البستنة .. ما بين الأخذ والعطاء
لم أعتقد أبدا أن طريقي إلى الثراء قد يكون في البروكلي الأرجواني. لكن عندما رأيت سعر حفنة من الخضراوات في سوق المزارعين المحليين غرب لندن، لم أحتج إلى آلة حاسبة لأعرف أن المحصول الذي ينمو من النباتات العضوية الستة في قطعتي الزراعية يمكن بيعه بعدة مئات من الجنيهات.
وتغطي هذه المحاصيل أقل من 3 في المائة من أرضي. انساق ذهني إلى فكرة نبش التوت وعنب الثعلب والأعشاب وكل شيء آخر وتغطية الموقع بأكمله بالبروكلي الأرجواني. هل يمكنني حتى التخلي عن وظيفتي اليومية؟
إلا أن الخيال اصطدم سريعا بواقع قوانين الأرض الزراعية والثقافة والاقتصاد الأوسع.
تقع قطعة أرضي في فولهام بالاس، قرب نهر التايمز، حيث تنص القواعد -المفروضة جزئيا لمنع زراعة نوع واحد والإنتاج بكميات صناعية- على أنه يجب على كل مزارع أن يزرع نحو 50 في المائة من الخضراوات و30 في المائة من الفاكهة و20 في المائة من أي شيء آخر. وتشمل النسبة الأخيرة سقيفة وفناء ومسارات وكومة سماد وزهور.
بيد أنه، حتى لو لم توضع مثل هذه الحدود المنصوصة بوضوح، فأنا، والأغلبية العظمى من أصحاب الأراضي الذين أعرفهم، لن نحلم بالسعي لكسب المال من مساعينا البستانية.
النتيجة هي أنه مع أن إيجار قطعتي من الأرض السنوي يزيد قليلا على جنيه استرليني في الأسبوع، فإن الاقتصاد الاسمي لبستنة القطعة غير مجد على الإطلاق. المبلغ الذي سأنفقه لشراء كل ما أنتجه سيكون جزءا صغيرا من تكلفة الإنتاج إذا أخذنا في الحسبان سعر عملي وعمل زوجتي.
هناك طرائق للتخفيف من النفقات. الأولى هي اقتصاد المقايضة المزدهر، في كل مرحلة من مراحل عملية النمو. زرعت، مثلا، هذا العام عددا من بذور البروكلي الأرجواني والملفوف والجرجير والشمندر أكثر بكثير مما كنت أعرف أني أحتاج إليه، حتى إني أخذت في الحسبان معدل الاستنزاف المعتاد البالغ 15 في المائة. لكني تمكنت من استبدال الشتلات بالنباتات التي زرعها جيراني، مثل القرع أو الخس. إدارة الأرض الزراعية هي، باختصار، عملية مستمرة من الأخذ والعطاء.
هناك نوع آخر من اقتصاد المقايضة وهو ما أسميه "حفلة إزالة الأعشاب الضارة". أدعو الأصدقاء إلى الأرض وأخبرهم أنه يتوقع منهم تأدية بعض الأعمال. الحداثة في زيارة أرض زراعية تعتبر كبيرة لمعظم الناس لدرجة أنهم سعيدون جدا لتأدية ما لا يقل عن نصف ساعة من إزالة الأعشاب الضارة أو قطفها أو زراعتها أو تقليمها أو غربلة السماد.
في الواقع، نظرا لوجود أكثر من 400 قطعة أرض في فولهام بالاس، فإنها تبدو أشبه بالأرياف، حين ينغمس المرء بين أوراق الحميض والراوند "إذا لم تنظر إلى كتل الشقق على الطراز الإدواردي التي تطل على جانب واحد وتتجاهل الطائرات التي تحلق فوق مطار هيثرو".
في المقابل، أدفع لأصدقائي بكؤوس من مشروبات يختارونها. والنتيجة هي أن الجميع يخرج سعيدا. لقد ضمنت عدة ساعات من العمل بتكلفة متواضعة نسبيا، وآمل أن يكون أصدقائي قد قضوا وقتا ممتعا ومجزيا.
لأن هذا هو العائد الحقيقي وغير الملموس لامتلاك أرض زراعية، الوقت الممتع والمجزي الذي أقضيه وزوجتي في القطعة.
صحيح، حتى لا نطرد -تمر علينا عشر عمليات تفتيش في العام تقريبا، وأي شخص لا يبقي قطعة أرضه في حالة مرضية يخاطر بتلقيه بطاقة صفراء أو حمراء على غرار كرة القدم- يتعين علينا أحيانا العمل في أوقات قد نفضل فيها أن نكون في مكان آخر.
لكن الملذات لا تعد ولا تحصى. من إثارة تحويل البذور إلى طعام بنجاح وتحويل قشور الطبخ إلى سماد، إلى إقناع أطفالي بتناول الكوسة لأنها "من الأرض، لذا فهي أكثر صحة ولذيذة"، أصبحت المسرات وافرة وسريعة.
ثم هناك الجوانب الاجتماعية. لقد عرفنا أصدقاء رائعين كثرا بفضل الأرض الزراعية، أشخاص لم نكن لنعرفهم أبدا في دوائرنا المعتادة. على جانب واحد، يوجد زوجان، فرنسي وبرتغالية، يعملان في أحد أرقى المطاعم في بلجرافيا "من المضحك أنهما يستضيفان حفلات الشواء". على الجانب الآخر امرأة بولندية تزرع أجمل زهور الفاونيا التي رأيتها على الإطلاق وتعطينا دائما عدة عناقيد، فضلا عن سقي أرضي عندما أكون في عطلة. من بين الآخرين القريبين أشخاص كانوا هناك منذ عقود ونسوا عن زراعة الخضراوات أكثر مما سأعرفه، والمهنيين الشباب والعائلات.
وما الثمن الذي يمكن للمرء أن يضعه على تحسين الصحة النفسية؟ بعد يوم طويل في الصحافة، لا يوجد شيء أفضل من قضاء نصف ساعة في إزالة الأعشاب الضارة أو الري أو مجرد أعمال خفيفة. لا أخفق أبدا في العودة إلى المنزل بمزاج أفضل. لقد أصبح هذا شيئا طبيا حتى. تقدم أحد أصحاب الأراضي القريبين مني بطلب لامتلاك أرض للزراعة بناء على نصيحة طبيبه بعد جراحة الدماغ.
لذا من المستبعد جدا أن أصبح قطب البروكلي الأرجواني أو بارون السلق الأحمر. وبالجنيه والبنس سأعمل دائما بخسارة. لكن عندما أتراجع خطوة إلى الوراء وأجري تدقيقا، فإن اقتصادات أرضي الزراعية منطقية تماما، ولا أعجز أبدا عن تحقيق ربح.