ديون الأسر .. كارثة خفية تتربص بنا

ديون الأسر .. كارثة خفية تتربص بنا

قد يكون المقترضون من الرهن العقاري تنفسوا الصعداء هذا الأسبوع حيث بدا أن أسعار الفائدة وصلت إلى ذروتها. لكن إذا نظرنا إلى ما هو أبعد من العناوين الرئيسة، فسنجد أن مشكلة الديون الأكثر خطورة والأصعب حلا تتربص بنا.
وأنا أتحدث عن الرقم القياسي الذي يبلغ نحو 22 مليار جنيه استرليني الذي يقدر أن الأسر البريطانية مدينة به على شكل فواتير أساسية غير مدفوعة، بما في ذلك المنافع، وضريبة المجلس، إضافة إلى المزايا والمدفوعات الزائدة على الائتمان الضريبي - وهي قنبلة موقوتة تدعي منظمة سيتيزنز أدفايس أن صناع السياسات لا يستمعون إليها.
قفزة بنسبة 34 في المائة عن مستويات الديون قبل الجائحة، هكذا تحاول دراسة جديدة بعنوان "العد التنازلي لكارثة ديون الأسر" تظهر الحجم الحقيقي لهذه المشكلة الخفية.
وعلى نحو لا يصدق، فإن الهيئات التنظيمية الحكومية التابعة للمرافق العامة لا تجمع أو تنشر بيانات شاملة عن هذا النوع من الديون، على عكس متأخرات الرهن العقاري وبطاقات الائتمان. لكن هذا الرقم البالغ 22 مليار جنيه استرليني يطغى على قيمة أرصدة الرهن العقاري المستحقة مع المتأخرات والبالغة 16.9 مليار جنيه استرليني.
تقول منظمة سيتيزنز أدفايس إنه قد تم الوصول إلى نقطة تحول قاتمة. لقد أصبح عدم القدرة على دفع فواتير الأسرة هو الدافع الأكبر للأشخاص الذين يلجأون إلى المؤسسات الخيرية للحصول على المساعدة، وحل هذه الديون أكثر إشكالية.
بادئ ذي بدء، لا يملك 50 في المائة من الأشخاص الذين يطلبون المشورة أي طريقة لسداد هذه الديون. لن يغطي دخلك، المعروف بأنه "ميزانية سلبية"، مصاريفك الأساسية. كل شهر، تغرق في مزيد من الديون.
وحقيقة أن الإيجارات ترتفع الآن بأسرع معدل منذ بدء التسجيل هي عامل رئيس (تقدر منظمة سيتيزنز أدفايس بشكل منفصل أن مستحقات الإيجار قد تتجاوز الآن 900 مليون جنيه استرليني). وقد أدى هذا بدوره إلى ارتفاع مثير للقلق في معدلات التشرد، كما ذكرت زميلتي في صحيفة فاينانشال تايمز جينيفر ويليامز هذا الأسبوع، وهي مشكلة يعد حلها أكثر تكلفة على المجتمع.
ومع تغير طبيعة مشكلة الديون، تساعد الجمعيات الخيرية الخاصة بالديون مزيدا من الأشخاص على العمل بدوام كامل، ومزيدا من الأشخاص الذين لديهم قروض عقارية.
يعد تقسيط الائتمان مشكلة أخرى سريعة النمو حيث يتخلف مزيد من الناس عن سداد المدفوعات الأساسية.
ترغب البنوك فقط في إقراض الأموال لأولئك الذين يشكلون أقل خطر ائتماني. تخبرني الجمعيات الخيرية أن واحدا من كل خمسة أشخاص يكافح من أجل الاقتراض من أحد المقرضين الرئيسين لأن تاريخ ديونهم يضر بدرجتهم الائتمانية.
سيكون هذا إرثا دائما لأزمة تكلفة المعيشة - حيث يستغرق الأمر ستة أعوام حتى تختفي أي علامات سوداء. وحتى إذا تمكن المقترضون الحاصلون على درجات أقل من الكمال من الحصول على الائتمان، فسيدفعون أكثر من المبلغ الأصلي بكثير.
إذن ما الحلول؟ لنبدأ بما يمكن أن يفعله القطاع المالي لتقديم خدمة أفضل للعملاء الذين يستبعدهم عبر دعم نمو مؤسسات تمويل تنمية المجتمع.
إذا لم تكن قد سمعت عن مؤسسات تمويل تنمية المجتمع، فإن هؤلاء المقرضين ذوي الأغراض الاجتماعية يقومون بعمل رائع ومهم، حيث يقدمون قروضا بأسعار معقولة للأشخاص الذين يعانون ضعف الائتمان والشركات الصغيرة بأسعار أقل بكثير مما يمكنهم الحصول عليها بطريقة أخرى. توجد مشكلة واحدة فقط. إنهم صغار الحجم!
ومن أجل توسيع نطاق ودعم مزيد من العملاء الذين ترفضهم البنوك الكبرى، تحتاج مؤسسات تمويل تنمية المجتمع إلى الدعم المالي. في الولايات المتحدة، تجبر البنوك الكبرى على دعم المقرضين المجتمعيين، لكن ليست الحالة كذلك في المملكة المتحدة.
سالاد موني مؤسسة تمويل تنمية مجتمع تقدم قروضا ميسرة للعاملين الرئيسين (ثلث المقترضين منها يعملون في هيئة الخدمات الصحية الوطنية). مصطلح "ميسرة" نسبي - حيث تتقاضى معدل فائدة سنوي يبلغ 79 في المائة لإقراض ألف جنيه استرليني على مدى 18 شهرا. لكن في عالم ائتمان الرهن العقاري معدوم الملاءة، يعد هذا رخيصا جدا.
