مهما جاء بعدها .. لا غنى عن وسائل الإعلام التقليدية
كانت منصة التواصل الاجتماعي التي كانت تدعى تويتر، مكانا رائعا، حيث كان باستطاعة الصحافيين التظاهر بأنهم مشاهير، وكان باستطاعة المشاهير التظاهر بأنهم صحافيون. كان هناك تبادل من نوع آخر، حيث يمكن مقايضة رأس المال الفكري برأس مال اجتماعي، والعكس صحيح - يمكن أن يصبح مراسلو الصحف الثرثارون الذين تزين حساباتهم علامات التوثيق الزرقاء رائعين وذوي شعبية كبيرة، يمكن عد "المعلق الرياضي" جاري لينيكر معلقا سياسيا بارزا.
على منصة إيلون ماسك التي غير اسمها إلى إكس، ينهار هذا العالم بسرعة. فلم تعد علامات التوثيق الزرقاء تمنح من الشركة على اعتبار أن حسابك "يهم المصلحة العامة"، بل يشتريها أساسا أي شخص يريد ذلك. ولا يقتصر الأمر على تضخيم هذه الحسابات مدفوعة الثمن بوساطة خوارزميات النظام، من خلال ظهور الحساب والمنشورات بشكل أكبر وكتابة عدد كلمات أكثر في المنشور، بل يمكنها الآن اختيار السماح فقط للأشخاص الموثقة حساباتهم بالرد عليها.
قد تعتقد أن هذا أفضل. فقد كان لـ"علامات التوثيق الزرقاء" - حيث كان يطلق بازدراء على الأشخاص ذوي الحسابات القديمة الموثقة من البعض، التي لم تشمل الصحافيين ولاعبي كرة القدم فحسب، بل أيضا الأكاديميين والسياسيين وغيرهم من الشخصيات العامة - تأثير كبير جدا. كانت ادعاءاتهم بالفضيلة ومواقفهم الأخلاقية ضارة، وإجماعهم المريح يحتاج إلى الطعن.
رغم أنه كان لدي أحد هذه الحسابات القديمة الموثقة، فإنني أتفق مع هذا الرأي. لكن المعلومات الخاطئة والمضللة المتفشية حول الأحداث الفظيعة في الشرق الأوسط تظهر بالفعل مدى سوء نسخة المنصة الجديدة التي يديرها ماسك.
لم يكن انتقاص قيمة وأهمية هؤلاء المستخدمين القدامى لتويتر هو الهدف المعلن للتغييرات التي وضعها ماسك. بل من المفترض أنه كان يحاول جعل المنصة إلى حد بعيد "المصدر الأدق للمعلومات حول العالم". ولكن عبر تضخيم صوت أي شخص يريد أن يدفع ثمانية دولارات، فإنه يقهر أصوات الذين لا يدفعون - بمن فيهم عديد من الذين يكتبون لما يسميه "وسائل الإعلام التقليدية".
كان ماسك يشن حربا صريحة على "وسائل الإعلام التقليدية" منذ بعض الوقت. كتب الرجل البالغ من العمر 52 عاما في نهاية سبتمبر: "إن الصحف في الأساس تنشر فقط ما قرأته بالأمس على منصة إكس، هاهاهاها". وكتب في منشور آخر: "لم أعد أقرأ دعاية الإعلام التقليدي. فأنا أحصل على أخباري فقط من إكس - لأنها فورية وأحدث بكثير، وفيها خبراء مختصون حقيقيون ومتميزون وكثير من الفكاهة." كما قرر أيضا إزالة العناوين الرئيسة من الروابط الإخبارية، مدعيا أن هذا من شأنه أن "يحسن المظهر الجمالي بشكل كبير"، وأشار قائلا: "إن أفضل شيء هو نشر المحتوى في شكل طويل على هذه المنصة".
إن وجهة نظر ماسك للعلاقة بين الحصول على الأخبار وتوليد الأخبار ومنصته هي نظرة تبسيطية، بل حتى سخيفة. فهو محق في اعتقاده أن معظم الناس يحصلون على أخبارهم من وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام. خلص تقرير حديث صادر عن جامعة أكسفورد ومعهد رويترز لدراسة الصحافة إلى أن عدد الأشخاص الذين يتلقون الآن الأخبار عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكبر من عدد الذين يتلقونها مباشرة من المواقع الإخبارية - 30 في المائة مقابل 22 في المائة. لكن من الذي يعتقد ماسك أنه يقدم هذه الأخبار على المنصات؟ وجد التقرير نفسه أن الأشخاص يولون اهتماما أكبر للصحافيين والوكالات الإخبارية السائدة أكثر من أي جهة أو شخص آخر على منصة إكس.
علاوة على ذلك، من هم "الخبراء المختصون الحقيقيون المتميزون" الذين يعتقد ماسك أنهم قادرون على تقديم الأخبار دون الحاجة إلى أي شخص تتمثل مهمته الواضحة في جمع الأخبار، وتدقيقها، والتأكد من صحتها، ووضعها في سياقها، وترجمتها إلى مفهوم واضح، وتحريرها، وتدقيقها من محام والتأكد من أن لها بعض التأثير في الحقيقة؟
إنني أرحب بالنظام البيئي الإخباري الذي لا يشمل الصحافيين العاملين في المؤسسات الرئيسة فحسب، بل يشمل أيضا الصحافيين المستقلين الذين، مثلا، يكتبون على منصة سابستاك أو لديهم بودكاست، و"الصحافيين المواطنين" الذين يمكنهم الإبلاغ عما يحدث على أرض الواقع في الوقت الفعلي. لكن فكرة أننا يجب أن نعتمد على هذه الجماعات ونثق بها أكثر من "وسائل الإعلام التقليدية" هي فكرة خاطئة.
لا بد أن يكون الصحافيون المستقلون محتالين، يبيعون محتواهم ويروجون له بطريقة لا يضطر أمثالنا ممن يتمتعون بامتياز العمل في المؤسسات الإعلامية إلى اللجوء إليها. ولا بد أن يستعرضوا أمام الجمهور مثل أي شخص آخر. قد يكون من المفيد أن تكون مخالفا، لكنه قد يصبح أيضا موقفا متعجلا وغير مترو، تتخذه لإرضاء الجمهور بدلا من أن يكون نتيجة لتحليل دقيق للمسألة المطروحة.
لذا، نعم، بالتأكيد، إن "وسائل الإعلام التقليدية" تعاني جميع أنواع المشكلات - مشكلات خطيرة - ويمكننا دائما أن نفعل ما هو أفضل. لكن فكرة أن "الخبراء" الذين يدفعون مقابل التأثير في وسائل التواصل الاجتماعي هم مصدر أفضل للأخبار من الصحافيين والمؤسسات الإعلامية الذين يتمتعون بعقود من الخبرة، هي مغالطة - كما هي "مع الأسف" فكرة إمكانية قضاء أكثر من نحو أربع دقائق على منصة بلو سكاي في هذه المرحلة دون الشعور بالملل الشديد لدرجة أنه يتعين عليك التسلل خلسة إلى إكس.