رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تركيا وخفض الفائدة .. ما النتيجة؟

مثيرة للاهتمام التجربة التركية في انتهاج سياسة نقدية مخالفة للأعراف الاقتصادية وتجارب الدول، في ضرورة اللجوء إلى رفع أسعار الفائدة للسيطرة على معدلات التضخم المرتفعة، حيث كانت السياسة المتبعة في تركيا - بضغوط رئاسية - أن الحركة الاقتصادية في الدولة تنتعش متى كانت معدلات الفائدة متدنية، وبذلك فليس بالأمر المناسب أن يتم رفع معدلات الفائدة. وبالفعل كانت الفائدة الرسمية - التي يتحكم فيها البنك المركزي من خلال اتفاقيات إعادة الشراء لمدة أسبوع - في انخفاض مستمر ما قبل أزمة كورونا من مستويات 18.5 إلى 9 في المائة في أوج الأزمة، ثم تم رفعها في 2021 إلى 15.75 في المائة بسبب ارتفاع التضخم عقب التعافي من كورونا، وكان قرارا صائبا في وقتها ويتماشى مع المسلمات الاقتصادية فيما يخص العلاقة بين التضخم وأسعار الفائدة.
المشكلة التي وقعت فيها تركيا هي أنها قامت بخفض معدلات الفائدة طوال عام 2022 على الرغم من تصاعد وتيرة التضخم حول العالم وبشكل حاد في تركيا ذاتها، حيث تجاوز التضخم 80 في المائة في 2022، فكانت التوقعات أن يتم رفع معدلات الفائدة، لكن حصل العكس، حيث استمرت سياسة البنك المركزي في خفض الفائدة إلى ما دون 10 في المائة.
تبرير القيادة التركية لخفض الفائدة أن تكلفة الفائدة تعد أحد عناصر تكلفة الإنتاج وبالتالي فإن رفعها يؤدي إلى رفع الأسعار، من ناحية أخرى تمت الإشارة إلى الحالة الصينية كدليل على أن خفض الفائدة يؤدي إلى انتعاش اقتصادي، إلى جانب الاعتقاد الشائع لدى البعض بأن الفائدة النقدية ليست إلا الربا المحرم شرعا، ولا يمكن أن ينتج عنها خير للبلاد. الاستشهاد بالصين في مسألة خفض الفائدة فيه مغالطة كبيرة، وهي أن خفض الفائدة بالفعل يؤدي إلى نتائج اقتصادية إيجابية، لكن ذلك يحدث فقط في حال كانت هناك بالفعل ماكينة اقتصادية قوية تستفيد من توافر السيولة، فبحسب النظرية النقدية لا يمكن امتصاص السيولة الزائدة في الاقتصاد إلا من خلال رفع مستوى الإنتاج أو الحد من الحركة الاقتصادية عن طريق كبح الطلب الاقتصادي العام، لكون ذلك يخفض من سرعة دوران النقود، فيتلاشى تأثير السيولة العالية.
النظرية النقدية ذاتها تقول إنه في حال عدم المقدرة على رفع الإنتاج ولا خفض حدة الطلب العام فلا بد أن يتم امتصاص السيولة عن طريق ارتفاع الأسعار، وهذا تماما ما حدث في تركيا.
كذلك لم يكن صحيحا الادعاء بأن تدهور سعر صرف الليرة من شأنه أن يرفع من مستوى الصادرات التركية، وبالتالي فلا ضرر من تدهور سعر الصرف أثناء خفض معدلات الفائدة وارتفاع السيولة في الدولة، لأن الاقتصاد التركي على الرغم من كونه اقتصادا كبيرا ومتنوعا إلا أنه يعتمد على الاستيراد في عدة مجالات، ليس أقلها الاعتماد على النفط والغاز اللذين ارتفعت أسعارهما بحدة في 2022، ما أضر بالصادرات ذاتها. المعلوم أن سعر الصرف في تدهور مستمر، حيث وصل بنهاية سبتمبر 2023 إلى 27.5 ليرة للدولار.
التجربة التركية الفريدة انتهت عقب الانتخابات الرئاسية، حيث تخلى البنك المركزي عن سياسته السابقة وتم رفع معدلات الفائدة بشكل غير مسبوق خلال الأشهر القليلة الماضية، أولا بواقع 2.5 ثم 7.5 ثم 5 في المائة، لتستقر الفائدة الرسمية الأسبوع الماضي عند 30 في المائة. وعلى الرغم من ذلك لا يزال التضخم السنوي مرتفعا عند مستوى 59 في المائة، بحسب آخر البيانات، وذلك أقل من 85 في المائة في أكتوبر 2022، لكن مع وجود ارتفاعات ملحوظة في الأشهر القليلة الماضية، ما يدل على أنه من الأرجح أن البنك المركزي أمام مشوار طويل للوصول إلى النسبة المستهدفة للتضخم عند 5 في المائة سنويا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي