إدارة التوقعات والتنبؤات

لا يعلم أحد من البشر ماذا سيحصل غدا، لكن يظل الجميع يمارس عدة أشكال من التنبؤات والتوقعات والافتراضات التي يبني عليها المسار الحالي والقرارات الحالية. ربما يتبع البعض ما يقوله الآخرون، وإن صح التعبير، يتأثر بما يحصل في مكان آخر أو من طرف آخر. من الصعب اليوم أن نستقل بآرائنا حول الأشياء بدون معطيات من السياق ومن الآخرين.
بعيدا عن مهارات التنبؤ عند رجال الأعمال وتوقعات الأسواق وإدارة توقعات العملاء والتنبؤ بردات الفعل عند العميل الغاضب، وربما توقع معدل الفائدة وسهولة تجديد القرض أو انخفاض سوق العقار، أو حتى التوقعات السياسية، أو المناخ، بعيدا عن كل ما يرتبط بذلك من مهارات، هناك قواعد بسيطة ينبغي النظر إليها وأخذها في الحسبان. أول هذه القواعد هو التفرقة بين نوعية الأمر المستهدف توقعه، هل ما نقوم به تخيلات عن المستقبل أم مجرد توقعات أم دراسة دقيقة مفيدة بأساليب علمية تهدف إلى تحقيق تقريب واقعي للمستقبل غير المعلوم؟ هل التوقع مجرد انعكاسات وإرهاصات أم يخص أمرا حيويا ستصنع بموجبه قرارا. هل مجال التوقع تقليدي "سياسة، اقتصاد... إلخ" أم جانب خاص بصاحب التوقع؟
أما الركن الثاني فهو الزمن. أي إن عملية التوقع الذي تقوم به يتسع ليشمل كما من الزمن المستقبلي؟ ومتى سيحدث؟ هل يبتعد بدرجة كافية بشكل يقلل من جودة التوقع؟ أم قريب جدا ومحصور لدرجة إننا نستطيع تسجيل أثره المتوقع بدرجة عالية جدا من الدقة؟ معرفة درجة تأثير البعد الزمني في جودة النتيجة أمر مهم جدا وفارق، هناك من يمتهن التنبؤ بما سيحدث بعد عشرات الأعوام. وهناك من يعمل على نافذة ثلاثة أشهر مستقبلية، كل واحد فيهما له تخصصه وهدفه وجمهوره.
الركن الثالث يختص بطبيعة القرار الذي سيتأثر بنتيجة التوقع الذي نقوم به، أو نعجز أن تقوم به. وهذا يعني أن قرار الاستثمار في مشروع مشترك بين شركتين يتطلب وجود تحليل جيد لكل العناصر التي تخص مجال المشروع المشترك هذا وتبين ما له وما عليه. في المقابل، لو إن الفرد سيقوم بشراء مسكن لغرض شخصي فمتابعته سوق العقار وتحليله معطيات هذه السوق ستكون بعمق وشكل مختلف عن الخيار الأول. وفي مثل هذا الخيار تجد الفرق واضحا بين شخص يناقش اتجاه السوق وهو لا يواجه أي قرار يخص السوق وبين شخص لديه احتكاك كبير وتأثر ضخم بمسار السوق في حياته.
العنصر الرابع هو فهم المعطيات التي تؤثر في النتيجة بوجود الأركان الأخرى. على سبيل المثال تطور إحدى الدول من النواحي الاستثمارية يعني أن ننظر إلى مستوى الأمان، الاستقرار السياسي، النمو الديمقراطي، والحوكمة والرقابة الإدارية. وهكذا، لكل توقع أو تنبؤ سياق ومعطيات خاصة، بعضها يؤثر فيه بشكل إيجابي وبعضها بشكل سلبي، جزء من صناعة هذا التنبؤ أن نعي ونفهم هذه المعطيات.
فهم الشخص دوره تجاه التنبؤ أمر آخر مهم، قد لا يرتقي ليكون بمستوى أحد الأركان الأربعة السابقة، لكن لا يزال يختلط عند البعض. وملخص أمثلته في مستمع يصنع التوقعات وصانع التوقعات الذي ينتظر توجيه غيره. تماما مثل الشخص العادي الذي يتصدر المجالس ويوزع تقاريره الكلامية و"الواتسابية" لسوق العقار. ومثله في التقصير تماما من يحتم عليه عمله القيام بتوقع مستقبلي، لكن لا يقوم بذلك، إنما يكتفي بإدارة المسألة بناء على المعلومات التاريخية فقط.
تتبقى مسألة مجال التنبؤ أو التوقع، وهذا يعني فهم التطورات والتغييرات الممكنة على نطاق تخصص أو مجال ما. وهي مؤثرة إذ تجعلنا نجيد الرجوع إلى المصادر السليمة، وتفرق بين إمكانات هذا المجال ومحتوياته، وتمكننا من الربط بين القرار المستهدف وبين التوقع المطلوب. في النهاية قد يعد ما ذكرنا "ما قبل" المقدمة، ولا يرتقي ليكون مقدمة كافية لهذا الموضوع المهم والمؤثر في حياتنا، خصوصا من ناحية كيفية التعامل معه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي