كيف يكافح تجار التجزئة موجة الجريمة؟

كيف يكافح تجار التجزئة موجة الجريمة؟

يشعر أميل مصطفى العامل في متجر ماونتن وير هاوس بأنه يخوض معركة خاسرة. "يحاول شخص ما ثلاث مرات على الأقل في اليوم" كما قال مشرف متجر ماونتن وير هاوس عن محاولات سرقة البضائع من فرع متجر التجزئة المكشوف الذي يعمل فيه.
"في آخر مرة، ركض رجل إلى الداخل وانتزع ست سترات، تبلغ قيمة الواحدة منها نحو 290 إلى 300 جنيه استرليني، وكان علي مطاردته خارج المتجر"، حسبما قال أميل مصطفى واصفا كيف وقف صديق السارق عند باب المتجر في شمال إيزلنغتون في لندن لمحاولة منع جهوده لمطاردته.
مصطفى وصاحب عمله ليسا الوحيدين اللذين يتعرضان لهذه الضغوط والمصاعب. وعلى الرغم من أن محال السوبرماركت من بين أكثر ضحايا سرقة المتاجر تكرارا، إلا أن القطاعات الأخرى مثل الملابس والسلع الكمالية يتم استهدافها بشكل متزايد. وحذرت متاجر التجزئة بما فيها برايمارك وجون لويس أخيرا، من أنها تتلقى ضربة مالية مؤلمة من الجريمة، في حين أكد تجار التجزئة الأمريكيون أيضا أن هناك زيادة في السرقة.
وفي هذا الأسبوع، قام ائتلاف يضم أكبر جمعيات البيع بالتجزئة في المملكة المتحدة، ومن ضمنها اتحاد تجارة التجزئة البريطاني ورابطة متاجر البقالة، بإرسال خطاب إلى كل مفوض شرطة وجريمة في إنجلترا وويلز يشجب فيها مستوى سرقة المتاجر الذي قالوا إن له تأثيرا ماليا هائلا في الشركات.
وأضافوا: "تجار التجزئة يواجهون مستويات غير مسبوقة من سرقة المتاجر في محالهم، حيث يشهد كثير منهم الآن نهبا منظما لشركاتهم بشكل منتظم".
وأصبحت سلسلة برايمارك للأزياء السريعة أول من كشف عن هذا التأثير في مكالمة أرباح الشهر الجاري، حيث كشف بائع التجزئة أن السرقة كانت السبب الرئيس لانخفاض 50 نقطة أساس في هوامش الربح حتى الآن في 2023.
وأوضح جورج ويستون، الرئيس التنفيذي لمجموعة الشركات الأم أسوشيتيد بريتيش فودز، أنه بسبب السرقات من المحتمل أن تنخفض هوامش الربح إلى نحو 8 في المائة في النصف الثاني من العام، وهو أقل من التوجيه السابق البالغ نحو 8.3 في المائة، مبينا أن السرقة وإساءة معاملة الموظفين "كانت أسوأ مما شهدناه في الماضي ولا تزال تزداد سوءا".
وبعد فترة وجيزة، كشفت شركة جون لويس عن معاناتها من زيادة قدرها 12 مليون جنيه استرليني على أساس سنوي في "انكماش" المخزون، وكان معظمها بسبب سرقة المتاجر. وألقت السيدة شارون وايت، رئيسة شركة جون لويس، باللوم في جزء كبير من الزيادة على ارتفاع الجريمة المنظمة و"سرقة المتاجر حسب الطلب من أطراف ثالثة"، حيث يقوم الجناة المتكررون الآن بتنسيق الهجمات على متاجر متعددة على التوالي.
وأعلنت شركة نكست عن تضرر هوامشها من سرقة المتاجر في النصف الأول من هذا العام، إذ قال الرئيس التنفيذي اللورد سايمون ولفسون: "نحن بالتأكيد نشهد ارتفاعا. من المحتمل أن ذلك أدى إلى تآكل الهوامش بنسبة 0.2 في المائة في النصف الأول".
وتتشابه الصورة في أماكن أخرى. في الولايات المتحدة، أكدت شركة تارجت أن "الانكماش" سيخفض أرباحها هذا العام بمقدار 500 مليون دولار أكثر من 2022، محذرة كل من شركة هوم ديبو، ودولار تري، وفوت لوكر من أن الجريمة ستضر بربحيتها.
على الرغم من أن الأدلة الموجودة على أرضية المتجر تشير إلى ارتفاع حاد في السرقة، إلا أن المستوى الإجمالي الفعلي لسرقة المتاجر وما إذا كان يتزايد إلى مستويات قياسية هو موضع جدل.
وارتفعت جرائم سرقة المتاجر في العام حتى نهاية مارس الماضي 24 في المائة على أساس سنوي وفقا لبيانات الشرطة - بسبب التأثير المشوه لإغلاق المتاجر خلال جائحة كوفيد- 19- لكنها ما زالت أقل من معدلات ما قبل كوفيد. وتم تسجيل 342 ألف جريمة سرقة من المتاجر في الأشهر الـ12 حتى مارس، مقارنة بـ375 ألف جريمة مسجلة في العام المنتهي في مارس 2019.
ومع ذلك، قالت رابطة متاجر البقالة، التي تمثل أكثر من 30 ألف متجر محلي لـ"فاينانشال تايمز" إن سرقة المتاجر في قطاعها ارتفعت لمستوى لم تشهده من قبل. وجادلت بأن التناقض بين تجربة تجار التجزئة والإحصاءات الرسمية كان سببه عدم الإبلاغ عن الجرائم ضد الشركات - فقط 16 في المائة حسب تقديراتها - تم الإبلاغ عنها.
وقال جيمس لومان، الرئيس التنفيذي لشركة أيه سي إس: "نحن نعلم أن كمية السرقات التي ينتهي الأمر بالإبلاغ عنها وتسجيلها ضئيلة مقارنة بما يحدث بالفعل".
كما توصلت دراسة نشرها اتحاد التجزئة البريطاني هذا العام، التي تغطي الفترة الأول من أبريل 2021 إلى 31 مارس 2022، إلى النتيجة نفسها. وأفادت بأن السرقة من قبل الزبائن كانت أعلى من مستويات ما قبل كوفيد، فقد كلفت نحو ثمانية ملايين حادثة تجار التجزئة خسارة 953 مليون جنيه استرليني من المخزون.
وتدعي منظمات البيع بالتجزئة أن الموظفين لا يرون أي فائدة في إبلاغ الشرطة عن السرقة وأنواع أخرى من الجرائم لأنهم عندما يفعلون ذلك في الأغلب ما يقابلون بالتقاعس عن العمل.
وبالعودة إلى مصطفى من متجر ماونتن وير هاوس، الذي يوضح أن المسألة "مع الشرطة، إنها قضية خاسرة... لدينا سياسة الإبلاغ دائما عن [السرقات] ولكن لا شيء يحدث البتة".
ويرى تجار التجزئة والعمال أن هذا التقاعس عن الاستجابة يؤدي إلى ارتفاع الجريمة لأن السارقين يعتقدون أنهم لن يواجهوا أي عواقب، مشيرا إلى أن السرقة التي تقل قيمتها عن 200 جنيه استرليني يتم التعامل معها على أنها جنحة صغيرة، ما يعني أنه لا يعاقب عليها بغرامة تزيد على 70 جنيها استرلينيا ولا يشترط فيها الحضور إلى المحكمة.
وقال ياسر جولزار، مدير فرع سلسلة محال موجي اليابانية في شارع أكسفورد بلندن: "أصبح الناس أكثر شجاعة بسبب قواعد عدم الملاحقة القضائية، إذ يمكنهم أخذ كمية صغيرة مثل أشياء بقيمة 30 جنيها استرلينيا ثم العودة لاحقا إلى سرقة المزيد".
وأشار إلى أن المحل لم يبلغ عن السرقات الآن ما لم تصل إلى حد الـ400 والـ500 جنيه استرليني، موضحا أنه كان على علم بحالات لأشخاص يعملون في مجموعات من اثنين أو ثلاثة ويأخذون بوقاحة "أكواما كاملة" من البضائع.