تتجنب مؤسسة سالاد درجات الائتمان، وبدلا من ذلك تستخدم الخدمات المصرفية المفتوحة للاطلاع على تفاصيل الحسابات المصرفية لمقدمي الطلبات. وتقول إن هذا يوفر صورة أدق عن كيفية إدارة شؤونهم المالية، وما يمكنهم تحمله بشكل واقعي، ما يقلل من خطر التخلف عن السداد.
ومع ذلك، أخبرني الرئيس التنفيذي تيم روني هذا الأسبوع أنه رغم حصوله على التمويل من بنك شوبروك وبرنامج الأصول الخاملة التابع للحكومة، إلا أنه لا يمكنه إقناع المستثمرين المؤسسيين في المملكة المتحدة بالانضمام إلى المشروع على نطاق واسع (يخشى أن يكون السبب هو "وصمة شركة ونجا").
وبدلا من ذلك، حصلت مؤسسة سالاد على تسهيلات إقراض بقيمة 40 مليون جنيه استرليني من صندوق أمريكي لدعم التوسع. ومع ذلك، يعتقد روني أنه يمكن أن يخفض معدل الفائدة السنوي على قروض العملاء بما يصل إلى عشر نقاط مئوية إذا تمكنت مؤسسة سالاد من تأمين التمويل من المستثمرين المقيمين في المملكة المتحدة بأسعار تجارية.
وبالعودة إلى الخطاب الذي ألقاه وزير المالية في مانشين هاوس حول إطلاق العنان لإمكانات الاستثمار، فبوسعنا أن نعد مؤسسات تمويل تنمية المجتمع كشركات بريطانية مستعدة للتوسع في استخدام التكنولوجيا بشكل أفضل لخدمة السوق الاستهلاكية المزدهرة.
ومن الواضح أن هناك غرضا اجتماعيا هنا أيضا. لكن إذا انضمت البنوك إلى هذه المبادرة (كما فعلت في الولايات المتحدة)، فإن هذا قد يشكل أيضا استثمارا مثمرا طويل الأجل بالنسبة إليها.
إن معظم عملاء مؤسسة سالاد هم أصلا عملاء للبنوك الرئيسة، لكن لا يمكنهم الحصول على القروض، أو السحب على المكشوف أو بطاقات الائتمان منها. سيؤدي قبولك للحصول على قرض وسداده بنجاح من مؤسسة تمويل تنمية المجتمع إلى تحسين درجة الائتمان الخاصة بها.
وتحرص مؤسسة سالاد على العمل مع البنوك الكبرى ومشاركة البيانات "بموافقة العملاء" لإقناع المقرضين الرئيسين بأن الأشخاص الذين يخضعون لعملية "إعادة التأهيل الائتماني" يستحقون فرصة ثانية.
ويمكن للبنوك الكبرى أن تقوم بعمل أفضل بكثير في رفع مستوى الوعي وتوجيه مؤسسات تمويل تنمية المجتمع عندما ترفض العملاء ذوي الدرجات الضعيفة.
وحتى إذا رفضت مؤسسات تمويل تنمية المجتمع مقدمي الطلبات للحصول على القروض، فإنها ستحاول مساعدتهم بطرق أخرى، وذلك باستخدام أدوات فحص المزايا لتحديد عشرات الملايين من الجنيهات الاسترلينية من المساعدة التي لم يكن الأشخاص يعرفون أن لهم الحق فيها.
والشكر لبنك نات ويست الذي مول منح المشقة غير القابلة للسداد بقيمة 100 جنيه استرليني لعشرات الآلاف من الأشخاص الذين لم يستوفوا متطلبات القدرة على تحمل التكاليف للحصول على قرض مؤسسات تمويل تنمية المجتمع.
أما بالنسبة إلى الحكومة، فإن إنهاء "فخ الديون" الضريبية للمجلس حيث يصبح الناس مسؤولين عن دفع فواتيرهم السنوية بالكامل بعد عدم سداد دفعة شهر واحد هو أمر قامت المؤسسات الخيرية بحملات منذ فترة طويلة من أجله.
إن وضع سقف لمبلغ المزايا التي يمكن تخصيصها لسداد الديون الحكومية أو المتأخرات على فواتير الخدمات العامة من شأنه أن يساعد كثيرين في "الميزانيات السلبية".
يتعين علينا أن نصلح قواعد الإعسار لإزالة التكاليف الأولية المترتبة على الإفلاس "والتي تكلف 680 جنيها استرلينيا" أو الموافقة على أمر تخفيف عبء الديون "90 جنيها استرلينيا".
تخبرني الجمعيات الخيرية أن استحالة دفع هذه الرسوم تدفع الناس إلى البحث عن حلول أكثر خطورة للديون عبر الإنترنت، حيث هناك حاجة ماسة إلى تنظيم أكثر صرامة لحماية المستهلكين.
ودعونا لا ننسى شركات الطاقة. فبموجب نموذج التمويل الحالي للحصول على المشورة المجانية بشأن الديون، لا يتعين عليها المساهمة بفلس واحد - رغم أن ديون الطاقة تمثل مصدرا ضخما ومتزايدا للإحالات.
إن مشكلات الديون الأقل شهرة هذه لا تولد كثيرا من التغطية الإعلامية مثل ارتفاع أسعار الفائدة على القروض العقارية - لكن الأمر متروك لكم، قراء "فاينانشال تايمز". إذا كان بإمكانكم فعل شيء ما - أي شيء! - لرفع مستوى الوعي بهذه المشكلات الخفية مع عضو البرلمان الذي يمثلكم أو اللاعبين الأقوياء في مجال عملكم، فإن الملايين من الأشخاص الذين يكافحون سيكونون مدينين لكم إلى الأبد.

الأكثر قراءة