المشاريع اللوجستية والمبادرات الدولية
هناك فوائد عظيمة للاقتصاد السعودي من المبادرات الدولية لتعزيز الترابط بين الدول والتكامل الاقتصادي من خلال منظومات متنوعة من شبكات النقل وسلاسل الإمداد والقيمة، فهي تتماشى مع عدد من أهداف رؤية المملكة 2030 وتأتي مكملة لها، منها: مبادرة الحزام والطريق التي أطلقتها الصين قبل عشرة أعوام، التي قطعت شوطا كبيرا لإعادة إحياء طريق الحرير التاريخي وتطويره بالشكل الذي يخدم متطلبات الاقتصادات الحديثة واحتياجات الدول المشاركة في هذه المبادرة.
المبادرة الأخرى التي تدعمها المملكة هي مشروع "الممر الاقتصادي" لربط الهند والشرق الأوسط وأوروبا، التي وقع الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بشأنها مذكرة تفاهم مع الهند الشهر الماضي، التي تستهدف تطوير وتأهيل جملة من البنى التحتية تشمل السكك الحديدية والموانئ والطرق، لتسريع عملية مرور السلع والخدمات وخفض تكاليفها وتعزيز التبادل التجاري بين جميع الأطراف المشاركة.
لا شك أن هناك تنافسا صحيا بين الهند والصين على صعيد سلاسل الإمداد والممرات الدولية، وكلا المبادرتين تصب في مصلحة المملكة ودول المنطقة، ولا سيما أن المشروع الهندي مفيد أكثر في جانب مد خطوط الأنابيب لتصدير واستيراد الكهرباء والهيدروجين، ما يعزز من أمن إمدادات الطاقة العالمي، إضافة إلى أن المشروع سيستخدم لمد كابلات نقل البيانات الإلكترونية والاتصالات بكفاءة وموثوقية عالية وتعزيز الاقتصاد الرقمي للمملكة والمنطقة.
المشاريع اللوجستية العالمية تدعم توجهات المملكة على الصعيد المحلي لتطوير المنظومات اللوجستية وسلاسل الإمداد تحت مظلة برامج ومبادرات الرؤية، حيث من المستهدف إنشاء 60 منطقة لوجستية كما ورد في المخطط العام للمراكز اللوجستية الذي كشف الستار عنه الشهر قبل الماضي.
فالمملكة تولي القطاع اللوجستي وسلاسل الإمداد أهمية بالغة، لما تمتلكه المملكة من موقع جغرافي استراتيجي، والفرق بين سلاسل الإمداد والأنظمة اللوجستية، أن سلاسل الإمداد معنية أكثر بعملية نقل السلع، بينما الأنظمة اللوجستية معنية أكثر بالإدارة والمناولة والتخزين، فبحسب تعريف مجلس خبراء سلاسل الإمداد الذي يتخذ الولايات المتحدة مقرا له، فإن المجال اللوجستي جزء من منظومة سلسلة الإمداد المعنية بالتخطيط والتنفيذ والمتابعة لنقل السلع والخدمات وكذلك المعلومات من مصادرها إلى المستهلك النهائي.
تتضح جدية المملكة العربية السعودية في مجال الخدمات اللوجستية في إطلاق الأكاديمية السعودية اللوجستية كأول أكاديمية متخصصة في هذا المجال، إلى جانب إطلاق برنامج تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية في 2019، بهدف تحويل المملكة إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية من خلال التركيز على قطاعي التعدين والطاقة ودعم المحتوى المحلي، والتوسع في مجال الثورة الصناعية الرابعة، وكذلك إطلاق الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية العام الماضي، بهدف جعل المملكة ضمن قائمة الدول العشر الأولى على مستوى العالم.
على الرغم مما يبدو من منافسة بين الصين والهند في مجال سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية، إلا أنه في حقيقة الأمر هناك علاقات قوية بين البلدين، ولا سيما أنهما من ضمن الدول الخمس المؤسسة لتحالف بريكس، ولديهما برامج عديدة للتعاون والاستفادة من البنى التحتية المشتركة، ومن المستبعد أن تكون الاختلافات السياسية بشأن دور باكستان في مبادرة الحزام والطريق عائقا أمام نجاح المشروع. المنافسة الحقيقية هي بين الصين وأمريكا، التي بدورها تشكك في مقدرة الصين على استكمال هذا المشروع العالمي الجبار الذي يقدر حجم ما تم استثماره من قبل الصين فيه بأكثر من تريليون دولار، منها 60 مليار دولار فقط في جزئية الممر عبر الباكستان، إلى جانب استثمارات في دول عديدة على طول الطريق.
التشكيك الأمريكي في المبادرة الصينية وصل إلى تحذير الدول الصغيرة المشاركة من مغبة الوقوع في فخ الديون الصينية التي تمنحها الصين لهذه الدول بحجة أن فشل المشروع سيضرب اقتصادات هذه الدول، وسيكون من الصعب عليها الحصول على أي دعم من صندوق النقد الدولي.