رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تدويل أزمة العقارات

يبدو أن الأزمات المتلاحقة في القطاع العقاري، التي يشهدها بعض دول العالم، قد امتدت إلى القارة الأوروبية ووصلت إلى ألمانيا، رابع أقوى اقتصادات العالم والأول في القارة العجوز، بعد أن سببت هذه الأزمة مشكلات متنوعة في القطاع الصيني ثاني أقوى اقتصاد بعد "الأمريكي"، خاصة الشركات التي تمثل القاعدة الأساسية لهذا القطاع الحيوي، الذي يمثل بين 25 و30 في المائة من حجم الاقتصاد الصيني.
وعلى هذا الصعيد، نلحظ من خلال القراءات الأولية أن المصاعب التي يواجهها قطاع العقارات في ألمانيا تتزايد، مع عدم وجود حلول سريعة تخفف منها. ورغم مطالبة المستشار الألماني أولاف شولتس المعنيين بقطاع العقارات بالتحرك من أجل إيجاد مخارج للأزمة المتزايدة الراهنة، إلا أن آفاق الحلول لا تزال ضيقة حاليا، وذلك من جراء ضغوط على القطاع آتية من جهات عدة. ويعاني هذا الأخير عقبات عديدة منذ أكثر من عامين، في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد الألماني مشكلات متعددة، ولا سيما على صعيد النمو. فهذا الاقتصاد سيكون الأقل نموا بنهاية العام الحالي، مقارنة ببقية الاقتصادات الأوروبية الكبرى، على الرغم من أن هذه الاقتصادات لن تحقق أصلا نموا لافتا هذا العام على الأقل. العقبات التي تعترض مسار قطاع العقارات باتت معروفة، لكن ليس من السهل تذليلها في وقت قصير تحتاج إليه السوق بالفعل.
وفي مقدمة هذه العقبات، الفائدة المرتفعة جدا، التي خففت إلى حد بعيد الإقبال على الاقتراض العقاري عموما. فالبنك المركزي الأوروبي، كغيره من البنوك المركزية في البلدان المتقدمة الأخرى، يعتمد سياسة زيادة تكاليف الاقتراض في إطار مواجهته موجة التضخم العاتية التي تضرب العالم عموما. فهي تبلغ في الوقت الراهن 4.70 في المائة، بينما ترك البنك الباب مفتوحا أمام زيادات مستقبلية إن دعت الحاجة إلى ذلك. و"المركزي الأوروبي" كان قبل الموجة التضخمية، من أشد البنوك رفضا لإنهاء سياسة التيسير الكمي، بحيث أوصل الفائدة إلى الصفر فترة طويلة.
لكن مشكلات القطاع العقاري الألماني لا تتوقف عند هذه النقطة، فهي تشمل بصورة أساسية أيضا ارتفاعا كبيرا في أسعار مواد البناء. وهذا ما أضاف أعباء جديدة على الشركات المطورة للعقارات، وأسهم في توقف بعض المشاريع نهائيا، بينما تم تجميد عشرات المشاريع لأسباب تتعلق بتراجع الطلب أولا وبارتفاع تكاليف البناء.
وفي الآونة الأخيرة، زاد عدد الشركات التي أعلنت إفلاسها بالفعل، بينما تناضل أخرى بيأس للبقاء في السوق أطول فترة ممكنة، وعدم اللجوء إلى التصفية أو قيام الجهات الحكومية بالاستحواذ عليها. بسبب هذه العوامل تراجعت أسعار العقارات بنسبة 6.8 في المائة على أساس سنوي في كل أنحاء البلاد، ما أضاف مزيدا من الضغوط على القطاع بأكمله. والخوف اليوم لدى السلطات، الارتفاع المستمر لعدد الشركات التي أفلست بالفعل، وتلك التي ربما تعلن إفلاسها قبل نهاية العام الجاري. فشركة واحدة فقط هي "فونوفيا" قررت أخيرا تجميد بناء 60 ألف وحدة سكنية، في حين أعلنت واحدة من كل خمس شركات إلغاء مشاريع البناء في الشهر الماضي فقط. ووفق دراسة لمعهد "آي إف أو" المتخصص، فإن 11.9 في المائة من الشركات العقارية تواجه مصاعب تمويلية في الوقت الراهن، وإن هذا العدد في ارتفاع في العام المقبل، إذا لم يتم التوصل إلى حلول توقف الانهيار الراهن. المشكلة الأخرى، أن كل هذا يجري في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد بالفعل إلى وحدات سكنية من كل الشرائح، ما دفع المستشار شولتس فور وصوله إلى الحكم، إلى إعلان التزامه ببناء 400 ألف وحدة سكنية سنويا. وبحسب الجهات المختصة، لا يمكن الوصول إلى أكثر من 250 ألف وحدة سكنية هذا العام كحد أقصى، أي أن المشكلات التي تواجه قطاع العقارات، ضربت في الواقع التعهدات التي أطلقتها الحكومة الألمانية. ومع تفاقم الأزمة، يبدو أن العام المقبل سيكون أكثر حدة في ميدان العقارات الألمانية، في حين لا توجد أي إشارة إلى تخفيف تكاليف الإقراض من قبل البنك المركزي الأوروبي.
ومن الواضح، أن أزمة العقارات الألمانية ليست حكرا على هذه الدولة، فالصين تشهد مشكلات ضخمة في هذا القطاع، حيث توقفت أعمال البناء لدى شركات ضخمة تقود في الواقع النشاط العقاري، بما في ذلك ما حل بشركة "إيفر جراند" الضخمة، التي عجزت قبل أشهر عن السداد للمصارف، حيث ولدت مخاوف في الساحة المصرفية المحلية والعالمية، نظرا إلى انكشافها على الشركة وغيرها من المؤسسات العقارية الصينية. وقيدت بكين مسار الاقتراض، ما زاد من الضغوط أكثر، وفي بريطانيا، هناك أيضا أزمة عقارية ضخمة، لكنها لم تصل بعد إلى تهديد القطاع العقاري كله.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي