النفط السعودي وأبقار هولندا !
قطاع الطاقة هو أهم القطاعات الاستراتيجية، حيث تعتمد عليه -في اعتقادي- جميع القطاعات الأخرى بصورة مباشرة وغير مباشرة، فهو قلب التطور النابض، وباب الصناعة الكبير، وعنوان المدنية العريض.
ذكرت مرارا وتكرارا أن أمن الطاقة العالمي هو مسؤولية الجميع دون استثناء، وأن الأجدى للعالم هو استغلال موارده وقدراته المعرفية والتقنية واستغلال الوقت أيضا لرفع كفاءة إنتاج واستهلاك جميع مصادر الطاقة دون استثناء، لا توجيه هذه الموارد لخدمة أجندات سياسية واقتصادية ضيقة الأفق ستدفع العالم دفعا نحو خطر شح الطاقة العالمي على المديين المتوسط والبعيد، كان وما زال وسيبقى النفط السعودي صمام أمان أسواق الطاقة العالمية، والركن الرصين لاستقرارها، حيث إن جوهر سياسة إنتاج النفط السعودي هو استقرار أسواق النفط العالمية، والمحافظة على أسعار مناسبة للمنتجين والمستهلكين على حد سواء، كون هدف السعودية من سياستها للإنتاج التي تنتهجها سواء بالخفض أو الزيادة وتأثيرها في الأسواق، هو كبح تقلبات الأسعار لا زيادتها.
المقلق -في اعتقادي- فيما يخص أسواق الطاقة الذي أراه أحد التهديدات الحقيقية على أمن الطاقة العالمي، هو أن تحيد بعض منظمات الطاقة وبيوت الخبرة العالمية عن جادة الموضوعية والتجرد من الأهواء والأجندات السياسية والاقتصادية التي تخدم هذه الدولة أو تلك، فتأثير مثل هذه المنظمات وبيوت الخبرة في بعض صناع القرار قد يؤول إلى تبني خطط مستقبلية، وقرارات استراتيجية لا تصب بأي حال من الأحوال في مصلحة أمن الطاقة العالمي، وسلامة إمداداته، واستقرار أسواقه على المديين المتوسط والبعيد، وما وكالة الطاقة الدولية إلا تجسيد حقيقي لهذا الخطر على أرض الواقع.
سئل الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة السعودي، حول تسبب المملكة العربية السعودية في الانبعاثات الكربونية، فرد قائلا: "لحسن الحظ لسنا هولندا، وليس لدينا هذا الكم من الأبقار". وأضاف عند سؤاله عن التخلص التدريجي من الانبعاثات، هل من الممكن أن نقترح على هولندا التخلي عن الأبقار وصناعة الألبان؟ غاز الميثان يعد أحد الغازات الدفيئة التي تسهم في تصاعد ظاهرة الاحتباس الحراري، الذي اتفقت الولايات المتحدة ودول أوروبا على خفضه بنحو 33 في المائة بنهاية العقد الحالي. الجدير بالذكر أن تربية الحيوانات بشكل عام، مثل تربية الأبقار تتسبب في إنتاج غاز الميثان أثناء عملية الهضم.
بحسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن عمليات تربية المواشي وما يتعلق بها من أنشطة تشكل نحو 18 في المائة من غازات الاحتباس الحراري، بل ذهب بعض الباحثين مثل الباحث "كلاوسبوترباخ" وعديد آخرين، إلى أن الزراعة بجميع عملياتها تسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمية بنحو 33 في المائة.
تظهر الإحصائيات أن عدد الأبقار الحلوب في هولندا تجاوز 1.57 مليون رأس، إضافة إلى أكثر من مليون عجل، فهل نفذت هولندا ومزارعوها قرار المحكمة العليا الهولندية لتخفيض الانبعاثات بواقع 20 في المائة بحلول 2020؟ كما أن تقويض تربية المواشي، وتقويض المساحات الزراعية بتحويلها إلى سكنية أو صناعية أو تجارية، يهدد الأمن الغذائي العالمي وسلامة إمداداته، فإن تقويض صناعة النفط والغاز والاستثمار فيها يهدد أمن الطاقة العالمي وسلامة إمداداته.
الواقع -في رأيي- يقول، لن يتخلى العالم عن النفط، ولن يتخلى كذلك عن أبقاره، فالأجدى هو رفع كفاءة الإنتاج والاستهلاك، فالشعارات الرنانة لن تمد العالم بالطاقة.