الأموال النقدية مخصصة للحالات الطارئة وليست للمحافظ
من التداعيات المخيفة لنبذ الأشخاص من الحياة الاجتماعية وبطالتهم هو مدى سرعة نفاد أموالهم. فمهما كانت التدابير المضادة التي تتخذها - مثل بيع السيارة، سرعان ما تطغى عليها النفقات المنتظمة. وهذا السبب الذي يوصي المستشارون الماليون لأجله بالاحتفاظ بنسبة معينة من الأصول كنقد جاهز، إذ إنك ببساطة لا تعرف أبدا متى ستقف على خشبة المسرح في مؤتمر لتلقي نكتة عن غرق ميامي تحت الماء.
القاعدة الأساسية الاحتفاظ بمبلغ يعادل ما بين ثلاثة وستة أشهر من الدخل. وبالفعل في المملكة المتحدة، يمتلك الشخص العادي 17 ألف جنيه استرليني في حسابات التوفير، وفق أحدث البيانات من بنك إنجلترا - أي نصف متوسط الدخل السنوي بالضبط.
نعم صحيح! متوسطات المداخيل محض هراء، حيث إن معظمنا إما غير راغب وإما غير قادر على وضع أي شيء يقترب من المبلغ الكافي جانبا. ولكن كيف ينبغي للمستثمرين أن يفكروا في النقد؟ ما المبلغ المناسب في سياق محفظة متنوعة مثل صندوق المعاشات التقاعدية، حيث لا يكون الوصول فيها إلى السيولة هو المقصد؟
لقد طرحت هذه الأسئلة كثيرا هذا الأسبوع بسبب الصراع في الشرق الأوسط. في الأغلب ما تدفعنا الأحداث غير المتوقعة للاندفاع نحو المال، وكان هناك ارتفاع في حالات اكتناز المال لفترة من الوقت. فقد جعلت أسعار الفائدة المرتفعة الودائع أكثر جاذبية.
هذا الأسبوع فقط، قال محمد العريان لبودكاست موني كلينيك لصحيفة فاينانشال تايمز، إنه أعاد تخصيص بعض أمواله من الأسهم إلى "النقد بشكل أساسي". وفي الوقت نفسه، يعتقد ملياردير صندوق التحوط، راي داليو، أن شعاره القديم "النقود قمامة" لم يعد صحيحا.
وكما الحال دائما، قام الأثرياء فعلا بهذا الشيء قبل اختفائهم في إبيزا أو هامبتونز لقضاء الصيف. ووجدت دراسة استقصائية أجرتها شبكة سي إن بي سي في يونيو الماضي، عن الأسر الأمريكية التي لديها أكثر من مليون جنيه استرليني من الأصول القابلة للاستثمار، أنها تحتفظ بربع محافظها الاستثمارية نقدا. وتوافق ذلك مع متوسط تخصيص الثلث للنقد أو ما يعادله (مثل صناديق سوق المال أو شهادات الإيداع) كشفت عنه دراسة استقصائية أجرتها شركة كابجيميني لثلاثة آلاف من مديري الثروات والعملاء في الشهر نفسه.
لقد قرأت هذه الاستطلاعات في ذلك الوقت ولم أصدق الأرقام. إن هذه المراكز النقدية المرتفعة تتجاوز بكثير ما هو مطلوب لتغطية الحالات الطارئة مثل شراء قارب جديد أو شراء شقة بالقرب من كلية الفنون.
لماذا توجد كثير من الأموال خارج الأسواق؟ جميع الدراسات طويلة الأجل حول الأصول توضح أن النقد هو فئة الأصول الأسوأ أداء خلال أي فترة زمنية متوسطة إلى طويلة الأجل تهتم أنت بفحصها.
ربما بسبب الكسل؟ من المؤكد أن ثقلي النقدي (نسبة ادخاري من مدخولي) البالغة نسبته 12 في المائة يرجع إلى أنني لم أهتم لإعادة تخصيص بعض الأموال النقدية التي تم جمعها عندما بعت أسهمي الأمريكية الشهر الماضي. يمكنني التظاهر بأنني أقوم بتوقيت الأسواق - ولكني أسخر من نفسي في هذه الحالة.
والواقع أن دراسة أجرتها شركة أليانز لايف في أبريل الماضي، أشارت إلى أن ثلثي المستثمرين الأمريكيين يعرفون أن لديهم أموالا نقدية أكثر مما ينبغي. لا شك أن علماء السلوك سيقولون إن الأمر يتعلق بالتحيزات غير العقلانية ضد عدم اليقين أو الخسائر المحتملة.
لكن الاحتفاظ بكمية كبيرة من النقد يمكن أن يكون الدعوة الاستثمارية الصحيحة في ظروف معينة، التي يمكن أن تستمر لعقود من الزمن، كما تفهم ربات البيوت اليابانيات ذلك جيدا. وذلك عندما تكون التوقعات بالنسبة إلى كل فئة أصول أخرى أسوأ.
لكن ما هو "الأسوأ"؟ إذا كان ذلك يعني إجراء مقارنة مباشرة للعوائد بعد مراعاة التضخم، فمن الصعب أن نفهم لماذا أصبح النقد أكثر جاذبية اليوم.
هنا في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، تقدم أفضل حسابات التوفير ذات الوصول الفوري فائدة تبلغ نحو 5 في المائة. ومع بلوغ التضخم 6 في المائة، فإن هذا يعني عائدا حقيقيا بنسبة سالب 1 في المائة. قبل خمسة أعوام، كانت أسعار الفائدة على الودائع تبلغ 0.8 في المائة، وكان معدل التضخم 1.8 في المائة.
لذلك فهذا عائد حقيقي متطابق. كما أن الحجة القائلة إن النقد أفضل من فئات الأصول الأخرى ليست صحيحة. لنبق في بريطانيا من أجل تطبيق مقارنة سهلة، حيث كانت عائدات السندات لأجل عشرة أعوام 1.7 في المائة في نهاية 2018 - وبالتالي فإن العائد الحقيقي يبلغ صفرا.
واليوم، تتمتع هذه السندات نفسها بعائد يبلغ 4.4 في المائة، ما يعطي دخلا بعد التضخم نسبته سالب 1.6 في المائة. أما الآن فالعائد ليس هو نفسه العائد الإجمالي. ويجب أن ننظر إلى العوائد المتوقعة ونعدلها بما يتناسب مع المخاطر التي نقدم عليها.
وفيما يتعلق بالأول، إذا استمرت أسعار الفائدة في الارتفاع، فسيكون أداء السندات سيئا، والعكس صحيح. وفي الحالة الأخيرة، تكون السندات أكثر تقلبا من النقد. كما تعاني السندات مخاطر التصنيف، ومخاطر الائتمان، ومخاطر أسعار الفائدة، ومخاطر التخلف عن السداد، ومخاطر السيولة، من بين أمور أخرى.
ستحتاج إلى درجة الدكتوراه لتسعير هذه الأمور. ولكن من الواضح أن بعض المستثمرين توصلوا إلى استنتاج مفاده أن نقطة مئوية واحدة إضافية من العائد الحقيقي لا تكفي لتعويضهم عن المخاطر الإضافية. فهم يفضلون أن يكون لديهم يقين نقدي.
ومع ذلك، فإن هذا يغفل نقطة حاسمة عندما يتعلق الأمر بإدارة المحفظة. من المؤكد أن السندات ترتفع وتنخفض أكثر من النقد. ولكن ما يهم هو كيفية تحركها مقارنة بممتلكاتك الأخرى. النقد لا يفعل شيئا عندما تنخفض الأسهم، في حين ترتفع السندات في الأغلب ـ وبالتالي تقلل المخاطر في الإجمال.
هناك خطأ آخر يرتكبه بعض الأشخاص وهو افتراض أن النقد في حساباتهم المصرفية مرادف للاستثمارات "الشبيهة بالنقد" مثل صناديق سوق المال. من المؤكد أن الأخيرة تحتوي على كلمة "المال" فيها. لكنها ليست نقدا.
معظم صناديق سوق المال مليئة بأدوات الدخل الثابت قصيرة الأجل، الصادرة عن البنوك أو الحكومات أو الشركات. فهي دائما عالية الجودة، لكن هذه الأوراق المالية معرضة للمخاطر نفسها مع حيازات السندات.
ومع ضخ أكثر من تريليون دولار في صناديق أسواق المال العالمية هذا العام، أتساءل كم عدد المستثمرين الذين يعتقدون أنهم خالون من المخاطر؟ ولكن مرة أخرى، النقد لا يخلو من المخاطر، كما سيخبرك أي أرجنتيني يعاني التضخم.
لا عجب أنني أتلقى مزيدا من رسائل البريد الإلكتروني التي تطلب مني أن أكتب عن العملات المشفرة والذهب أكثر من أي موضوع آخر. عندما أتلقى رسالة غير مكتوبة بأحرف كبيرة "في اللغة الإنجليزية، طريقة كتابة تستخدم للتشديد على أهمية مضمون الرسالة"، فقد أفعل ذلك. لكن في الوقت الحالي، لا تتوقع أن ترى أي نقود في محفظتي الأسبوع المقبل.