الاحتفال البريطاني سابق لأوانه .. توقف ماراثون الفائدة استراحة مؤقتة للحكم على النتائج المرجوة

الاحتفال البريطاني سابق لأوانه .. توقف ماراثون الفائدة استراحة مؤقتة للحكم على النتائج المرجوة
الاحتفال البريطاني سابق لأوانه .. توقف ماراثون الفائدة استراحة مؤقتة للحكم على النتائج المرجوة
الاحتفال البريطاني سابق لأوانه .. توقف ماراثون الفائدة استراحة مؤقتة للحكم على النتائج المرجوة

أثار قرار بنك إنجلترا في اجتماعه الأخير بعدم زيادة أسعار الفائدة، موجة من الارتياح الملحوظ في المجتمع البريطاني. فبعد أشهر طوال من الأنين بسبب الارتفاع المستمر في معدلات الفائدة، بدأت بريطانيا تلتقط أنفاسها من هذا الماراثون الضاغط على الأداء الاقتصادي والمتواصل منذ عامين تقريبا.
في الواقع فإن العامين الماضيين شهدا وضعا اقتصاديا يحمل في طياته خليطا من الأخبار المتناقضة بشأن تأثير رفع الفائدة في النشاط الاقتصادي في البلاد، فالمؤشرات المتاحة كانت تكشف أن الزيادة في أسعار الفائدة نجحت في إبطاء معدلات التضخم، فبعد أن تجاوزت 10 في المائة في الربع الأخير من العام الماضي تراجعت إلى 6.7 في المائة حاليا.
وأدت الزيادة المستمرة في أسعار الفائدة التي بلغت 14 زيادة منذ أواخر عام 2021 إلى تقليص كل من الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري في آن، وإذا كانت أنباء تراجع معدلات التضخم أنباء طيبة وبلا شك خاصة للطبقات الفقيرة والمتوسطة، فإن الفائدة المرتفعة أدت إلى زيادة معدلات البطالة وترافق ذلك مع تراجع في الناتج المحلي الإجمالي.
ربما كان لهذا المزيج الاقتصادي دور في قرار بنك إنجلترا الأخير بعدم مواصلة سباق الرفع المتواصل لأسعار الفائدة، على أمل أن يلتقط قطاع الأعمال والمستهلكون أنفاسهم اللاهثة، لكن القرار اتخذ بنسبة خمسة أصوات إلى أربعة ما يكشف أنه لا توجد قناعة قوية لدى المسؤولين في البنك بأن الوقت قد حان بعد لوضع حد نهائي للزيادة المستمرة في أسعار الفائدة، فالقرار الحالي ليس أكثر من قرار مؤقت لا يتجاوز استراحة بسيطة سيواصل بعدها البنك مجددا سياسته برفع الفائدة للحد من التضخم، بما يعنيه ذلك من أن الألم الذي يعانيه ملايين المقترضين في المملكة المتحدة سواء أفرادا أو شركات سيتواصل، لكن في وقت آخر.
يبلغ معدل الفائدة الراهن في المملكة المتحدة 5.25 في المائة، وبحلول نهاية العام الجاري ستنفد مدخرات أكثر من مليون أسرة أي 4 في المائة من جميع الأسر في المملكة المتحدة، والسبب الرئيس في ذلك ارتفاع أقساط الرهن العقاري، ما رفع النسبة الإجمالية للأسر المعسرة إلى ما يقرب من 30 في المائة أي نحو 7.8 مليون شخص، بينما تشير التقديرات الحكومية إلى أن 1.6 مليون شخص سيكون عليهم العام المقبل سداد أقساط رهن عقاري أكبر بكثير مما كانوا يدفعونه في الماضي، ومن المتوقع أن يمحى 0.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة نتيجة ارتفاع أقساط الرهن العقاري، وستتكلف جميع الأسر التي لديها قروض عقارية ما مجموعه 12 مليار جنيه استرليني سنويا نتيجة الارتفاعات التي حدثت سابقا في أسعار الفائدة.
يعتقد الدكتور مايك هانت أستاذ المالية العامة في جامعة لندن أن السبب الرئيس لقرار بنك إنجلترا بعدم رفع أسعار الفائدة أنه كان في حاجة إلى وقفة يستطيع من خلالها أن يحكم بشكل دقيق ما إذا كان الدواء يحقق النتيجة المرجوة أم لا، مشيرا إلى أن المرحب الأكبر بالقرار سيكون قطاع الأعمال البريطاني.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن توقف بنك إنجلترا عن رفع أسعار الفائدة مثل طوق نجاة لقطاع الأعمال خاصة الشركات الصغيرة التي تعاني بشدة منذ الخروج من الاتحاد الأوروبي، حيث عانت ماليا منذ ذلك الحين نتيجة تقلص هوامش الربح والاحتياطيات النقدية، وفي الآونة الأخيرة كان قطاع الأعمال الصغيرة في المملكة المتحدة بدأ يفقد الثقة بقدرته على تحقيق النمو".
لكن توم فيليب المحلل العقاري يرى أن الدافع الرئيس لبنك إنجلترا لاتخاذ قرار عدم رفع أسعار الفائدة يعود إلى الخشية من انهيار الرهن العقاري في المملكة المتحدة بسبب النمو المرعب في المتأخرات للمقترضين غير القادرين على سداد المدفوعات.
ويؤكد لـ"الاقتصادية" أنه وفقا لبيانات بنك إنجلترا فإن القيمة الإجمالية لأرصدة الرهن العقاري التي عليها بعض المتأخرات ارتفعت إلى نحو 17 مليار جنيه استرليني بزيادة 29 في المائة عن العام الماضي وهي الأعلى منذ عام 2016، فالتضخم والبطالة أديا إلى الضغط على الدخل المتاح للأسر.
يتفق المجتمع البريطاني أو على الأقل الأغلبية العظمى منه على أن التضخم هو مشكلة المشكلات التي تواجه الاقتصاد حاليا، لكن بخلاف هذا الاتفاق فالخلاف واضح بين الخبراء حول الأسباب التي أوصلت بريطانيا إلى هذا الوضع.
عدد متزايد من الخبراء يرى أن ما يحدث من اضطراب اقتصادي يكشف أن بريطانيا غير قادرة على التعامل بعد مع عواقب خروجها من الاتحاد الأوروبي، وأن كثيرا من المؤشرات تظهر بشكل جلي أن البلاد غير مهيأة للتعامل مع العواقب الاقتصادية المؤلمة لقرارها، إلى الحد الذي دفعها إلى تأجيل فحوصات الصحة والسلامة على الواردات الغذائية من الاتحاد الأوروبي خمس مرات في الأعوام الثلاثة الأخيرة، خشية أن تؤدي الضوابط الإضافية إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية، واضطراب في سلاسل الإمداد بما يعنيه ذلك من عدم توافر السلع في الأسواق.
يحمل مارتن جافري رجل الأعمال عضو اتحاد رجال الأعمال البريطانيين مسؤولية ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويقول لـ"الاقتصادية"، "إن الخروج من عضوية النادي الأوروبي أحدث احتكاكا في العلاقة التجارية مع الشريك التجاري الأكبر والأكثر أهمية للمملكة المتحدة وأعني الاتحاد الأوروبي، وتراجعت قيمة الاسترليني، ما جعل الواردات أكثر تكلفة".
تتعزز وجهة النظر تلك بدراسة حديثة أصدرتها كلية لندن للاقتصاد توصلت إلى أن الخروج من الاتحاد الأوروبي يعد المسؤول عن نحو ثلث الارتفاع الحادث في أسعار المواد الغذائية في المملكة المتحدة منذ عام 2019، خاصة أن 28 في المائة من المواد الغذائية المستهلكة في المملكة المتحدة تأتي من الاتحاد الأوروبي.
لكن وجهة النظر تلك تبدو مبالغا فيها من وجهة نظر الدكتورة فيكتوريا تشارلز أستاذة الاقتصاد البريطاني في جامعة جلاسكو، وترى أنه يصعب إلقاء اللوم على عامل واحد في الوضع الاقتصادي الهش الذي تمر به بريطانيا.
وتقول لـ"الاقتصادية"، "لا شك أن الخروج من الاتحاد الأوروبي مسؤول عن جزء من الارتفاعات الراهنة في أسعار السلع خاصة المواد الغذائية، لكن أيضا جائحة كورونا واضطراب سلاسل الإمداد العالمية التي لم تستقر بعد، والحرب الروسية - الأوكرانية إضافة إلى مجموعة من القرارات الاقتصادية المتسرعة من قبل الحكومة، كل هذا فاقم الوضع المضطرب".
يحق للبريطانيين أن يبتهجوا من قرار بنك إنجلترا بعدم زيادة أسعار الفائدة، لكنه ابتهاج مشوب بالحذر وسط مخاوف بأن يكون الاحتفال سابقا لأوانه، فمن المبكر القول إن بريطانيا نجحت في هزيمة التضخم، ولربما يكون بنك إنجلترا قد قرر اتباع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، على أمل أن يلتقط الاقتصاد الوطني أنفاسه لبدء دورة جديدة من رفع أسعار الفائدة لاحقا. على أي حال الأمر برمته سيتوقف على قوة الاقتصاد البريطاني، وإلى أي مدى سيستفيد قطاع الأعمال والمستهلكون من الاستراحة الراهنة، وهو ما سيتضح خلال فترة وجيزة من الزمن.

الأكثر قراءة