أهم الأسس في توطين الوظائف
السلوك والتصرف فيما له علاقة بالمال والكسب من الأفراد والمنشآت يقوم على أسس، على رأسها البحث عن أعلى مصلحة. ما يعنيه ذلك أن السلوك تحكمه المصلحة الخاصة أو بتعبير آخر الأنانية. ودون ذلك الأساس ما كان لقانون العرض والطلب أن يصبح مقبولا.
ماذا يعني ذلك بالنسبة للتوظيف والتوطين تبعا؟
من أسس التوظيف سلوكا وتصرفا لدى زبائنه أنه يقوم على البحث عن أفضل وأنسب الأسعار والأجور. الزبون قد يكون الموظف بكسر الظاء أو الموظف بفتحها، أي من يعمل ومن يبحث عن عمل. وهكذا تفهم التصرفات ذات الطابع الاقتصادي. بعبارة أخرى: الرغبة في تحقيق أعلى المصالح هي المحرك الأول لتلك التصرفات.
ماذا يعني هذا المبدأ عند صياغة سياسات العمل والتوظيف، خاصة سياسات التوطين أي السعودة؟
توضع تلك السياسات آخذة في الحسبان ذلك المحرك أو الباعث الأول الذي على أساسه يتصرف أصحاب الأعمال في التوظيف، وعلى أساسه يتصرف الباحثون عن وظائف في قبول الوظائف والثبوت عليها. والضعف في فهم ذلك الباعث ومراعاته يتسبب في إضعاف تحقيق السياسات للمطلوب، كما يتسبب في زيادة ما يسمى السعودة الوهمية.
وتطبيقا على الكلام السابق، فإن افتراض أن الوطنية بمعنى حب مساعدة الآخرين أولى بالاعتبار من تحقيق المصالح الخاصة، هو افتراض لا يتفق مع الواقع. ينطبق هذا على أصحاب الأعمال. وينطبق أيضا على العاملين أو الباحثين عن عمل.
ما قلته سابقا نعرفه، لا يخفى على الناس بمختلف منازلهم ومسؤولياتهم، وهو أحد مسببات السعودة الوهمية. لكننا نعجب من تجاهله من البعض عند مناقشة التطبيق ربما أملا في تحقيق المثاليات. ومن المثاليات محاولة تعميم ظروف شركات بعينها على غيرها.
مثلا، هناك شركات توفر أجورا عالية ومناخا مستقرا. هذه الشركات تتصف بأنها كبرى، وأوضاعها المالية مستقرة وراسخة، وأغلبها تحقق أرباحا عالية. وتبعا فإن التوطين لديها أسهل بكثير.
معروف أن الظروف والتطورات خلال العقود الماضية جعلت الأغلبية العظمى من مؤسسات القطاع الخاص تقوم وتنمو على نمط تشغيل يغلب عليه توظيف غير السعودي. لذا فإن التوطين والحد من الاستقدام يتطلبان بنية تنظيمية تراعي الظروف، مع تدرج في تغييرها، ما يعني تدرجا في التطبيق. هذا يعني تبني توجهات متشددة، لكنها متدرجة في شروط من يسمح باستقدامه، أو يسمح بتجديد إقامته.
في هذا، فإن من المناسب فرض اشتراطات علمية ومهنية، أو تقوية الاشتراطات الموجودة على من يسمح باستقدامه أو تجديد إقامته. كما ينبغي أن تكون هناك معايير انتقائية وتصنيفات واختبارات تعمل على رفع مستوى اليد العاملة، خاصة في بعض المهن. مثلا، بالنسبة لسائقي شركات الليموزين، ربط تجديد عقودهم باجتياز اختبارات في اللغة العربية، مع تدرج عبر الأعوام وهكذا. وطبعا لهذا تكلفة.
إنه لا شك في رغبة الدولة في توطين الوظائف. ولا شك أن هناك تحديات ومصاعب ومحاولات تهرب جزئي في التطبيق. وهذا يتطلب تدرجا في التطبيق.
من وجهة تحليلية اقتصادية، تكون سياسات التوظيف واكتساب المهارات في أي بلد أكثر نجاحا إذا قامت على حلول هيكلية طويلة الأمد، تراعي طبيعة الأسواق والمصالح.
من أمثلة مراعاة المصالح مراعاة التحول إلى نظام أجور "لليد العاملة" سوقي أي قائم على السوق. وهذا التحول يتطلب ضمن ما يتطلب تقليص الفجوة مع الوقت بين القطاعين العام والخاص، من حيث الأجور والإجازات والأمان الوظيفي والتقاعد.
التحول إلى نظام أجري سوقي "لليد العاملة سواء كانت وطنية أو غير وطنية" تحد صعب يواجه توطين الوظائف، لكن نجاح التوطين دونه أصعب. هذه قضية ينبغي أن يسلم بها من البداية، قبل الانطلاق إلى كيفية التنفيذ.
سوق العمل في مختلف دول العالم، وعلى رأسها الدول الصناعية، قائمة على قوانين تحمي مرونة الإحلال، ولم توضع هذه القوانين عبثا، لأن التحليل الاقتصادي يؤكد أن مرونة سوق العمل مطلب من مطالب حماية اليد العاملة الوطنية. وهناك ما يشبه الإجماع في التحليل الاقتصادي لسوق العمل على انتقاد وجود ازدواجية في سوق العملlabor market segmentation.
على هذا، فإن القوانين الموجدة لازدواجية في سوق العمل تتعارض بطبيعتها مع قوانين وسياسات حماية اليد العاملة الوطنية. وكانت سوق العمل السعودية تعاني وجود قوانين تصنع ازدواجية، لكن جرى تخفيفها بشكل ملموس، والفرصة ما زالت قائمة لمزيد تخفيف. وهذا يزيد من مرونة سوق العمل.
مرونة سوق العمل تتطلب أيضا تغييرا في عادات بدأ انتشارها منذ طفرة عقد السبعينيات من القرن الميلادي الماضي. وتتلخص في استمرار عمل الأسواق ساعات طويلة من الليل، وسهر الناس، وتأخير زائد في مواعيد تناول الوجبات، عما كان عليه آباؤنا، وعما تمارسه شعوب الأرض الأخرى. هذه النقطة تحتاج إلى أن تناقش باستفاضة لدى من يعنيهم الأمر.