فجوة ضائقة السيولة وتسديد الديون «2 من 3»
كما قاوم المقرضون من القطاع الخاص، التخفيف العميق لأعباء الديون، حتى مع استمرار عزوفهم عن توفير السيولة. في أثناء أزمة الديون في أمريكا اللاتينية في ثمانينيات القرن الـ20، عندما كانت السيولة تعد المشكلة وليس الإعسار، كان بوسع البنوك القليلة المشاركة في الأمر أن تتفق في أقل تقدير على إعادة الجدولة المنسقة. لكن الآن، يعكس الإغلاق الشامل لسوق السندات مشكلة تتعلق بالعمل الجماعي والتي تميز بدرجة كبيرة حيازة السندات المفتتة.
رغم أنه من المفهوم عد مسألة خفض الديون عملية مروعة، فإنه لا بد أن يكون من الأسهل كثيرا بالنسبة إلى الدول التي تقتصر مشكلتها على الافتقار إلى السيولة أن تبني جسرا إلى مستقبل أكثر استدامة ماليا. النبأ السار هنا هو أن قلة من الدول فقط ينطبق عليها وصف "معسرة" في الوقت الحالي.
تشير تقديرات أخيرة إلى أن 25 دولة منخفضة ومتوسطة الدخل، منها 17 دولة في إفريقيا، تظل تحت عتبة الإعسار التي حددها صندوق النقد الدولي، لكنها تتجاوز عتبة السيولة "حيث تراوح تكاليف خدمة الدين بين 12 و15 في المائة من الإيرادات".
لكن الوضع سيزداد سوءا إذا لم تتمكن هذه الدول من إعادة تمويل أصول ديونها المستحقة عندما تصل إلى موعد الاستحقاق. لنتأمل هنا حالة كينيا. شرعت كينيا في تنفيذ برنامج طموح لتثبيت الاستقرار والإصلاح، مدعومة بجهود ضخمة لتثبيت الاستقرار المالي بما يعادل 4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وبدعم سخي من صندوق النقد الدولي وبنوك التنمية متعددة الأطراف. لكنها لديها سندات بقيمة ملياري دولار يستحق سدادها في 2024. وإذا لم تسمح أسواق رأس المالي العالمية بإعادة التمويل بحلول ذلك الوقت، فسيتطلب السداد نفقات مالية إضافية تعادل 1.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وسيزيد هذا من خطر حدوث اضطرابات شعبية، كما حدث أخيرا في الرد على زيادة الضرائب وارتفاع تكاليف المعيشة.
والبديل -التخلف عن السداد- غير جذاب بذات القدر، خاصة أن دين كينيا الخارجي لا يتجاوز 38 في المائة من الدخل الوطني الإجمالي. للتغلب على هذه المعضلة، يقترح إعلان نيروبي بشأن تغير المناخ الصادر عن الاتحاد الإفريقي السماح للدول بإعادة جدولة الديون المستحقة قريبا لإيجاد الحيز المالي اللازم لتمكين سياسات "النمو الأخضر" الجديدة والإصلاحات، بتمويل من بنوك التنمية متعددة الأطراف.
الواقع أن اقتراحنا الذي يقضي بإنشاء "ميثاق انتقالي" يساعد على تفعيل هذه الفكرة. في ظل قيادة مشتركة من جانب الأمم المتحدة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، لن يقتصر هذا الاقتراح على دعم الدول المعسرة التي تحتاج إلى خفض الديون المستحقة عليها، بل سيشمل أيضا الدول التي تفتقر إلى السيولة والتي تحتاج إلى إعادة جدولة ديونها... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية» بروجيكت سنديكيت، 2023.