رياح معاكسة تعوق المعادلة الاقتصادية والمالية

رياح معاكسة تعوق المعادلة الاقتصادية والمالية

"أعلم أن الأمر معقد". كان هذا رد رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد على سؤال حول توقعات السياسة في وقت سابق من هذا الشهر. لاجارد ليست رئيس البنك المركزي الوحيدة الذي يشير إلى الطريق المعقد الذي ينتظرها حيث تشرع مؤسساتها في "المرحلة الأخيرة" من المعركة ضد التضخم المرتفع.
في مؤتمر جاكسون هول لمحافظي البنوك المركزية الشهر الماضي، اختتم رئيس الاحتياطي الفيدرالي جاي باول خطابه بالقول: "إننا نسترشد بالنجوم تحت سماء غائمة". والأربعاء، كرر ست مرات ضرورة "المضي قدما بحذر".
إن التحدي الذي يواجه البنك المركزي الأوروبي والاحتياطي الفيدرالي يتجاوز الضباب الاقتصادي الذي على أساسه يجب تصميم وتنفيذ سياساتهما.
إن النجوم التي توجه محافظي البنوك المركزية تتحرك نفسها في اتجاهات لا يمكن التنبؤ بها. إنها جزء من مجموعة أكبر من التحديات التي تواجه عملية صنع السياسات المحلية التي أطلت برأسها القبيح على مدى الأعوام الـ15 الماضية ـ رياح معاكسة فاقمها ضعف النمو وتفكك الاقتصاد العالمي.
إن هذه التعقيدات، إلى جانب الارتفاع الأخير في أسعار النفط، ثنت البنك المركزي الأوروبي عن قطع دورة رفع أسعار الفائدة في 14 سبتمبر. لقد أعاقت الاحتياطي الفيدرالي عن الإشارة إلى نهاية دورة رفع أسعار الفائدة في اجتماع السياسة النقدية هذا الأسبوع، ما أدى إلى تعميق إدراك الأسواق بأن هذه المعدلات المرتفعة ستظل معنا فترة أطول. وهو الإدراك نفسه الذي حدث في المملكة المتحدة، حيث لم يتمكن بنك إنجلترا إلا من حشد أغلبية 4 إلى 5 من واضعي السياسات لمصلحة تعليق أسعار الفائدة مؤقتا.
مع الأسف لبنوكنا المركزية. فبعد أن اضطرت للدخول في دورة شديدة التركيز من رفع أسعار الفائدة بعد إساءة وصف التضخم بأنه "مؤقت"، أصبحت غير متأكدة من حجم التأثير "الطويل والمتغير" الذي خلفته السياسات النقدية الأكثر تشددا في الاقتصاد بالفعل.
لقد تلاشت ثقتهم في التوقعات التي كانت بعيدة كل البعد عن الواقع بشكل دائم. وواجه التنظيم والإشراف المصرفي صعوبات كما يتضح من الاضطرابات المالية التي حدثت في وقت سابق من هذا العام. ولا يمكن لأي بنك مركزي كبير حتى الآن التعامل مع التأثيرات التراكمية الناجمة عن رفع أسعار الفائدة على القطاعات غير المصرفية التي تعاني مستويات ديون مرتفعة مثل العقارات التجارية.
إن " المرحلة الأخيرة" من رحلة التضخم هذه هي الأكثر صعوبة، التي تزداد صعوبة بسبب الافتقار إلى الإجماع بين خبراء الاقتصاد على التوقعات التي توجه السياسة النقدية عادة. حيث يختلفون حول مستوى سعر الفائدة المحايد، وهو المستوى الذي لا تكون فيه السياسة النقدية ميسرة أو مقيدة. هناك عدد متزايد من الاقتصاديين على استعداد للتساؤل عما إذا كان معدل 2 في المائة يظل هدف التضخم الصحيح في عالم يمر بكثير من التغيرات الهيكلية. ثم هناك "إطار السياسة النقدية" للاحتياطي الفيدرالي، الذي يحتاج إلى تحديث عاجل، رغم أن عمره لا يتجاوز ثلاثة أعوام.
تشكل السيولة في السياسة النقدية جزءا من تحد أكبر يواجه كثيرا من البلدان. وهي ظاهرة قمت أنا ورئيس وزراء المملكة المتحدة السابق، جوردون براون، ومايكل سبنس الحائز جائزة نوبل، وريد ليدو بتحليلها في كتاب جديد بعنوان الأزمة الدائمة.
في خضم عمليات الإغلاق الناجمة عن فيروس كورونا في 2020، ناقشنا بانتظام على تطبيق "زووم" الأزمات التي تبدو كأنها لا تنتهي أبدا، التي تعيق قدرة الاقتصادات على تحقيق ذلك الوعد الجوهري بحياة أفضل. ومع تباطؤ الإنتاجية، وانعدام المساواة الضار، وأزمات تكاليف المعيشة، وتغير المناخ، والإضرابات العمالية، وفشل تنسيق السياسات العالمية، أصبحت هذه المداولات أكثر إلحاحا. وظلت كلمة تظهر في مناقشاتنا لوصف هذه الأحداث الكارثية، وانعدام الأمن الذي شعرنا به، وعدم الاستقرار من حولنا: الأزمة الدائمة. لقد درسنا الأسباب والعواقب. لكن أكثر من ذلك، وجدنا الأمل في الوعد وإمكانية التغلب عليها.
تكمن في قلب الضائقة الاقتصادية والمالية التي يعانيها العالم الأساليب المنكسرة في التعامل مع النمو، والإدارة الاقتصادية والحوكمة.
ومجتمعة، تؤدي هذه العوامل إلى سلسلة من الأزمات. رغم أن هذه الأساليب معطلة، إلا أن هناك أملا في إصلاحها.
في الكتاب، نتناول بالتفصيل التدابير التي يمكنها بل يجب أن تغير المعادلة الاقتصادية والمالية.
وبوسعنا أن نتجاوز مرحلة ضعف الإنتاجية والنمو العالميين عن طريق تسخير الابتكارات العلمية والتكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي وتوجيه السياسات نحو إصلاح القيود على العرض. يمكننا تحسين الإدارة الاقتصادية عن طريق معالجة أخطاء التحليل الضعيف، والتواصل، والتنسيق والتصميم. وبينما تستسلم الليبرالية الجديدة للقومية الجديدة، وتستسلم العولمة المفرطة للانقسام، لا يزال هناك وقت للتصرف قبل أن ينشأ اضطراب عالمي جديد متصلب.
الأساليب المتجددة في التعامل مع النمو، والإدارة الاقتصادية والنظام العالمي لن تقودنا إلى بعيد إذا تطرقنا لكل واحدة منها على حدة. لكن إذا عملنا معا على جبهات العواصف الثلاثة هذه، فسنكون قادرين على النظر عبر السحب، ومع اتضاح وجهة النجوم الثابتة، سننجو من هذه الأزمة الدائمة.

الكاتب رئيس كلية كوينز، كامبريدج، ومستشار لبنكي أليانز وجراميرسي

الأكثر قراءة