صفقات الأسهم ومفاهيم الاحتكار
طوال عقد ونصف تقريبا شهدت شركات الأسهم الخاصة تحولات وحركة مسارات تاريخية، فقد وصف تقرير لشركة "آيه" EY نمو شركات الأسهم الخاصة بأنه "أحد التحولات الأكثر عمقا في أسواق رأس المال منذ القرن الـ19"، والسبب الرئيس الذي جعل تقرير شركة المحاسبة والاستشارات الدولية يصف الأسهم الخاصة بذلك الحجم الهائل لرأس المال المتاح، الذي قدرته بعض المصادر بأنه تجاوز 2.44 تريليون دولار مع نهاية العقد الماضي، ونتيجة لهذا الفائض الضخم في رأس المال، ارتفعت قيمة عمليات الاستحواذ خلال النصف الأول من 2019 إلى 256 مليار دولار.
ويفسر هذا الإقبال الضخم بأن له أسبابه الكامنة منها أن شركات الأسهم الخاصة كانت تقدم عائدا ماليا مجزيا جدا، مقارنة بسعر الفائدة الذي كان سائدا طوال العقد الماضي ومنذ الأزمة المالية العالمية 2008، حيث انخفض سعر الفائدة حتى أقل من الصفر، كما أن شركات الأسهم الخاصة تستهدف شركات ناشئة أو صغيرة ليست مدرجة في السوق المالية، بينما تقدم فرصا للاستثمار وتحقق نموا سريعا وعوائد مرتفعة، وبما يضمن التنوع وتوزيع المخاطر بين القطاعات المختلفة مثل التكنولوجيا، والرعاية الصحية، والطاقة المتجددة، والعقارات، وغيرها، وجزء كبير من هذا الاهتمام المتزايد هو استراتيجية الشراء والبناء.
وفي حين كان الشراء والبناء سمة مميزة للأسهم الخاصة لفترة طويلة، إلا أنه أصبح يتمتع بشعبية خاصة في الأعوام الأخيرة. كانت استراتيجية الشراء والبناء أهم استراتيجيات شركات الأسهم الخاصة بدءا من شراء شركة قائمة ومن ثم استخدام تلك الشركة للاستحواذ على شركات أخرى أصغر ودمجها في المجموعة، من أجل زيادة في المبيعات والتقييم الإجمالي، مع القدرة على الوصول إلى تمويل أكبر، وهذه الاستراتيجية من أكثر الاستراتيجيات جدلا التي أثرت بقوة في فهم المنظمين دور هذه الشركات في الاقتصاد كما يظهر لاحقا، إضافة إلى كل ما سبق كانت شركات الأسهم الخاصة ورأس المال الجريء تمكن المستثمرين من التحكم والتأثير في إدارة الشركة التي يتم الاستحواذ عليها وفي صنع القرارات الاستراتيجية والتخطيط للشركة، في وقت تكون فيه هذه الشركات أقل شفافية من الشركات المدرجة في السوق المالية، ما يمنح المستثمرين فرصة للاستفادة من معلومات حصرية وتحقيق عوائد إضافية، لهذا كله كان العقد الماضي يمثل أعوام المجد لشركات الأسهم الخاصة، وصناديق رأس المال الجريء أيضا. لكن يبدو أن العقد الحالي مختلف إلى حد بعيد، المفاجآت لم تكن في الحسبان.
لقد كانت أولى وكبرى الصدمات قد أتت من العامل الأبرز في نهضة شركات الأسهم الخاصة ورأس المال الجريء وهي أسعار الفائدة، فانخفاض أسعار الفائدة طوال العقد الماضي منح سوق المال للشركات الخاصة، فهي الكبرى من حيث العوائد، مقارنة بما تمنحه سوق الدين التي كانت البنوك المركزية تقدمه عند أقل سعر فائدة، لكن اليوم بلغت أسعار الفائدة مستويات قياسية تجاوزت 5 في المائة، وقد أوضح تقرير نشرته "الاقتصادية" أثر هذا التحول المهم، حيث بدأت كبرى شركات الأسهم الخاصة في العالم تسريع التحول بعيدا عن عمليات الاستحواذ الضخمة والتوجه نحو أعمال مثل الائتمان الخاص، حيث تجبرها أسعار الفائدة المرتفعة على ذلك، التحول نحو أعمال جديدة بما في ذلك إقراض الشركات، الذي أصبح أكثر ربحية مع قيام البنوك المركزية برفع أسعار الفائدة لخفض التضخم.
وهنا نلاحظ نجاح شركات الأسهم الخاصة في تقديم نفسها بديلا للأسواق المالية طوال العقد الماضي ووفرت للمستثمرين بدائل، وهي الآن تخطط لتلعب دورا مختلفا لكن ليس مع المستثمرين، بل مع المقترضين من الشركات الكبرى، حيث تقدم نفسها بديلا للنظام المصرفي التقليدي، فهي من خلال رأسمالها الضخم قادرة على تقديم قروض للشركات بمليارات الدولارات، وفي هذا يقول رئيس أحد صناديق المال الجريء، إنه في عصر أسعار الفائدة المرتفعة هناك عوائد "غير مسبوقة" متاحة في الائتمان الخاص. وتستهدف الشركة التي يقع مقرها في نيويورك بشكل متزايد تقديم القروض للشركات الكبيرة، وقد تم بالفعل تقديم قرض بقيمة 500 مليون يورو لشركة الخطوط الجوية الفرنسية، ويشير رئيس صندوق آخر إلى حجم الأرباح التي يمكن تحقيقها عن طريق إقراض الشركات بقوله إذا كنت تعيش في اقتصاد لا ينمو ويمكن لشخص ما أن يمنحك 12 أو 13 في المائة مع عدم وجود أي احتمال للخسارة تقريبا، فهذا أفضل شيء يمكنك القيام به تقريبا، ولهذا قام بدمج ذراعيه الائتمانية والتأمينية، اللتين تديران معا 295 مليار دولار، أي أكثر من ضعف الـ137 مليار دولار في أعماله في الأسهم الخاصة.
ليست هذه هي المشكلة الوحيدة التي تواجه نموذج شركات الأسهم الخاصة وصناديق المال الجريء، بل هناك التنظيمات الجديدة في الولايات المتحدة وأهمها قانون حماية المنافسة الذي أصبح ينظر إليه كنموذج لقمع شركات الأسهم الخاصة، ولفهم ذلك نعود إلى فهم استراتيجية الشراء، حيث يتم شراء شركة قائمة ومن ثم استخدام تلك الشركة للاستحواذ على شركات أخرى أصغر ودمجها في المجموعة، من أجل زيادة في المبيعات والتقييم الإجمالي، مع القدرة على الوصول إلى تمويل أكبر، فمثل هذه العمليات والاندماج أصبحت تمثل تهديدا مع ما يسمى الإدارة المتشابكة (أي أن الشخص نفسه يتخذ القرارات التجارية للشركات المتنافسة).
من الجدير بالذكر أنه في 1976 صدر قانون هارت سكوت رودينو HSR، من أجل تحسين مكافحة الاحتكار وهو الذي عدل عددا من مواد قانون كلايتون، وتطلب هذا التعديل أن تفصح الشركات بشكل صريح عن نياتها لخطط الاندماج أو الاستحواذ الكبيرة للحكومة قبل اتخاذ أي إجراء من هذا القبيل، ويتضمن إشعار Premerger إكمال نموذج HSR، الذي يسمى أيضا "نموذج الإخطار والتقرير لبعض عمليات الاندماج والاستحواذ"، وهناك اليوم مقترحات جديدة لتطوير نماذج الإفصاح التي فرضها هذا القانون، وقد نشرت "الاقتصادية" هذه المقترحات التي تضمنت تقديم معلومات أكثر تفصيلا للجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل قبل فترة تقييم أولية مدتها 30 يوما، وقد فسرت رئيسة لجنة التجارة الفيدرالية، في بيان لها أن "الكثير قد تغير" منذ أن تم سن القانون لأول مرة، بما في ذلك التعقيد المتزايد وحجم الصفقات.
ومن المتوقع أن تكون صفقات الأسهم الخاصة مستهدفة هذه المرة بشكل أساس فالتغييرات المقترحة، وفقا لتقرير "الاقتصادية"، تريد مزيدا من التدقيق حول ممارسة المجالس وفحص تأثيرها بإجبار شركات الاستحواذ على تحديد "مراقبي مجالس الإدارة" - صانعو الصفقات الرئيسون الذين يراقبون الاستثمارات التي لا تشغل مقاعد رسمية في مجلس الإدارة. فالتعديلات مهتمة بمعرفة ما يحدث في شركات الأسهم الخاصة، التي أصبحت تسيطر على قطاعات واسعة من الاقتصاد، ما يتطلب مزيدا من التدقيق قبل إبرام الصفقات من قبل مجموعات الاستحواذ.