الذكاء الاصطناعي وإنتاجية البنوك .. فرط تفاؤل أم تشاؤم؟

الذكاء الاصطناعي وإنتاجية البنوك .. فرط تفاؤل أم تشاؤم؟

في أواخر 2017، قال جون كريان، الرئيس التنفيذي لدويتشه بنك في ذلك الوقت، إن الروبوتات ستحل محل نحو نصف قوته العاملة البالغ عددها 98 ألف موظف خلال إطار زمني غير محدد.
وبعد أسابيع، تنبأ فيكرام بانديت، الرئيس التنفيذي السابق لسيتي جروب، بأن 30 في المائة من الوظائف المصرفية العالمية قد تزول بسبب الذكاء الاصطناعي والروبوتات في غضون خمسة أعوام.
وقد ثبت أن كلا التوقعين مفرطان في التفاؤل، أو مفرطان في التشاؤم، اعتمادا على وجهة نظرك، حيث انخفض عدد موظفي دويتشه بنك بنسبة 10 في المائة فقط منذ توقعات كريان، وهذا له علاقة بالخفض الروتيني للتكاليف أكثر منه بسبب ثورة الذكاء الاصطناعي.
على الرغم من صعوبة الحصول على الأرقام المتعلقة بالتوظيف المالي العالمي، إلا أن أرقام التوظيف في صناعة الأوراق المالية في نيويورك، مثلا، ارتفعت 8 في المائة تقريبا بين 2017 و2022.
مع ذلك، ما زالت الآمال في التأثير النهائي للذكاء الاصطناعي عالية، وإن كانت ترتكز على التطبيقات العملية التي تركز على مكاسب الإنتاجية أكثر من حالات الاستخدام السابقة الأكثر جاذبية - مثل روبوت الصراف الآلي بيبر التابع لبنك إتش إس بي سي، الذي تم إيقاف تشغيله بهدوء في 2019 تقريبا.
يقول بيرند ليوكرت، كبير مسؤولي التكنولوجيا والبيانات والابتكار في دويتشه بنك: "إنها الفرصة الأكثر عمقا لصناعتنا ولدويتشه بنك لتعزيز الكفاءة ودفع الأتمتة (...)، فضلا عن تجربة مشاركة أفضل بكثير للعملاء. من الواضح أننا طموحون ونضع هذا في مقدمة وفي مركز استراتيجيتنا".
وعلى نحو مماثل، فإن بنك إتش إس بي سي متحمس لذلك، على الرغم من وفاة روبوته المحبوب. يقول جون هينشو، مدير العمليات في البنك العملاق: "لقد عملت في عديد من الصناعات المختلفة - في مجال الطيران، والاتصالات، والتكنولوجيا - وأعتقد في الواقع أن الخدمات المالية هي الأنسب لاستخدام الذكاء الاصطناعي"، ويجادل بأن الذكاء الاصطناعي في وضع جيد للجمع بين جبال "التكنولوجيا القديمة" التي تمتلكها معظم البنوك، وتسخير الأكوام الضخمة من بياناتها.
كما أنه يعارض فكرة أن الطبيعة المنظمة للخدمات المالية تشكل "حاجزا" أمام استخدام الذكاء الاصطناعي، ويصر بدلا من ذلك على أنها يمكن أن تساعد على إنجاز الالتزامات التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بالجرائم المالية.
يقول مايك أبوت، الذي يرأس الممارسات المصرفية العالمية لشركة أكسنتشر الذي تحدث إلى عشرات المصارف حول مبادراتهم في الذكاء الاصطناعي، إن البنوك في "الجولة الأولى" من رحلتها، لكن قدرة النموذج اللغوي الكبير تنمو "بمعدل 10 (أضعاف) في العام". وهذا يعني مكاسب محتملة كبيرة لأولئك الذين يختارون التحرك بسرعة.
يقول: إن معظم التأثير الآن يدور حول "المخاطر والامتثال والمؤسسات"، حيث أصبحت المؤسسة مصطلحا شاملا للموارد البشرية والوظائف القانونية وغيرها من وظائف دعم الشركات.
تقول كيري سميث، رئيس الخدمات المصرفية العالمية للذكاء الاصطناعي في شركة أكسنتشر، إن عملائنا يستخدمون أيضا الذكاء الاصطناعي كأداة لاكتساب الزبائن، حيث يمكن للبنوك تقديم الخدمات "بطريقة أكثر تخصيصا للفرد" من خلال تصميم العروض الترويجية بناء على ملفات تعريف العملاء التي تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي.
بيتر دوجاس، الذي يرأس الاستخبارات التنظيمية في مجموعة كابكو الاستشارية، "متحمس للغاية بشأن قدرته على (استخدام الذكاء الاصطناعي) لتحليل آلاف التغييرات في القوانين واللوائح على أساس عالمي".
يصف كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل كتب القواعد والتشريعات والتوجيه التنظيمي والإنفاذ، وتحديد ما هو مناسب للمؤسسة.
قامت شركة كابكو بالفعل ببناء أداة يمكنها التعرف على نحو 75 في المائة من السجلات التي يمكن للإنسان التعرف عليها. وأجرت محادثات مع العملاء حول نشر النموذج لاستخدامه في عمليات التغيير التنظيمي.
يقول ليوكرت: إن مهندسي البرمجيات في دويتشه بنك يستخدمون الذكاء الاصطناعي لكتابة الشيفرة البرمجية بشكل أفضل وأسرع. ومع قيام ما بين ثمانية إلى عشرة آلاف مهندس بكتابة الشيفرات البرمجية كل يوم، يأمل البنك في زيادة الإنتاجية بنسبة "من خانتين" عندما يقيس تأثير المبادرة في العام الأول، وذلك في نهاية 2023.
يقوم البنك الألماني أيضا بتجربة الذكاء الاصطناعي للتعامل مع استفسارات الموظفين حول تكنولوجيا المعلومات والموارد البشرية، ويأمل كنتيجة لذلك في استخدام التكنولوجيا نفسها في بعض التفاعلات مع العملاء، المرهونة بالموافقة التنظيمية.
في مجال الخدمات المصرفية الاستثمارية، يستخدم دويتشه بنك الذكاء الاصطناعي لتعزيز نماذج مخاطر الائتمان للنظر في مجموعة أوسع من العوامل غير المالية، خاصة المتعلقة بالمناخ. حيث يقول ليوكرت: "إنها أداة لدعم القرار، وليست أداة لاتخاذ القرار"، على الرغم من أن بإمكانه أن يتخيل استخدام النماذج المحسنة بالذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الائتمانية الآلية، بشرط الحصول على الموافقات.
يقول هينشو: إن بنك إتش إس بي سي يستخدم حاليا الذكاء الاصطناعي في أداة لمكافحة غسل الأموال طورها مع جوجل والمتاحة الآن لقطاع الخدمات المالية الأوسع، وكذلك للتنبؤ بموعد نفاد النقد من أجهزة الصراف الآلي القديمة وإجراء مراجعات منتظمة للمخاطر لنحو 400 ألف قرض مصرفي تجاري في المملكة المتحدة.
إن المدير التنفيذي السابق لشركة إتش بي متفائل بشأن الحوسبة الكمومية التي ستؤدي إلى "تغيير جذري" في كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي، وإمكانية تحقيق مكاسب أكبر مع قوى عاملة من الجيل التالي ستكون "أكثر استعدادا لتبني الذكاء الاصطناعي".
ثم هناك احتمال للمقر الجديد لبنك إتش إس بي سي في لندن، الذي يأمل هينشو أن يتم تعزيزه باستخدام الذكاء الاصطناعي.
يتوقع مستقبلا، أن يدخل العمال إلى المبنى - إذا أعطوا الموافقة - دون تصاريح مرور أمنية. يقول: "إن (الذكاء الاصطناعي) يتعرف على وجهك، ويعرف الطابق الذي تعمل فيه (...) ويعرف ما طلبته في الأيام القليلة الماضية لتناول الإفطار ويعيد طلبه لك".
يمكن للذكاء الاصطناعي أيضا تحديد قاعات المؤتمرات الأكثر ملاءمة للاجتماعات وجدولتها تلقائيا.
ويضيف: "إن هذا (التبني للذكاء الاصطناعي) لا يتعلق بالقضاء على الوظائف، بل يتعلق (...) بالقيام بالمزيد بالعدد نفسه من الأشخاص، والحصول على مكان أكثر متعة للعمل بعدة طرق".

الأكثر قراءة