كيف استخدم براد سميث قانون مايكروسوفت للفوز بمعركة أكتيفيجن؟
كانت معركة شركة مايكروسوفت التي استمرت 21 شهرا لإتمام عملية الشراء الضخمة لشركة الألعاب أكتيفيجن واحدة من أكثر القصص الحديثة تعقيدا في عالم الاندماج والاستحواذ.
لقد كان هذا النضال بمنزلة إثبات صارخ لقوة الآلة القانونية، والسياسية والتأثيرية التي تكلف عملية إدارتها أكثر من مليار دولار سنويا، التي جعلت من شركة مايكروسوفت واحدة من أكثر الشركات الأمريكية فاعلية في ممارسة شكل جديد من دبلوماسية الشركات العالمية لتعزيز مصالحها.
إن إتمام صفقة شركة أكتيفيجن يعني هزيمة جهود الحكومة الأمريكية لمنعها في المحكمة، وفي الوقت نفسه إقناع الجهات التنظيمية في المملكة المتحدة في اللحظة الأخيرة بالسماح بإعادة صياغة الصفقة التي سبق أن قررت رفضها.
كما أنها انطوت على كسب تأييد الجهات التنظيمية في كثير من الولايات القضائية الأخرى - بما في ذلك بروكسل، حيث كانت شركة مايكروسوفت في وقت من الأوقات موضع عدم ثقة كبير - في وقت تواجه فيه عمليات الاستحواذ التي تقوم بها شركات التكنولوجيا الكبرى معارضة كبيرة.
يمثل إتمام الصفقة رغم الصعاب تتويجا لأكثر من عقدين من العمل لإعادة تشكيل سمعة الشركة التي كان ينظر إليها ذات يوم على أنها المتنمر الأبرز في عالم التكنولوجيا.
تحت قيادة براد سميث، الذي أصبح كبير مسؤوليها القانونيين عام 2002 وتولى أيضا منصب الرئيس في 2015، عملت شركة مايكروسوفت منذ فترة طويلة على تقديم وجه أكثر تصالحية للجهات التنظيمية.
كما سعت إلى جعل نفسها مفيدة للحكومات التي تبحث عن المساعدة في كل شيء، بدءا من سياسة التكنولوجيا إلى الدعم الطارئ ضد الهجمات الإلكترونية، كجزء من جهد لبناء الثقة وزيادة احتمالات الفوز في جلسة استماع عندما تتعرض مصالحها التجارية للتحدي.
ومع ذلك، في حين أن إتمام الصفقة يمكن أن يرقى إلى انتصار ملحوظ في وقت تندر فيه عمليات الاستحواذ من قبل شركات تكنولوجيا الكبرى، إلا أنه قد يمثل نقطة تحول في علاقات شركة مايكروسوفت مع الجهات التنظيمية حول العالم.
يقول أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين في مجال السياسات في شركة مايكروسوفت: "لقد ساعد ذلك على تذكير الجميع بأنها شركة التكنولوجيا كبرى أيضا".
تولى سميث منصب المستشار العام للشركة في وقت كانت تمر فيه بصعوبات، فبعد أن اقتربت وزارة العدل الأمريكية من الفوز بقرار يقضي بتفكيكها بأمر من المحكمة. لقد أدى صعوده إلى تغيير كامل في النهج. وبينما حاربت شركة مايكروسوفت في السابق الجهات التنظيمية بقوة، دعا سميث إلى التوفيق وحث على الحاجة إلى مزيد من الشفافية مع الجهات التنظيمية.
كما دفع لإجراء تغييرات في ممارسات شركة مايكروسوفت التجارية لتفادي تحديات مكافحة الاحتكار المحتملة قبل أن تتمكن من حشد قوتها، وفقا للأشخاص الذين عملوا معه. وفي العام الماضي، في مواجهة شكاوى حول ممارسات ترخيص السحابة لشركة مايكروسوفت والتي هددت بإثارة تدقيق لمكافحة الاحتكار، اعتذر رئيس شركة مايكروسوفت علنا وتحدث عن تغييرات ادعى أنها ستتعامل مع الشكاوى.
ومع ذلك، فإن هذه المحاولة لاستباق الانتقادات لم تمنع الاحتجاجات من أن تنمو وتصبح أعلى - وهو مؤشر على أن التكتيكات التي خدمت شركة مايكروسوفت بشكل جيد على مدى العقدين الماضيين قد تصبح أقل فاعلية مع نمو قوتها في أسواق مثل الحوسبة السحابية.
كما تم تحدي بعض التكتيكات التي ساعدت على تعزيز أرباحها لأعوام عديدة. فقد كشفت هذا الأسبوع أنها تلقت طلبا بقيمة 29 مليار دولار تقريبا من الضرائب المتأخرة في الولايات المتحدة يعود تاريخها إلى 2004-2013، مدفوعا بادعاء أن تحويل أرباحها إلى الدول منخفضة الضرائب يخفض ضرائبها بشكل مصطنع.
وفي علامة أخرى على الضغوط المتزايدة على الشركة، سمح سميث، الذي عادة ما يكون دبلوماسيا بارعا، لنفسه بإظهار غضب نادر في أبريل الماضي، بعد أن قالت الجهات التنظيمية البريطانية إنها ستمنع صفقة شركة أكتيفيجن. وأخبر قناة بي بي سي إن هذه الخطوة كانت "سيئة لبريطانيا" و"أحلك يوم" لمايكروسوفت خلال العقود الأربعة منذ إنشائها.
لكن شركة البرمجيات استطاعت مع ذلك إقناع هيئة المنافسة والأسواق في المملكة المتحدة بإعادة النظر، وصياغة حل وسط ما أدى إلى موافقة الوكالة على الصفقة بينما مكنتها أيضا من المطالبة بتنازلات أكبر من شركة مايكروسوفت مقارنة بتلك التي حصلت عليها الجهات التنظيمية الأخرى.
وبينما اعتمد انتصار شركة مايكروسوفت بشكل كبير على لعبة قانونية مكثفة ومفاوضات مع الجهات التنظيمية، فإنه يعكس الجهود المبذولة على مدار أعوام عديدة لوضع الشركة في ضوء أكثر ملاءمة. وراء الكواليس، روج سميث لحملة منسقة لبناء النفوذ مع الحكومات حول العالم، التي اعترف حتى بعض المسؤولين التنفيذيين المنافسين في مجال التكنولوجيا أنها أعطت شركة مايكروسوفت ميزة.
وقال ماناس تشاولا، الباحث الذي درس الشركة، إن شركة البرمجيات جمعت "واحدا من أكبر الجيوش من دبلوماسي الشركات التي رأيناها على الإطلاق". وأضاف، "يشملون مسؤولي السياسة الذين يعملون في كل شيء، بدءا من كيفية تنظيم الذكاء الاصطناعي إلى حماية الانتخابات ومعالجة الحرب الإلكترونية ضد الدول ذات السيادة".
وفي علامة على المدى الأكبر الذي قطعته شركة مايكروسوفت مقارنة بشركات التكنولوجيا الأخرى، أنشأت مكتبا تمثيليا في الأمم المتحدة عام 2020، يشغل طابقا في مبنى قريب من مقر المنظمة في نيويورك حيث يوجد كثير من بعثات دول الناتو. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أول رئيس دولة يقوم بزيارة للمكتب كجزء من جهد لتشجيع الشركة على الاستثمار في بلده، بينما كانت شركة مايكروسوفت تأمل في استخدام هذه العلاقة لتعزيز قدراتها في مجال الأمن الإلكتروني.
تعد جهود الأمم المتحدة جزءا من عملية تحت إدارة سميث وتكلف إدارتها أكثر من مليار دولار سنويا، وفقا لأشخاص مطلعين على الشركة. وتشمل المجموعات داخل شركة مايكروسوفت التي ترجع إليه الشؤون القانونية، والمؤسسية والحكومية، وتمثل ما تصفه شركة مايكروسوفت بنحو ألفي "محترف". وتضم منظمته وحدة للجرائم الرقمية وفرقا تعمل على تحديد الهجمات الإلكترونية وحملات التضليل.
محاولة شركة مايكروسوفت ادعاء الأفضلية الأخلاقية فيما يتعلق بقضايا مثل الأمن الإلكتروني أثارت استياء المنافسين، الذين يدعون أن الشركة تستخدم عملها مع الحكومات لصرف الانتباه عن الدور الذي لعبته نقاط الضعف في برامجها الخاصة في التسبب في المشكلات في المقام الأول. وفي وقت سابق من هذا العام، على سبيل المثال، كانت جينا ريموندو وزيرة التجارة الأمريكية واحدة من كثير من المسؤولين الذين تعرض بريدهم الإلكتروني للاختراق بعد اختراق حساب بريد إلكتروني عبر الإنترنت لشركة مايكروسوفت.
ووفقا لمدير تنفيذي سابق آخر في شركة مايكروسوفت، فإن العمل المكثف في مجال السياسة الدولية للشركة يعكس اعتقادا قويا بأن العمل على تعزيز التعددية وسيادة القانون على مستوى العالم سيجلب فوائد طويلة المدى للشركة وعملائها.
وقال المدير التنفيذي السابق إن هذه الأنشطة تخدم المصالح التجارية الأكثر إلحاحا لشركة مايكروسوفت، مضيفا: "أحد الأمور التي تعلمناها من حالات المنافسة: من الأفضل لنا بناء العلاقات والتفاعل وجعل الأشخاص يفهمون عملك قبل أن تواجه مشكلات صعبة. لقد بقي هذا الدرس الأساسي مع الشركة".
وأدت محاولة سميث تشكيل مناقشات سياسية مهمة حول التكنولوجيا إلى تبنيه مواقف طموحة على المسرح العالمي، رغم أنها لم تحقق دائما الأهداف التي يبدو أنها كانت مقصودة. فقبل ستة أعوام، دعا إلى "اتفاقية جنيف الرقمية" التي تشمل إقلاع الدول القومية عن شن هجمات إلكترونية ضد المدنيين في وقت السلم.
ووفقا لأحد الموظفين السابقين، فقد تراجعت هذه الخطة بعد أن أدركت شركة مايكروسوفت أنه إذا فشل الاقتراح في الحصول على دعم أغلبية أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضوا، فمن الممكن إعادة تشكيله بطرق لم تكن تقصدها الشركة. وأضاف، "كن حذرا فيما تتمناه". وأشار شخص آخر مطلع على اتفاقية جنيف الرقمية، إلى أن شركة مايكروسوفت لم تتراجع عن الفكرة وظلت بمنزلة "هدف طموح" بعيد المدى للشركة.
استعداد سميث لتقديم نفسه كسفير غير رسمي لصناعة التكنولوجيا بهذه الطريقة قد أتى بثماره بالنسبة إلى مايكروسوفت، وفقا لمؤيديه. قال أحد المسؤولين التنفيذيين السابقين، "لن تمنحك الجهات التنظيمية تصريحا، لكنها ستستمع لك - على أمل أن يكون لديك صوت موثوق لديها، وهذا هو المهم حقا".
بينما تضع شركة مايكروسوفت أخيرا الختم على أكبر عملية استحواذ لها على الإطلاق، يبدو أن هذه الاستراتيجية تؤتي ثمارها.