التفكير الصفري .. البيئة الاقتصادية هي المنبع
عادة لا نعد دعاة التمييز الإيجابي والمناهضين للهجرة متلائمين مع بعض. المجموعة الأولى معظمها من فئة الشباب وتتكون بأغلبية ساحقة من التقدميين، بينما معظم المجموعة الثانية من كبار السن والمحافظين. لكن وفقا لدراسة جديدة مذهلة أجرتها جامعة هارفارد، فإن لدى المجموعتين شيئا مشتركا مهما: الميل إلى التفكير الصفري، أو الاعتقاد بأنه لكي تكسب مجموعة ما، يجب أن تخسر مجموعة أخرى.
تظهر طريقة التفكير نفسها في كافة أنواع القضايا التي تتقاطع مع الانقسامات السياسية التقليدية. تتفق أعداد متساوية تقريبا من الديمقراطيين والجمهوريين في الولايات المتحدة على أنه "في التجارة، إذا جنت دولة ما مالا أكثر، فإن دولة أخرى تجني مالا أقل". وبينما من المرجح أن يقول الديمقراطيون: "إذا أصبحت مجموعة دخل واحدة أكثر ثراء، فإن هذا يأتي على حساب المجموعات الأخرى"، فإن ثلث الجمهوريين يوافقون على ذلك.
من الواضح أن عقلية المحصلة الصفرية ليست في حد ذاتها أمرا جيدا أو سيئا، من الناحية الأخلاقية. نظام الاعتقاد نفسه الذي قد يدفع شخصا ما إلى رعاية المحرومين قد يدفع شخصا آخر إلى الانعزال. لكن من الناحية الاقتصادية، هناك مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى أن هذه النظرة العالمية ترتبط بمعتقدات محبطة ـ الشعور بأن الجهد الإضافي لا يكافأ ـ وبالتالي انخفاض معدلات الإبداع على المستوى المجتمعي.
من المثير للاهتمام خاصة أنه يبدو أن الاستدلال السببي صالح في كلا الاتجاهين. من بين النتائج الأكثر إثارة للدهشة التي توصلت إليها دراسة جامعة هارفارد، اكتشاف وجود علاقة قوية بين مدى امتلاك شخص عقلية المحصلة الصفرية، والبيئة الاقتصادية التي نشأ فيها.
إذا قضى شخص ما الأعوام الأولى من حياته في ظل وفرة ونمو وارتقاء، فإنه عادة ما يملك عقلية تميل أكثر إلى المحصلة الإيجابية، معتقدا أنه من الممكن تنمية الكعكة بدلا من مجرد إعادة توزيع قطع منها. ويميل الأشخاص الذين نشأوا في ظروف اقتصادية أصعب إلى أن يملكوا عقلية المحصلة الصفرية ويكونون أكثر تشككا في فكرة أن العمل الجاد يحقق النجاح. وكل من هذين الاتجاهين منطقيين تماما.
إن هذا النمط يظل ثابتا سواء نظرت إلى الأشخاص الذين نشأوا في الوقت نفسه، لكن في بلدان ذات ثروات اقتصادية متفاوتة، أو أجيال مختلفة نشأت في الأماكن نفسها لكن في ظل خلفية اقتصادية متغيرة.
كل خمسة إلى عشرة أعوام، يسأل مسح "القيم العالمية" الناس في عشرات البلدان عن المكان الذي يمكن أن يضعوا أنفسهم فيه على مقياس من الاعتقاد الصفري بأن "الناس لا يمكنهم أن يصبحوا أثرياء إلا على حساب الآخرين"، إلى وجهة النظر الإيجابية أن "الثروة يمكن أن تنمو بحيث يكون هناك ما يكفي للجميع".
لقد أصبح متوسط الاستجابة بين سكان البلدان ذات الدخل المرتفع أكثر صفرية بنسبة 20 في المائة على مدى القرن الماضي.
علاوة على ذلك، تزامن ارتفاعان واضحان في انتشار نزعات المحصلة الصفرية مع تباطؤين في نمو الناتج المحلي الإجمالي، أحدهما في سبعينيات القرن الماضي والآخر في العقدين الماضيين.
وينطبق النمط نفسه داخل كل بلد على حدة. أصبح البريطانيون والأمريكيون أكثر ميلا إلى حد كبير إلى الاعتقاد بأن النجاح هو مسألة حظ لا جهد تماما مع تباطؤ نمو الدخل.
لكي نكون واضحين، لا أحد يزعم أن هذا التحول في العقلية ليس له ما يبرره. عندما كانت الكعكة تكبر بسرعة، كانت الظروف المادية للشخص العادي أكثر عرضة للتحسن دون مساعدة الحظ أو العلاقات. وإذا كانت المجتمعات المتقدمة أكثر اهتماما بالعدالة، فهذا ليس بالأمر السيئ.
لكن كما يشير مؤلفو دراسة هارفارد، فإن ارتفاع تفكير المحصلة الصفرية له بعض الآثار الجانبية غير السارة. والشعبوية ونظريات المؤامرة والأهلانية كلها متجذرة في الاعتقاد بأن مجموعة واحدة تكسب على حساب الأخرى، وقد برزت كل هذه الأمور في الآونة الأخيرة. سجل الذين يعرفون أنفسهم على أنهم ديمقراطيون صوتوا لمصلحة دونالد ترمب في 2016 درجات عالية جدا في المعتقدات الصفرية.
كما وجدت مجموعة حديثة من التجارب في المملكة المتحدة والولايات المتحدة أدلة متسقة على أن التفكير الصفري يدفع الناس إلى التقليل من الفوائد المحتملة للثقة والتعاون، والنظر إلى الآخرين عاى أنهم منافسين أو تهديدا محتملا، لا شركاء ومتعاونين.
إن مكمن الخطر هنا هو أننا انزلقنا إلى دورة سلبية، حيث يعزز التباطؤ الاقتصادي التفكير المتشكك والدفاعي. وقد يكون ذلك بمنزلة كابح لأنواع السياسات الطموحة والنفعية التي قد تعزز النمو نحو المستويات السابقة.
سيتطلب التصدي لهذا الاتجاه شجاعة سياسية وعكس اتجاه التراجع الأخير عن العولمة الذي شهدناه في الأعوام الأخيرة.
السؤال هنا هو ما إذا كان قادتنا قد تبنوا نظرية المحصلة الصفرية.