الاستهلاك الياباني يعاني التحول إلى الانتعاش

الاستهلاك الياباني يعاني التحول إلى الانتعاش

أطباق وأوعية ياكيتوري والسوشي والتمبورا، طوابير من الناس ينتظرون طاولة تحت ناطحات السحاب في أوتيماتشي، صفوف من الموظفين يتجهون إلى عدد لا يحصى من مطاعم الإيزاكايا ومقاهي الكاريوكي في شينباشي.
يعد هذا كله جزءا من نسيج الحياة المكتبية في طوكيو، حيث يرى الوافد الجديد مثلي أن كل شيء مزدهر وأكثر انشغالا من عديد من العواصم الكبرى الأخرى. ولكن إذا فكرت قليلا، فإن الصورة تتغير نسبيا - فبالنسبة إلى أولئك الذين ينتظرون أن ينهي بنك اليابان أخيرا عصر السياسة النقدية المفرطة في التساهل، من المحتمل أن يكون الأمر أكثر إثارة للاهتمام.
وفقا لبحث جديد أجراه بنك جولدمان ساكس، فإن انتعاش الاستهلاك القوي في اليابان في مرحلة ما بعد كوفيد "تباطأ بشكل كبير حتى الآن في 2023" إلى مستويات لا تزال أقل 4 في المائة من متوسط ما قبل الجائحة.
ترجع المشكلة جزئيا إلى آثار التضخم المرتفع الذي طال انتظاره، مع انخفاض المداخيل الحقيقية 3 إلى 4 في المائة منذ 2022. لكن القضية الأهم قد تنطوي على تغييرات في أسلوب حياة الناس وعملهم بسبب الجائحة، كما يقول كبير الاقتصاديين اليابانيين في جولدمان ساكس، توموهيرو أوتا.
وهو يعني بذلك أنواع الأشياء - مثل نوادي اللياقة البدنية وصالات ألعاب الأتاري، فضلا عن المطاعم التي يذهبون إليها بعد العمل التي تجعل المدينة مكتظة- حيث يظل الاستهلاك "راكدا"، أو أقل 10 في المائة على الأقل من مستويات 2018 في المتوسط هذا العام.
شهدت مطاعم الإيزاكايا انخفاضا في الإنفاق 39 في المائة في النصف الأول من العام مقارنة بـ2018، حتى مع بقاء الأنشطة الصديقة للإغلاق مزدهرة وانتعاش القطاعات الأخرى التي عانت - مثل السفر.
وقال أوتا: "إن التغيرات في أنماط الاستهلاك (...) تجعل الأمر يبدو وكأن هذه المرة مختلفة بالفعل. فقد كان هناك انخفاض كبير في وجبات العشاء الجماعية، بما فيها اجتماعات العشاء الخاصة بالعمل، وذلك يعني أنخفاضا كبيرا في تناول المشروبات الكحولية مع العملاء.
كما تراقب الشركات البيانات من كثب، بما في ذلك الشركات العاملة في مجال صناعة المشروبات، التي لم تشهد انتعاشا في المبيعات أو المجموعات الغذائية التي تعاني ضعف الاستهلاك الشديد بحيث لا يمكنها زيادة الأسعار. بدأت محال لوسون وأيون للبيع بالتجزئة خفض أسعار بعض المنتجات بدءا من الشهر الماضي، مثيرة مخاوف بشأن ما إذا كان التوجه الأخير المتمثل في زيادة أسعار المنتجات والأجور سيستمر.
قد لا تكون الممارسات الراسخة للعمل من المنزل هي السبب الوحيد للركود. حيث يعتقد أوتا أن الطريقة التي يتواصل بها اليابانيون ربما تغيرت هيكليا منذ الجائحة، مشيرا إلى حقيقة أنه في حين انخفضت حجوزات الوجبات الجماعية لأغراض العمل 50 في المائة هذا العام، فإن الانخفاض في الحركة على المطاعم يمتد أيضا إلى نهاية الأسبوع والعطلات.
قد يبدو السبب المباشر لكل هذه التغييرات منطقيا: فالمطاعم تفشل، وفي الأغلب ما يكون ذلك بمعدل أعلى من الشركات الأخرى. وإعادة تنظيم الطلب ليس بالضرورة أمرا سيئا بشكل عام بالنسبة إلى الاقتصاد إذا قرر الناس أنهم يفضلون إنفاق أموالهم في المنزل على وجبات المطاعم الجاهزة ونتفليكس، بدلا من الخروج إلى المطاعم والمسارح.
ولكن إذا كان تحليل جولدمان للبيانات صحيحا وكان هذا التباطؤ في الطلب ينذر بانخفاض الاستهلاك لفترة أطول من المتوقع، فإن التداعيات قد تكون أوسع نطاقا.
إذ يقدر جولدمان أن الإنفاق اليومي على الخدمات يبلغ نحو 15 في المائة من إجمالي الاستهلاك. لذلك، إذا كان هذا بالفعل أقل بكثير من مستواه في 2018، فإن القطاعات الأخرى التي انتعشت بعد الجائحة لن تكون قادرة على التعويض بالكامل.
يقول البنك إن هذا "يشير بقوة إلى أن الاستهلاك قد لا يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة" حتى بعد فترة طويلة من حقبة كوفيد. وهذا بدوره يمكن أن يجعل قرار السياسة النقدية الصعب أصلا بالنسبة إلى بنك اليابان أكثر تعقيدا حتى.
يقول ستيفان أنجريك، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز أناليتكس، إن بنك اليابان يحاول خفض قيمة الين لأنه لا يريد رفع أسعار الفائدة حتى يستعيد الاقتصاد المحلي عافيته كاملة. ويقول إن هذا سيكون "مسارا صعبا للغاية ".
حتى لو كان للنظام الحالي للأموال الرخيصة مزايا واضحة، فإن عديدا من الرؤساء التنفيذيين يعتقدون أن أسعار الفائدة المرتفعة هي ثمن يستحق الدفع إذا كان ذلك يعني اقتصادا مزدهرا.
قال أتسوشي كاتسوكي، الرئيس التنفيذي لمجموعة أساهي لإنتاج المشروبات: "أعتقد أنه ستتأتى كثير من الفوائد والمزايا من اقتصاد أفضل، وهو ما سيعوض التكلفة المتزايدة لديوننا وأكثر. لذلك، آمل حقا أن يصل الاقتصاد إلى النقطة التي سيرفع فيها بنك اليابان أسعار الفائدة".

الأكثر قراءة