الإسكان .. العقدة المستحكمة في سلاسل التوريد الأمريكية

الإسكان .. العقدة المستحكمة في سلاسل التوريد الأمريكية

كان أداء الاقتصاد الأمريكي خلال الأعوام القليلة الماضية أفضل بكثير مما توقعه كثيرون، ولا سيما بالنظر إلى الرياح المعاكسة المتعددة الناجمة عن الجائحة، والانفصال بين الولايات المتحدة والصين، والحرب في أوكرانيا، والفوضى السياسية العامة في واشنطن.
تمتعت الدولة بهدوء خالص تقريبا في النشاط الاقتصادي، إلى جانب سوق وظائف لا تزال قوية ونمو جيد في الناتج المحلي الإجمالي. يبدو الاقتصاد الأمريكي، خصوصا عند مقارنته بالدول الأخرى، في أفضل حال ممكن الآن. مع ذلك، فيه ما ينغص، الإسكان.
يمكنك أن تراه في أرقام مؤشر أسعار المستهلكين الأسبوع الماضي، والتي أظهرت أن التضخم أعلى قليلا مما كان متوقعا. السبب الرئيس، بصرف النظر عن أسعار المواد الغذائية والنفط المتقلبة باستمرار، كان الإسكان. ارتفعت نسبة مؤشر المأوى من مؤشر أسعار المستهلكين 7.2 في المائة خلال العام الماضي، وهو ما يمثل أكثر من 70 في المائة من إجمالي الزيادة في جميع المواد، باستثناء الغذاء والوقود.
ترفع أرقام التضخم احتمال زيادة أخرى في سعر الفائدة من الاحتياطي الفيدرالي في المستقبل، في وقت كانت تراهن فيه وول ستريت على انتهاء الارتفاعات.
لكن هل هذا هو الحل السياسي الأفضل لمشكلة الإسكان في الولايات المتحدة؟ يمكن تقديم حجة قوية تفيد بأن الإجابة هي لا. لفترة، كانت قصة التضخم الأساسي في أمريكا تدور حول الإسكان. على عكس الأسواق الأخرى، بما فيها المملكة المتحدة، حيث انخفضت الأسعار 13.4 في المائة بالقيمة الحقيقية من ذروتها في مارس 2022، فإن نشاط سوق الإسكان الأمريكية لا يهدأ، على الرغم من زيادات عدة في أسعار الفائدة.
بل يمكنك القول إن زيادات أسعار الفائدة فاقمت الأمور في أسواق الإسكان. كيف يفسر هذا؟ لنبدأ بالمشكلة الأساسية، وهي قلة المعروض من المساكن نسبة إلى الطلب في الولايات المتحدة. لم يواكب بناء المساكن في الدولة تكوين الأسر منذ الأزمة المالية الكبرى في 2008، عندما هوى عدد الوحدات السكنية. منذ ذلك الحين، فاق الطلب العرض بكثير، ما جعل ملايين الوحدات في الولايات المتحدة لا تلبي ما يحتاج إليه سكانها.
جزء من هذا يتعلق بموقف "ليس في عقر داري"، وهذا يعني نهج "رفض الأعمال القريبة من مسكني" تجاه سياسة الإسكان على المستوى المحلي. في حين يؤيد كثير من الأمريكيين في المدن الكبرى، مثل نيويورك أو لوس أنجلوس أو سان فرانسيسكو، الحاجة إلى مزيد من المساكن بأسعار معقولة، بل مساكن أكثر عموما، فإن قلة من مالكي المنازل الموسرين "أو حتى المستأجرين" سيصوتون من أجل إنشاء مثل هذه المشاريع في موقع قريب منهم.
وجدت دراسات أن سياسة المدن تجاه تحديد مناطق المشاريع تميل إلى تأييد معارضي الخطط لا المطورين. وهذا سبب رئيس وراء بقاء الإسكان مقيدا.
تتفاقم هذه المشكلة أكثر بسبب توافد المهاجرين إلى مدن الملاذ في الولايات المتحدة، حيث المأوى مضمون نظريا لكنه غير متوافر عمليا. هناك أيضا قضايا عالقة تتعلق بالتضخم في المواد والعمالة منذ الجائحة. أدت هذه القضايا إما إلى إعاقة بناء منازل جديدة وإما ببساطة جعلها غير ميسورة التكلفة.
الإسكان، من نواح عديدة، آخر مشكلة متبقية في سلسلة التوريد الأمريكية. ارتفعت أسعار الوقود أيضا، لكن هذه المشكلة ستحل في النهاية مع ضخ الآبار الأمريكية كمية أكثر. لكن مشكلة تضخم الإسكان، التي تفاقمت عن غير قصد بسبب الاحتياطي الفيدرالي، لن تختفي عما قريب. لا تصب مراجحة سعر المنزل/ معدل فائدة الرهن في مصلحة تنقل مالكي المنازل.
يبلغ معدل فائدة الرهن العقاري الثابت الحالي لأجل 30 عاما في الولايات المتحدة نحو 8 في المائة. ارتفع هذا من أقل من 3 في المائة في 2021. من ناحية أخرى، ارتفع متوسط سعر المنزل 29 في المائة، من 322 ألف دولار في 2020 إلى 416 ألف دولار حاليا. أضف إلى هذا حقيقة أن كثيرا من مالكي المنازل التزموا بمعدلات فائدة منخفضة للغاية على مدى الأعوام القليلة الماضية. تبرير فكرة الانتقال صعب جدا، إلا إذا كان معدل الفائدة على رهنك سيخضع لتعديل قريبا.
أنا وزوجي، مثلا، لدينا معدل فائدة متغير يبلغ 2.875 في المائة لن يعدل حتى 2031. بما أن ابني الثاني على وشك مغادرتنا للالتحاق بالكلية العام المقبل، أود الانتقال من منزل عائلي إلى منزل أصغر. لكن ظروف سوق الإسكان التي لا تزال أسعارها ترتفع عن القيمة الحقيقة، إلى جانب ارتفاع معدلات الرهن العقاري والعبء الضريبي الإجمالي المرتبط بمبيعات المنازل في مناطق مثل نيويورك، يعني أن المغادرة غير منطقية من الناحية المالية - سندفع أكثر مقابل مساحة أقل بكثير.
هذه هي العوامل المؤثرة التي تبقي الأسعار مرتفعة، حتى مع ارتفاع معدلات الفائدة. وهي وصفة لاستمرار التضخم، خاصة إذا استمرت معدلات الفائدة في الارتفاع.
يطلب بعض الاقتصاديين من الفيدرالي الآن إعادة التفكير في نهجه التقليدي بناء على هذه العوامل المجتمعة. يقول دان ألبرت، الشريك الإداري لشركة ويستوود كابيتال: "انقلبت من حك رأسي، إلى الانزعاج، إلى أن أغضب بصراحة من التزام محافظي البنوك المركزية بالنماذج الدورية التي لا تنطبق البتة على حقبة بعد الجائحة". ألبرت أستاذ في كلية الحقوق في جامعة كورنيل دعا منذ فترة طويلة إلى ضرورة أن يفكر الفيدرالي على نحو أكثر إبداعا في تضخم سوق الإسكان عندما يفكر في فرض زيادات جديدة على أسعار الفائدة.
إذا استمر النموذج الحالي للأسعار المرتفعة ومعدلات الفائدة المرتفعة وشح العرض، فسيتصدع شيء ما. ربما لن نشهد تصحيحا كبيرا في سوق الإسكان في الولايات المتحدة قريبا، نظرا إلى عدد الذين التزموا بمعدلات فائدة منخفضة، لكن ما لم تبن منازل أكثر في الأعوام القليلة المقبلة، فستكون إدارة أزمة القدرة على تحمل تكاليف الإسكان في أمريكا أمرا صعبا للغاية.

الأكثر قراءة