لماذا يريد المستثمر مارشال شراء صحيفة "تليجراف"؟

لماذا يريد المستثمر مارشال شراء صحيفة "تليجراف"؟

خلال مأدبة غداء في يوليو الماضي في المقر الرئيس لشركة مارشال ويس في لندن، دعا السير بول مارشال، المؤسس المشارك لمدير صندوق التحوط، الملياردير الأمريكي كين جريفين للانضمام إلى اتحاد من المستثمرين الذين يعدون عرضا لشراء مجموعة تليجراف.
لقد ضرب اقتراح شراء ناشر الصحيفة البريطانية على وتر حساس لدى جريفين، مؤسس صندوق التحوط الأمريكي سيتاديل ومدافع قوي عن حرية التعبير الذي دفع 43.2 مليون دولار في عام 2020 ثمنا لطبعة أولى نادرة للدستور الأمريكي.
وقال جريفين لصحيفة فاينانشيال تايمز: "من المهم بالنسبة لي أن أحافظ على روح حرية التعبير في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كنموذج لبقية العالم. بول متحمس لهذا الأمر ويسعدني أن أدعمه".
يعد مارشال وجريفين من بين المرشحين المفضلين للاستحواذ على صحف التليجراف ومجلة سبيكتيتور عندما يتم عرضهما للبيع من قبل مجموعة لويدز البنكية في الأسابيع القليلة المقبلة، في صفقة يمكن أن تجلب أكثر من 500 مليون جنيه استرليني على المستوى الأعلى لتقييمات الصحف.
مارشال، الذي يمتلك حصة 45 في المائة في المحطة الإذاعية الجديدة جي بي نيوز، ويمتلك مجموعة أنهيرد- UnHerd للإعلام الرقمي، هو الأحدث في سلسلة طويلة من الأفراد الأثرياء الذين تحولوا إلى بارونات إعلام.
ملكية صحيفة التليجراف، وهي أكبر صحيفة بريطانية ذات أهمية وطنية تباع منذ ما يقارب العقد، من شأنها أن تدفع مارشال الذي يصف نفسه بأنه ليبرالي كلاسيكي يدعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى دائرة الضوء العامة. حيث تمثل الخطة أحدث تكرار لجهود رجل التمويل على مدى العقود الأربعة الماضية للتأثير في الحديث الوطني وتشكيله عبر الانخراط في السياسة والتعليم والعمل الخيري والإعلام.
ولد مارشال في لندن عام 1959 وتلقى تعليمه في مدرسة داخلية إنجليزية بعد انتقال والديه إلى الخارج، مارشال ليس أول من سعى خلف اهتماماته الإعلامية في العائلة.
وبينما كان والده يعمل في شركة يونيليفر، كانت والدته ماري صحافية مستقلة – ومن المأثور عن العائلة أنها كانت أول امرأة تستخدم الكلمة المكونة من أربعة أحرف على قناة بي بي سي، حين كانت تناقش كتابا ألفته عن أصل الكلمات البذيئة، بينما تعمل أخته بيني مارشال مراسلة لقناة أي تي في نيوز.
أثناء دراسته للحصول على شهادة في التاريخ واللغات الحديثة في جامعة أكسفورد، انجذب مارشال إلى ليبرالية ويليام جلادستون ووينستون تشرشل، ولا سيما الإصلاحات في أوائل القرن الـ20 التي أرست الأسس لدولة الرفاهية الحديثة.
وبعد تخرجه، ترشح مارشال للبرلمان في فولهام عام 1987 عن تحالف الحزب الديمقراطي الاجتماعي والأحرار. ولم يتجه إلى التمويل إلا عندما فشل في الترشح، حيث عمل في ميركوري أسيت مانجمنت، وهي ذراع إدارة الصناديق التابعة لشركة إس جي وربورج آند كومباني.
وأسس مارشال وإيان وايس، الذي كان أصغر مدير على الإطلاق في شركة إس جي وربورج، شركتهما التي تحمل اسمهما في عام 1997 عندما كانت صناعة صناديق التحوط الأوروبية في مهدها. وفيما تم إطلاق الشركة بأصول تبلغ 50 مليون دولار، نصفها من الممول جورج سوروس والباقي من الأصدقاء والعائلة، نمت الشركة إلى ذروة بلغت 64 مليار دولار بعد أن اكتسبت مكانة باعتبارها النظير الأوروبي لعملاقي الولايات المتحدة سيتاديل وميلينيوم مانجمنت.
وقال وايس لصحيفة فاينانشيال تايمز في وقت سابق من هذا العام: "أفضل شيء فعلناه على الإطلاق هو إدراك أن اهتمام بول كان في الأسواق، بينما كان اهتمامي يدور حول بناء الشركة، وأننا سمحنا لبعضنا بعضا بالتطور في هذين المجالين".
وكان بيع حصة نسبتها 24.9 في المائة من شركة مارشال وايس إلى شركة كيه كيه آر في عام 2015، التي زادتها شركة البدائل الأمريكية العملاقة منذ ذلك الحين إلى 39.9 في المائة، كان قد ساعد على النمو بقوة. يتم تقسيم الأصول عبر أعمالها الكمية، التي تمثل ثلثي الأصول والتي نمت من نظام توبس الخاص بها للتداول الذي يحلل توصيات الوسطاء، وصندوق يوريكا التابع لمارشال الذي يشكل الثلث المتبقي.
وحقق صندوق يوريكا متوسط مكاسب سنوية بنسبة 11.8 في المائة منذ إطلاقه في عام 1997، في حين سجل صندوق توبس ماركت نيوترال متوسط مكاسب سنوية بنسبة 9.2 في المائة منذ إنشائه في نوفمبر عام 2007.
لكن الأداء هذا العام كان أقرب إلى العادي، حيث ارتفع صندوق يوريكا بنسبة 3.3 في المائة في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، في حين ارتفع صندوق توبس ماركت نبوترال بنسبة 4.4 في المائة.
تبرع مارشال بنحو 200 ألف جنيه استرليني للديمقراطيين الأحرار بين عامي 2002 و2015، عندما ترك الحزب لأسباب منها دعمه لاستمرار عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. وعلى عكس وايس، الذي يتجنب الأضواء، دعم مارشال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في استفتاء عام 2016، وقدم كل منهما 100 ألف جنيه استرليني للحملات المتعارضة. وهو متمسك بدعمه لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أنه يعتقد أن التنفيذ تم بشكل سيئ.
أثار بعض المنافسين في عملية شراء صحيفة التليجراف تساؤلات حول ما إذا كان مارشال يركز على كسب المال لمستثمريه بقدر تركيزه على بناء إمبراطورية إعلامية، لكن أشخاصا مطلعين على تفكيره يقولون إنه يريد تحقيق عائد مالي ومنفعة مجتمعية في الوقت نفسه.
خلف الكواليس، يبذل مناصروه قصارى جهدهم لطمأنة مستثمري صندوق التحوط بأنه يقود العرض بصفته الشخصية.
ويشير المقربون من مارشال إلى أن العرض سيتم تقديمه من خلال مجموعة أنهيرد فينتشرز الإعلامية، التي يضم فريقها القيادي رئيس التحرير فريدي سايرز. كما انضم أخيرا كرئيس لمجلس الإدارة، اللورد ثيودور أجنيو، الوزير الحكومي السابق الذي عمل مع مارشال منذ أن خدم كلاهما كمديرين غير تنفيذيين في وزارة التعليم قبل أكثر من عقد من الزمان.
وإذا نجح بالعرض، أشار مارشال إلى أنه لن يسعى للحصول على مقعد في مجلس إدارة مجموعة التليجراف أو يشارك في أجندتها التحريرية، وفقا للأشخاص الذين قالوا إن تركيزه اليومي سيظل على شركة مارشال وايس. وقد تراجع عن العمل في صندوق التحوط من عام 2005 إلى عام 2008 للتركيز على السياسة والعمل الخيري قبل أن يعود إليه بدوام كامل.
وبفضل إيمانه العقائدي العميق، كان إيمان مارشال بتكافؤ الفرص وليس النتائج هو الدافع وراء جهوده الخيرية لإصلاح التعليم البريطاني. ففي عام 2006، أنشأ مع وايس مؤسسة آرك، وهي مؤسسة خيرية تهدف إلى تغيير حياة الأطفال من خلال التعليم، التي تطورت من العمل مع مدرسة واحدة فقط إلى شبكة تتكون من 39 مدرسة منشرة في جميع أنحاء المملكة المتحدة. وبعد عقد من الزمن، حصل مارشال على لقب فارس لخدماته في مجال التعليم والعمل الخيري.
وقال أجنيو لـ"فاينانشيال تايمز" إنه يشترك مع رائد أعمال صندوق التحوط في رغبته للدفاع عن وجهات نظر مختلفة في وسائل الإعلام والمخاوف بشأن أثر انحطاط وسائل الإعلام في المجتمع.
يقول المطلعون على تفكير مارشال: إن شركة أنهيرد، وهي أول غزوة إعلامية له بعد فترة وجيزة من ابتعاده عن الديمقراطيين الأحرار، كانت ردا على إحباطه من وسائل الإعلام الرئيسة، التي يعتقد أنها أصبحت قبلية مع مساحة صغيرة لوجهات النظر غير التقليدية.
لقد عانى مارشال من الأضرار الجانبية التي أحدثتها "ثقافة الإلغاء"، حيث استقال ابنه وينستون من فرقة الروك الشعبية ممفورد آند سونز بعد الجدل ورد الفعل العنيف على الإنترنت حول دعمه لكتاب Unmasked (كشف القناع)، الذي يشجب حركة الاحتجاج اليسارية المناهضة للفاشية (أنتيفا).
وفي الوقت نفسه، فإن انخراط مارشال مع جي بي نيوز، التي بدأ فيها كمستثمر صغير وليس لديه أي سيطرة تحريرية، نبع من تصوره بأن التحيز لليسار لدى محطات البث المهيمنة في المملكة المتحدة - كهيئة الإذاعة البريطانية، وآي تي في، والقناة الرابعة، وسكاي - يترك فرصة عمل لمنافس يميل إلى اليمين.
جي بي نيوز، التي جمعت 120 مليون جنيه استرليني، ولم تحقق أرباحا بعد وأعلنت خسائر قدرها 30.6 مليون جنيه استرليني العام الماضي، ستحتاج إلى تمويل جديد في مرحلة ما، وفقا للرئيس التنفيذي أنجيلوس فرانجوبولوس.
وقد أثارت فضيحة في الشهر الماضي في هيئة البث، التي تضم مؤيدين بارزين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم نائب رئيس حزب المحافظين لي أندرسون ووزير الأعمال السابق السير جاكوب ريس موج، من بين مضيفيها، أثارت نوعا من العناوين الرئيسة التي سيرغب مارشال في تجنبها أثناء إعداده لعرض شراء التليجراف. أوقفت قناة جي بي نيوز دان ووتون، أحد أشهر المذيعين فيها، عن العمل، بعد بثه تعليقات مسيئة للممثل لورانس فوكس تتعلق بصحافية سياسية.
ويتوقع مقدمو العروض المتنافسون أنه سيتعين على مارشال الآن العمل بجدية أكبر لإقناع بنك لويدز بأنه المالك المناسب للصحيفة. لكن إيان ويتاكر، المحلل الإعلامي المستقل، لا يعتقد أن هذه الضجة ستعطل العرض.
وقال ويتاكر: "إذا كنت تعمل في مجال التمويل وتؤسس صندوق تحوط، فأنت لست شخصا مترددا في اتخاذ القرار. لقد كان من الممكن أن يكون مؤيدوه على علم بروابطه، وهناك حجة لقول جي بي نيوز إذا كان هناك أي شيء حاسم في إقالة فوكس وتعليق الآخرين عن العمل".
يكمن اهتمام مارشال بصحيفة التليجراف في وجهة نظر مفادها أن الصحيفة "علامة تجارية بريطانية تراثية لم تحقق بعد إمكاناتها الكاملة، خاصة في السياق الدولي"، وفقا لشخص قريب من تفكير مارشال.
إذ تمنحها الرقمنة فرصة للوصول إلى العالم الناطق بالإنجليزية، وهو ما استفادت منه جميع المطبوعات بما فيها صحيفة فاينانشيال تايمز والإيكونوميست والجارديان. منذ نقطة التوقف، يوجد ما يقرب من ثلث جمهور أنهيرد في أمريكا الشمالية.
وقال أحد المقربين من صفقة بيع صحيفة التليجراف: إن موظفي مارشال "يعتقدون أن هناك فراغا على غرار فوكس نيوز يمكن أن تملأه التليجراف هنا، وأنه يمكن العودة به إلى الولايات المتحدة كعلامة تجارية للصحيفة".
ينظر المحللون إلى مارشال على أنه أحد أكثر مالكي صحيفة التليجراف مصداقية، إلى جانب مقدمي العروض الآخرين مثل شركة دي إم جي تي المملوكة للورد روثرمير. وقالت كلير إندرز، المحللة الإعلامية، إن هذا يرجع جزئيا إلى أن مارشال سيكون واحدا من "حفنة المالكين لوسائل الإعلام المقبولين لدى حكومة المحافظين".
سيحتاج أي مقدم عرض ناجح إلى اجتياز اختبارات المنافسة، التي لن تمثل مشكلة بالنسبة لمارشال، وتقييم المصلحة العامة الذي قد يؤدي إلى اعتراضات في وايتهول.
وقالت إندرز: إن جريفين سيمنح عرضه "قوة نارية أمريكية محافظة حقيقية"، مضيفا أن "بول مارشال يريد التأثير في الثقافة بشكل عام".

الأكثر قراءة