وقال مجلس رؤساء الشرطة الوطنية إنهم "يبذلون كل ما في وسعهم للتصدي للمخالفين ودعم تجار التجزئة".
وأكدت رئيسة الشرطة أماندا بليكمان، قائدة قسم جرائم الاستحواذ، أن قوات الشرطة تأخذ أي حادث عنف على محمل الجد، وسنعطي الأولوية لاستجابتنا عندما يكون هناك خطر على الأفراد، موضحة أن قوات الشرطة ستواصل العمل من كثب مع عمال التجزئة، والاستماع إلى مخاوفهم والتصرف بشكل مناسب.
وأرجع تجار التجزئة هذا الارتفاع إلى عدة عوامل، مؤكدة شركتا برايمارك وجون لويس أن هناك ارتفاعا في معدلات الجريمة المنظمة مع الاعتراف بأن ضغوطات تكاليف المعيشة دفعت مزيدا من الناس إلى حافة الهاوية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالطعام وغير ذلك من الضروريات.
لكن القطاع عارض الرأي القائل إن الاعتماد المتزايد على عمليات الدفع الذاتي وقلة أعداد الموظفين تشجع على السرقة من المتاجر.
وقال ويستون: "بقدر كبير من اليقين" أن عمليات الدفع الذاتي التي تقوم بها محال برايمارك لا تساعد على السرقة، مضيفا: "ليس هذا هو الذي يؤدي إلى خسارة المخزون. لدينا ما يكفي من تجارب الدفع الذاتي أو الأمثلة على الدفع الذاتي لنكون واضحين إلى حد ما بشأن عواقب الدفع الذاتي على خسارة المخزون".
واتفقت شركة أيه سي إس مع ذلك، حيث أخبرت " فاينانشال تايمز" أنه في معظم المتاجر التي وفرت فيها الدفع الذاتي لم يؤد ذلك إلى عدد أقل من الموظفين، لكنه يسمح باستخدام العمال في أماكن أخرى في المتجر حيث يمكنهم فعل المزيد لمنع السرقة.
في الوقت الحالي، اضطر عديد من تجار التجزئة إلى الاستثمار في تدابير مكلفة لمكافحة سرقة المتاجر وآثارها، حيث يرتدي عدد متزايد من الموظفين كاميرات مثبتة على أجسادهم كجزء من زيهم الرسمي، التي تتم مراقبتها من خلال تغطية أوسع لكاميرات المراقبة، وفي الأغلب ما يتم وضع حارس أمني إضافي عند المدخل إذا كان بائع التجزئة كبيرا أو غنيا بما يكفي لتحمل تكاليفه.
وبدأت شركة جون لويس في تقديم القهوة مجانا لضباط الشرطة حتى يكون لديهم سبب لقضاء مزيد من الوقت في متاجرهم، في حين تقوم متاجر كو-أوب - التي تعاني السارقين أكثر من أي محل تجزئة آخر، وفقا لموقع المقارنة على الإنترنت Money.co.uk - بتعيين حراس أمن سريين للقيام بدوريات في ممراتها.
كما كان هناك ارتفاع في الطلب على التأمين على المتاجر حيث يسعى تجار التجزئة إلى الحماية من التكاليف المتوقعة للجريمة، مع زيادة عمليات البحث عن تأمين على المتاجر بنسبة 13 في المائة في الأشهر الثلاثة الماضية، وفقا لموقع Money.co.uk. وارتفع متوسط قسط التأمين بنحو 50 في المائة منذ يناير الماضي.
لكن الذين يعملون في المتجر مثل مصطفى من متجر ماونتن وير هاوس هم الذين يعانون التأثير الأولي. ففي إحدى الحوادث الأخيرة، تمكن مصطفى من انتزاع سترة مسروقة من أحد اللصوص، وكان في داخلها زوجان من السراويل التي تمت سرقتهما من المتجر الخيري المجاور، ما أثار رد فعل فوري من اللص، إذ يقول مصطفى: "بدأ بالبصق علي".

الأكثر قراءة