الرهن العقاري والفائدة المرتفعة .. ما البلد الأكثر تضررا؟
يمكن لسمسار الرهن العقاري نيكولاس مينديز أن يصف ما شعر به عملاؤه خلال العام الماضي بكلمة واحدة: الصدمة.
قال مينديز، الذي يعمل في شركة جون تشاركول ومقرها لندن: "إن رد فعل الناس الذين خرجوا لتوهم من سعر الفائدة الثابت عند أقل من 2 في المائة هو "ما هذا؟ هذا هو قسطي الشهري الجديد؟".
عبر أوروبا، وجد المقترضون الذين يتطلعون إلى تأمين رهون عقارية جديدة أو إعادة تمويل الرهون القائمة، أن مدفوعاتهم ترتفع بشكل كبير على خلفية الارتفاعات الحادة في أسعار الفائدة التي حددتها البنوك المركزية.
ومع توقع تراجع التضخم ببطء إلى أهداف واضعي أسعار الفائدة البالغة 2 في المائة ومن المرجح أن تظل تكاليف الاقتراض مرتفعة لفترة أطول مما توقعه المقرضون والمقترضون على حد سواء في البداية، فإن عددا متزايدا من الناس سيتضررون ماليا في الأعوام المقبلة.
وبالنسبة إلى أولئك الذين هم بالفعل على سلم الإسكان، فهناك اختلافات واسعة في مستويات الحماية ضد أسعار الفائدة المرتفعة. يعتمد الكثير ليس على الاختلافات في مستويات عدوانية واضعي أسعار الفائدة فحسب، بل يعتمد أيضا على الاختلافات داخل أسواق الرهن العقاري الوطنية.
وحتى داخل منطقة العملة الموحدة، تتباين تفضيلات المقترضين والمنتجات التي يقدمها المقرضون بشكل كبير.
قال جون مولباور، الخبير الاقتصادي في جامعة أكسفورد: "التقاليد التاريخية تعني أنه لا تزال هناك اختلافات جذرية بين أسواق الرهن العقاري حول أوروبا. ورغم إطلاق العملة الموحدة منذ أكثر من عقدين من الزمن وبعض التكامل في مجالات أخرى من الأسواق المالية، فإن هذا لم يحدث في قطاع الإسكان".
وتعني هذه التقاليد أنه تصعب المقارنة بين أسواق الرهن العقاري في أكبر ست اقتصادات في أوروبا. لكن باستخدام عدة مصادر بيانات وعبر مقابلات مع الوسطاء عبر المنطقة، قامت صحيفة فاينانشال تايمز بتحليل البلد الأكثر عرضة لأسعار الفائدة المرتفعة.
المملكة المتحدة
أصحاب المنازل في المملكة المتحدة من بين الأكثر عرضة للخطر بسبب مزيج من أسعار الفائدة المرتفعة - سعر الفائدة القياسي لبنك إنجلترا هو 5.25 في المائة مقارنة بـ4 في المائة للبنك المركزي الأوروبي - وانتشار الصفقات قصيرة الأجل ذات السعر الثابت.
ستتأثر أكثر من 1.4 مليون أسرة بريطانية بتكاليف الرهن العقاري المرتفعة للغاية هذا العام وحده، وفقا لبيانات من مكتب الإحصاءات الوطنية، مع تحول الاتفاقيات ذات أسعار الفائدة الثابتة إلى أسعار فائدة متغيرة تم تصميمها عندما كانت أسعار الفائدة الرسمية عند جزء ضئيل من مستويات اليوم.
ومع ذلك، فمن دون التغيرات التي طرأت على سوق الرهن العقاري على مدى العقدين الماضيين، كانت المملكة المتحدة لتصبح أكثر عرضة للخطر.
منذ 2003، انخفضت نسبة الرهون العقارية ذات أسعار الفائدة المتغيرة، التي تتحرك مباشرة بما يتماشى مع أسعار الفائدة التي يحددها البنك المركزي، من 70 إلى 13 في المائة، مع وجود 61 في المائة من القروض الآن بأسعار فائدة ثابتة لمدة خمسة أعوام أو أطول، مقارنة بنسبة 11 في المائة قبل 20 عاما، وفقا لمؤسسة أكسفورد إيكونوميكس.
فرنسا
حظي المقترضون في دول مثل فرنسا حتى الآن بقدر أكبر من الحماية من أسعار الفائدة المرتفعة، ويرجع ذلك في الأغلب إلى أن رهونهم العقارية تميل إلى أن تكون ثابتة لعقود من الزمن في كل مرة.
وبينما تعد الرهون الثابتة لأكثر من خمسة أعوام نادرة في المملكة المتحدة، فإن متوسط مدة الرهن العقاري في فرنسا هو 23 عاما، وفقا لبنك فرنسا. أي أن أقل من 5 في المائة من الرهون العقارية الفرنسية تتبع أسعار الفائدة.
والسبب الآخر لعدم تضرر المقترضين الفرنسيين بشدة هو ما يسمى بسعر الفائدة الربوية، وهو الحد الأقصى لمستوى سعر الفائدة الذي يمكن للبنوك أن تتقاضاه، الذي حدده بنك فرنسا لحماية المستهلكين والحماية من الإفراط في المديونية. إنه يتبع التضخم وقد بدأ الآن في الارتفاع، لكن ليس بالوتيرة نفسها لأسعار الفائدة في أوروبا. لقد تسبب ذلك في معاناة المقرضين على المدى القصير، إلى أن تتمكن أسعار الفائدة التي يتقاضونها من الارتفاع إلى المستويات السائدة.
وقالت وكالة إس أند بي جلوبال ريتنجز في تقرير الشهر الماضي: "لم تتمتع البنوك الفرنسية بالتعزيز نفسه للإيرادات والاستفادة الفورية من أسعار الفائدة المرتفعة مثل نظيراتها الأوروبية".
وكان الجانب الآخر من هذه التدابير الرامية إلى حماية المستهلكين هو انخفاض القروض العقارية الجديدة، حيث تتجنب البنوك الصفقات الخاسرة. وأظهرت بيانات بنك فرنسا أن حجم القروض الجديدة الممنوحة انخفض إلى 12 مليار يورو في يوليو - وهو أدنى مستوى منذ 2014.
إسبانيا
في المقابل، تمثل المنتجات ذات أسعار الفائدة المتغيرة نحو 75 في المائة من 5.5 مليون رهن عقاري قائم في إسبانيا. قال ريكارد جاريجا، الرئيس التنفيذي لتريوتيكا، وهي شركة وساطة للرهن العقاري مقرها برشلونة: "تشعر العائلات البالغ عددها 4.1 مليون أسرة والتي لديها رهون عقارية بأسعار فائدة متغيرة بالذعر".
ويعني ارتفاع أسعار الفائدة في البنك المركزي أن العملاء في حاجة ماسة إلى تبديل المنتجات. وما يسهل هذه التغييرات هو قانون الرهن العقاري لـ2019 الذي سهل على المستهلكين الانتقال إلى مقرض مختلف عبر ضمان أن غرامات الإلغاء والرسوم ليست باهظة.
قال جاريجا إنه عند الحصول على قرض نموذجي بقيمة 200 ألف يورو، فإن عقوبة التخلص الأكثر شيوعا كانت 0.5 في المائة من قيمته - أي ألف يورو - وسيتعين على المقترضين أيضا دفع رسوم تقييم جديدة تراوح بين 300 و400 يورو.
تتغير أيضا طبيعة المنتجات المعروضة. فبينما ارتفعت شعبية الرهون العقارية الثابتة لمدة تزيد على عشرة أعوام عندما كانت تكاليف الاقتراض منخفضة، فقد تحولت إسبانيا إلى حقبة جديدة في العام الماضي. والفئة الأسرع نموا هي الآن المنتجات "المختلطة". كما هو مألوف لدى أصحاب المنازل في المملكة المتحدة، فإن هذه المنتجات تمنح سعرا ثابتا لبضعة أعوام قبل أن يصبح سعر الفائدة متغيرا.
وشكلت هذه المنتجات 37 في المائة من جميع الرهون العقارية الجديدة في يوليو، وفقا لبيانات من بنك كايكسا.
ألمانيا
لطالما فضل المقترضون الألمان الرهون العقارية ذات فترات الاستحقاق الطويلة، وكانت المنتجات ذات سعر الفائدة الثابت التي تراوح مدتها من عشرة إلى 20 عاما هي الأكثر شعبية.
ومع ذلك، خلافا لما هي الحالة عليه في دول مثل المملكة المتحدة أو فرنسا، حيث يتم وضع حدود على مقدار ما يمكن للعملاء اقتراضه على أساس قيمة دخلهم، فإن المقترضين الألمان لديهم قيود أقل.
وساعد الافتقار إلى القيود الصارمة على أساس الدخل على تغذية ارتفاعات قوية في أسعار المنازل خلال أعوام الازدهار التي شهدت انخفاض أسعار الفائدة وعمليات شراء السندات الضخمة في إطار برنامج التيسير الكمي للبنك المركزي الأوروبي. على مدى العام الماضي، انخفضت أسعار العقارات هنا 10 في المائة - وهو أكبر انخفاض في الاتحاد الأوروبي بأكمله.
يمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة وانخفاض الأسعار إلى جعل الرهن العقاري أقل خطورة، حيث يدفع الألمان الآن عربونا أكبر - حتى لو كان ذلك يعني طلب المساعدة من الآباء. قال فرانك لوشيه، المتخصص في تمويل البناء في دكتور كلاين، وهي شركة ألمانية لوساطة الرهن العقاري: "أصبح شراء عقار الآن في كثير من الأحيان مشروعا عائليا حقيقيا".
يوافق ينس تولكميت، الرئيس التنفيذي لاتحاد بنوك بفاندبريف الألماني، الذي يجمع البيانات من 700 مؤسسة ائتمانية، على أن الارتفاع في تكاليف التمويل جعل القروض عالية النسبية إلى قيمة الأصل المراد شراؤه أكثر ندرة. وقدر أن الدين كحصة من مشتريات المنازل الألمانية انخفض من 80 في المائة عام 2021 إلى 75 في المائة هذا العام.
وقال تولكميت إنه كان هناك أيضا تحول بعيد عن القروض ذات فترة الفائدة الثابتة التي تزيد على عشرة أعوام. وأضاف أن هذه النسبة انخفضت من نصف المعاملات الجديدة إلى أقل بقليل من 40 في المائة، رغم "التقليد طويل الأمد" للإقراض طويل الأجل في سوق الرهن العقاري الألمانية.
إيطاليا
بالنسبة إلى الإيطاليين، فقد تركت فترة ما قبل اليورو التي شهدت ارتفاع أسعار الفائدة انطباعا دائما. حيث يفضل كثيرون شراء المنازل نقدا، ما يزيل مخاطر ارتفاع تكاليف الاقتراض تماما.
قبل الجائحة، 51 في المائة من مشتري المنازل لأول مرة و81 في المائة من المستثمرين الذين اشتروا للتأجير لم يحصلوا على رهن عقاري، وفقا لمجموعة تكنوكاسا العقارية.
كان على أصحاب المنازل الإيطاليين الذين لديهم رهن عقاري أن يسددوا أقساطا مرتفعة نسبيا بسبب شروط الإقراض الصارمة التي تفرضها البنوك.
ووفقا لمويلباور، فإن هذا يعني أن المستويات الإجمالية لديون الرهن العقاري الإيطالية "منخفضة إلى حد لا يصدق" مقارنة بمستويات الدخل.
والنتيجة هي أنه رغم كثرة أصحاب القروض ذات أسعار الفائدة المتغيرة، إلا أن أصحاب المنازل الإيطاليين يتمتعون بمعزل جيد نسبيا في الإجمال.
ومع ذلك، فإن بعض من لديهم قروض - كثير منها بأسعار فائدة متغيرة - يعانون تكاليف الرهن العقاري المرتفعة.
ففي مارس الماضي - وهو الشهر الأخير الذي تتوافر عنه بيانات - تم التخلف عن سداد أقساط الرهن العقاري بقيمة إجمالية تبلغ 6.8 مليار يورو، وفقا لجمعية المصرفيين الوطنيين، فابي، وتبين أن تلك المرتبطة بأسعار فائدة متغيرة تثبت أنها "إشكالية بشكل خاص".
هولندا
في هولندا، أصبحت أسعار الفائدة المتغيرة والرهون العقارية قصيرة الأجل أكثر شعبية حيث يحاول العملاء تجنب التورط بأسعار الفائدة المرتفعة التي من المحتمل أن تنخفض على المدى المتوسط.
وشكلت هذه المنتجات أكثر من 21 في المائة من الصفقات الجديدة أو المعاد تمويلها في يونيو، مقارنة بأقل من 11 في المائة في العام السابق.
ويتعين على أصحاب المنازل الهولنديين أيضا أن يتعاملوا مع ارتفاع سوق العقارات غير المستدام. حيث تظهر أرقام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن الأسعار في هولندا ارتفعت بنحو 50 في المائة منذ 2015 - عندما أطلق البنك المركزي الأوروبي برنامجه للتيسير الكمي الذي تبلغ قيمته تريليونات من اليورو - وهذا العام.
لكنها ستكون قد انخفضت 9 في المائة عن ذروتها في يوليو 2022 بحلول نهاية هذا العام، وفقا لمحللين في بنك رابوبنك، ما يزيد من احتمال أن تكون حصص المشترين الأحدث في هولندا في منازلهم سالبة.
وقال جاسبر دي جروت، الرئيس التنفيذي لموقع باراريوس دوت كوم Pararius.com العقاري، إن واحدا من كل 25 مالكا لديه قروض مستحقة تزيد قيمتها على قيمة منازلهم. وأضاف أن نقص المساكن في هولندا سيحد من انخفاض الأسعار. "طالما استقرت أسعار الفائدة، لا أتوقع مزيدا من الانخفاضات".