة بيعها في أسواق المال، لقد كان انخفاض أسعار الفائدة طوال العقد الماضي هو الذي منح الشركات الخاصة كل ذلك الزخم وتمكنت من جمع مبالغ ضخمة، قبل عودة أسعار الفائدة لتتجاوز 5 في المائة، ما جعل صناديق الأسهم الخاصة في العالم تتسارع في التحول بعيدا عن عمليات الاستحواذ الضخمة والتوجه نحو أعمال مثل الائتمان الخاص، ولقد نجحت هذه الصناديق في تقديم نفسها كبديل للائتمان التقليدي وتقديم قروض للشركات بمليارات الدولارات، لكن هذا التحول كان يمثل طوق النجاة للشركات المثقلة بالديون التي جفت ينابيع القروض التقليدية منها، لذلك بحثت عن هذه الصناديق الجريئة التي تقدم النقد بسخاء، لكن وفقا لأسعار فائدة قياسية أيضا، فمثلا تشير تقارير شركة "بيتفيت" المختصة في تشغيل المستشفيات البيطرية أحدث شركة كبيرة مثقلة بالديون تجري، إلى مناقشات مع صناديق الائتمان الخاصة، حيث تتطلع لإعادة تمويل أكثر من ثلاثة مليارات دولار من القروض، كما جمعت الشركات أكثر من عشرة مليارات دولار من المقرضين من القطاع الخاص لمثل هذه الأنواع من المعاملات في الأشهر الأخيرة، ووفقا لتقارير، فهذا الاتجاه سمح للشركات بتجاوز البنوك التقليدية للحصول على قروض بمليارات الدولارات وأصبحت صناديق الائتمان الخاصة في خضم موجة من جمع الأموال من أجل إعادة إقراض الشركات، وذلك رغم أن شركات مثل "بيتفيت" تصنف ديونا عالية الأخطار، وفي الأغلب ما تكون أسعار الفائدة على القروض أعلى بمقدار خمس إلى سبع نقاط مئوية من أسعار الفائدة القياسية، أو نحو 10.5 إلى 12.5 في المائة، وفقا للمقرضين.
خلاصة القول، إذا كانت الشركات المثقلة بالديون تمثل تهديدا اقتصاديا، فهي مثقلة بالديون وبدلا من أن تتم تصفيتها فإن تيارا واسعا من أصحاب المصلحة متقبلون فكرة بقاء هذه الشركات حية طالما تدفع الفوائد المستحقة على هذه الديون، ولو كانت غير قادرة على النمو وتحقيق تدفقات نقدية لملاك الأسهم، لكن بقاءها حية لتسدد الديون يعد كافيا في نظر البعض، لكن مع دخول صناديق الأسهم الخاصة على خط إقراض هذه الشركات، فإن المعادلة تتغير بسرعة، وقد أصبحت الديون التقليدية ديونا من الدرجة الثانية، وأصبحت الفوائد المستحقة على ديون الصناديق الخاصة ذات أولوية، فمن الواضح أنها مسألة وقت قبل أن تصل هذه الشركات الميتة الحية إلى درجة لا تسطيع دفع أي فائدة، وعندها قد تحصل أزمة ائتمان لا يحمد عقباها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي