رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تكتلات تشاركية لتفادي التكلفة

ليس جديدا على الحالة التجارية العالمية أن تكون مقسمة إلى تكتلات، لكن هذه الأخيرة باتت منذ أعوام تمثل الأساس في هذه التجارة، ما عمق ما اصطلح على تسميته "تجزئة التجارة". وفي الحقيقة، أنه كلما اتسعت رقعة أي تكتل، كان هذا أفضل للتجارة العالمية. ودون هذا التوسع سيكون مجرد "ناد" صغير يجمع عددا قليلا من الدول، تجري التعاملات التجارية بينها حصريا، أو بصور شبه حصرية. وهذا ما يبرر مثلا، ترحيب صندوق النقد الدولي، بالخطوات الأخيرة التي اتخذت من أجل توسيع أطراف مجموعة "بريكس" بحيث تشمل دولا تمثل في النهاية ثقلا في الساحة الاقتصادية العالمية، ولا سيما في القطاع التجاري النشط. والحق، أن مسألة التكتلات التجارية تعود إلى قرون وليس لعقود خلت، إلا أنها في المفهوم الاقتصادي الذي انتشر فيما بعد الحرب العالمية الثانية، صارت تثير القلق، خصوصا إذا ما قفلت الباب على نفسها.
ومن الواضح، أن هذه التكتلات التي لا تقوم على أساس التوسعة أو التعاون المباشر مع تكتلات وجهات خارجها، صارت السبب المباشر في تعميق انقسام التجارة عموما، حتى إن صندوق النقد الدولي يشير إلى أن هذا الانقسام يقلص الناتج الإجمالي العالمي 7 في المائة. وهذه النسبة دون شك مرتفعة، ولا سيما في ظل تنامي المواجهات الاقتصادية حتى الحروب والصراعات التجارية بين كتل وجهات حول العالم. وبالطبع لا يمكن للتكتلات أو التحالفات أن تسهم في رفد صحي لمؤشرات التجارة العالمية، إلا عبر توسعها أو بناء علاقات أكثر قوة مع جهات خارجها، أو وضع استراتيجية للتعاون التجاري بصرف النظر عن الاعتبارات الأخرى التي قد تكون معوقة. لماذا؟ لأن العوائد المأمولة ستكون محورية بالنسبة إلى طرفي العلاقة. عند ذلك تتراجع مخاطر انقسام هذه التجارة دوليا، فضلا عن مساهمتها في التقليل من التوترات السياسية (إن وجدت) بين هذا الطرف أو ذاك، وفي هذه المنطقة أو تلك.
لا يمكن النظر إلى التحالفات التجارية (بما في ذلك تلك التي تتم بين شركات متعددة الجنسيات) إلا من خلال مساهمتها في دعم التجارة العالمية. وهذه المساهمة لا تعزز مصالح الأطراف فحسب، بل تؤدي إلى مكاسب جمة، آتية من خفض تكاليف الاستثمار بشكل عام، فضلا عن التقليل من تكاليف التجارة ذاتها. وهذه النقطة مرة أخرى تفيد الأطراف المعنية. فالتوسعة المطلوبة للتكتلات أو التحالفات التجارية الاستراتيجية، توفر الحماية مع اتساع رقعة تجزئة هذه الساحة، ما يرفع من حجم الأعباء والتكاليف المشار إليها. ولا بد من الإشارة بالطبع، إلى أن بعض العوامل التي تقيد توسعة التحالفات، أو بناء علاقات قوية مع أطراف خارجها، تخضع للتجاذبات السياسية، فضلا عن المشكلات الجيوسياسية التي باتت تمثل عقبة ليس فقط في مجال التعاون التجاري، بل على صعيد السلم الدولي.
ومن هنا، فإن الانفتاح في التعاون التجاري يمثل بحد ذاته عاملا مهما لحصر التجزئة ومنعها وتفادي تكاليفها الباهظة. كما أن التحرك في هذا المجال بين الحكومات والمؤسسات الدولية الاقتصادية المعنية بالاقتصاد العالمي، يسهم في التوصل إلى حلول ناجعة لمشكلات يمر بها هذا الاقتصاد في هذه الفترة أو تلك. وفي المحصلة، لا يمكن النظر إلى التكتلات التجارية، ككيانات مساعدة للاقتصاد العالمي، إلا بالانفتاح على الأطراف خارجها، أو بتوسيع رقعتها، مع ضرورة النظر إلى أهمية مستوى تعاونها العالمي. التكتلات التجارية كما تقوم في الغرب تقوم كذلك في الشرق، وهي تستهدف مصالح أطرافها، وهذا أمر ليس سيئا بالمعيار العالمي، إلا إذا عمقت الانقسام على حساب التعاون، وهي بذلك ترفع التكلفة ليس فقط على الطرف المقابل، بل عليها أيضا على المدى البعيد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي