نظرة خاطفة وتمرير .. عصر القراءة المتعمقة قد انقضى

نظرة خاطفة وتمرير .. عصر القراءة المتعمقة قد انقضى

ربما شعر أي شخص لا يزال يخط الخطوط بعد 1492 أنه كان يعمل في وسط عفا عليه الزمن. أكتب نصوصا تزيد على 30 كلمة، لذلك أشعر الآن بالشعور ذاته.
يبدو أن القراءة الرقمية تدمر عادات "القراءة المتعمقة". أعداد مذهلة ممن درسوا أعواما أميون فعليا. صحيح أن الحنين إلى الماضي كان يتذمر من وسائل الإعلام الجديدة منذ 1492، لكن تذمر اليوم له أساس إثباتي. أقتبس هنا من بيان القراءة في ليوبليانا هذا الشهر، الذي وقعته جمعيات ناشرين ومكتبات وعلماء ونادي القلم الدولي وغيرهم: "ربما يعزز العالم الرقمي القراءة أكثر من أي وقت مضى في التاريخ، لكنه يقدم أيضا إغراءات عديدة للقراءة بطريقة سطحية ومبعثرة - أو حتى عدم القراءة على الإطلاق. هذا يعرض القراءة عالية المستوى للخطر على نحو متزايد".
هذا ينذر بالسوء، لأن "القراءة عالية المستوى" كانت ضرورية للحضارة. لقد مكنت التنوير والديمقراطية وازدياد في التعاطف مع المختلفين عنا على الصعيد العالمي. كيف سنتكيف دونها؟
بعد التفكير فيما حدث، كان عهد القراءة كونها مسعى جماعيا قصيرا. لم تتغلغل النصوص الأطول في نخبة صغيرة في الدول الغنية وتجاوزتها إلا من أواخر القرن الـ17. يجادل عالم النفس ستيفن بينكر في كتاب "الملائكة الأفضل لطبيعتنا البشرية" بأن القراء تعلموا التعاطف بغمر أنفسهم في عقول الآخرين. ويرى أن "نمو الكتابة ونسبة المتعلمين" أثار "الثورة الإنسانية" - انتشار حقوق الإنسان، كما تبلورت في إعلان الاستقلال الأمريكي لـ1776 والإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن لـ1789. وقد ساعد ذلك على إلهام معارك لا تنتهي ضد العبودية والتعذيب وحرق الساحرات والخرافات. واليوم، 87 في المائة من البالغين في العالم متعلمون، وفقا لتقديرات اليونسكو.
لكن الإلمام الرقمي غير القراءة. عندما تقرأ كتابا على الورق، يمكنك أن تكون داخل التجربة بالكامل، وتستوعب مئات الصفحات من أبسط الأشياء التي تبدأ في تصوير تعقيد العالم. عبر الإنترنت، كما تقول ماريان وولف من جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، نحن "نأخذ نظرة خاطفة ونمسح النص ونمرر الصفحة". الوسيلة هي الرسالة: القراءة المتعمقة مثل صعوبة لعب التنس بهاتفك. في الآونة الأخيرة، أخبرني طفل ذكي في الـ11 أني كنت أضيع وقتي على الكتب، فقد استوعب معلومات أكثر أسرع على صفحة ويكيبيديا. كان محقا من جانب. لكن القراء الرقميين يستوعبون أيضا معلومات مضللة أكثر. ونادرا ما يستوعبون الزوايا الدقيقة.
في التقرير الذي يقوم عليه بيان ليوبليانا، يفهرس الخبراء ويلات القراءة الرقمية: "تشير الدراسات الحديثة من أنواع مختلفة إلى انخفاض (...)القراءة النقدية والواعية، والقراءة المتأنية، والقراءة غير الاستراتيجية، والقراءة الطويلة". في استطلاع بيزا الدولي لـ2021، وافق 49 في المائة من الطلاب على أنه "أقرأ فقط إذا اضطررت إلى ذلك"، بزيادة 13 نقطة مئوية على استطلاع 2000.
يتابع التقرير: "يلاقي ما يصل إلى ثلث الأوروبيين صعوبة حتى في مهارات القراءة ذات المستوى الأدنى". أكثر من خمس البالغين في الولايات المتحدة "ضمن فئة الأميين/ الأميين وظيفيا". من جانب آخر منفصل، معدلات القراءة بعد الجائحة للأطفال الأمريكيين الذين يبلغون من العمر 13 عاما هي الأدنى منذ عقود. قدر مركز التنمية العالمية، ومقره واشنطن، أخيرا أن معدل المتعلمين في جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى من الذين درسوا خمسة أعوام قد انخفض في نصف القرن الماضي.
يجدر بأي شخص أكبر سنا يتجاهل هذا لكونه مشكلة للشباب أن يعلم أن "مهارات التعلم تتراجع مع تقدم العمر"، وفقا لبحث دولي أجراه الاقتصاديان جاري باريت وكريج ريدل. باختصار، كما توقع أساتذة من جامعة نورث وسترن في 2005، فإننا نعود إلى الأيام التي كان فيها "فئة قارئة" نخبوية فقط تقرأ النصوص الطويلة - على الرغم من قضاء مزيد من الناس وقتا أطول في التعليم واستمرار مبيعات الكتب القوية.
الناس الذين يفقدون مهارات القراءة يفقدون مهارات التفكير أيضا. يلبي حاجتهم إلى البساطة السياسيون الذين يقدمون "التبسيط": أيديولوجية الإجابات البسيطة للمشكلات المعقدة. يباع التبسيط تحت تعبيرات ملطفة مثل "المنطق السليم" و"الوضوح الأخلاقي"
و"إخبارها بشكل مستقيم". يتحدث كبير المبسطين، دونالد ترمب، بمستوى طالب في الصف الرابع. على النقيض، ربما كان مستوى تحدث جيمي كارتر بمستوى الصف 11 نخبويا جدا حتى في عصر المطبوعات.
يستخدم البسيطون نظريات المؤامرة لتبسيط الواقع غير المفهوم. لا عجب أنهم لا يصدقون الخبراء، فليس لدى البسطاء تصور لكمية ما قرأه الخبراء أو عمقه.
والآن، أصبحت اللغة عبر الإنترنت حول الحرب بين إسرائيل وحماس - وهي صراع معقد مع فظائع لا حصر لها من قبل 1948 - مبسطة للغاية، مليئة بكميات غير مسبوقة من الأكاذيب. إن الافتقار إلى التعاطف - "أطفالنا" الميتون يفوقون "أطفالهم" الميتين - أمر ينذر بالسوء. في كتابه، يلخص بينكر دراسة تاريخية للأزمات السياسية في القرن الـ20 على النحو التالي: "عندما انخفض تعقيد خطابات القادة، تبعتها الحرب". كان عصر التنوير لطيفا قبل انقضائه.

الأكثر قراءة