إيجارات المساكن تفاقم ظاهرة التشرد .. منازل بلا سقف
عندما هدد مأمورو المحكمة بتغيير أقفالها فجأة، كان أول ما فكرت فيه اليزابيث هو الاتصال بمالك المنزل طلبا للمساعدة.
لكن اتضح أن المالك لم يدفع رهنه العقاري، لذلك تم طرد الأم العزباء لثلاثة أطفال ووضعها في سكن مؤقت من قبل المجلس المحلي في أولدهام، خارج مانشستر مباشرة.
وقالت الأم البالغة من العمر 49 عاما: إن "من المرهق" عدم وجود منزل دائم، مضيفة أنه رغم أن السكن المؤقت كان موبوءا بالذباب والروائح الكريهة، إلا أنه "أفضل من العيش في الشوارع".
بدأت قصة اليزابيث تصبح شائعة بشكل متزايد، حيث يصطدم افتقار المملكة المتحدة إلى الإسكان الميسور التكلفة مع الطلب المتزايد، وتكاليف المعيشة المرتفعة والهوامش الأكثر تشددا التي يواجهها أصحاب العقارات.
وصلت الإيجارات في البلد إلى أعلى مستوياتها منذ أن بدأ مكتب الإحصاءات الوطنية في تسجيلها عام 2016، بعد أعوام من ركود بناء المنازل والطلب المتزايد.
وقد تركت هذه الزيادة المناطق التي لم تكن تعاني مشكلة كبيرة في التشرد تواجه فجأة أعدادا متزايدة من الأشخاص الذين ليس لديهم مكان للعيش فيه.
لقد كانت أولدهام مكانا ميسور التكلفة نسبيا للإيجار على مر التاريخ، لكن معدل التشرد فيها يبلغ الآن ضعف المتوسط الوطني تقريبا، مع زيادة بنسبة 80 في المائة على أساس سنوي بين يناير وأبريل، وارتفاع مشابه في عدد الأطفال الذين يعيشون في مساكن الطوارئ.
وقالت ياسمين بصران، مديرة السياسات والشؤون العامة في جمعية التشرد الخيرية كرايسيس: "لسوء الحظ، فإن الاتجاهات ليست مفاجئة وتعكس أن أزمة الإسكان الشاملة أثرت في جميع أنحاء البلد، خاصة الأماكن التي لا ينظر إليها تقليديا بهذه الطريقة"، مضيفة أن النقص المزمن في السكن الاجتماعي أدى إلى إزالة شبكة أمان بالغة الأهمية.
وتكشف أحدث إحصائيات التشرد الصادرة عن الحكومة عن الأعداد المتزايدة في النهاية الحادة للأزمة، وارتفع عدد الأطفال الذين يعيشون في مساكن مؤقتة بنسبة 10 في المائة على أساس سنوي في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.
وقال الخبراء: إن النقص في المساكن في بريطانيا هو أساس الأزمة.
وقال بين بيدل، الرئيس التنفيذي للجمعية الوطنية لأصحاب العقارات السكنية: "إنها مشكلة كبيرة". وأضاف أن الحل هو "معالجة النقص في المنازل".
وقد تفاقم النقص في المساكن المعدة للتأجير بسبب التحديات التي تواجه أصحاب العقارات، الذين تضرروا من ارتفاع أسعار الفائدة وارتفاع تكاليف الرهن العقاري خلال العام الماضي، ما جعل استثمارات الشراء بهدف التأجير أقل جاذبية.
وقالت بصران من جمعية كرايسيس: "عادة، يبحث الأشخاص المشردون أو المعرضون لخطر التشرد عن بعض المساكن ذات الأسعار المعقولة في قطاع التأجير الخاص. لكننا نشهد مزيدا من المنافسة في هذا الصدد، لأن دخول الناس تتعرض للضغط – وأصحاب العقارات ينظرون إلى الخيارات المتاحة أمامهم ويكافحون، لأكون صريحة".
وخلص تقرير صادر عن شركة سافيلز للاستشارات العقارية في وقت سابق من هذا العام إلى أن صافي أرباح المستثمرين في قطاع الإيجار الخاص قد انخفض إلى أدنى مستوياته منذ عام 2007، مدفوعا بارتفاع أسعار الفائدة والتغيرات الضريبية.
وقال بيدل: إن عددا متزايدا من أصحاب العقارات أصبحوا الآن في "وضع سيء" ماليا.
وقال: إنه حتى مع استبعاد ارتفاعات العام في الماضي في أسعار الفائدة على الرهن العقاري "خارج المعادلة"، فإن العوائد كانت "هامشية إلى حد كبير لفترة طويلة من الزمن".
وأضاف أنه رغم عدم وجود أي دلائل حتى الآن على نزوح أصحاب العقارات من السوق، إلا أن هناك روايات متناقلة تقول إن "عدد الأشخاص الذين يبيعون أكثر من عدد المشترين، ويقول عدد أكبر من الناس أنهم سيبيعون أكثر مما سيستثمرون. لقد تحدثت للتو إلى رجل يراوح رهنه العقاري من 800 جنيه استرليني إلى 1500 جنيه استرليني – ولن يتمكن من تمرير زيادة في الإيجار قدرها 700 جنيه استرليني... ولذلك قد يضطر إلى البيع".
تزيد مثل هذه القرارات من إحصائيات الفقر. حيث في الربع الأول من عام 2023، قفز عدد الأسر التي أصبحت مشردة نتيجة لبيع أصحاب العقارات أو زيادة الإيجارات بنسبة 27 في المائة عن العام السابق، وفقا للبيانات الحكومية.
كما أن عمليات الإخلاء من قبل مأموري المحاكم "دون وقوع خطأ" بموجب المادة 21 من قانون الإسكان، التي تم عبرها طرد المستأجرين مثل اليزابيث قسرا رغم عدم خرقهم لإيجاراتهم، ارتفعت أيضا بنسبة 41 في المائة خلال الفترة نفسها.
تم حظر عمليات الإخلاء خلال جائحة فيروس كورونا، لكن منذ عام 2021 بدأت المحاكم في إنجلترا وويلز تدريجيا في تصفية الطلبات المتراكمة.
بالنسبة للعائلات التي لم تعد قادرة على دفع إيجار المنازل بشكل كامل، تتدخل السلطات المحلية لتوفير مساكن مؤقتة لهم، التي تكون في بعض الأحيان ذات نوعية رديئة للغاية.
قالت الدكتورة لورا نيلسون، الرئيسة التنفيذية للمؤسسة الخيرية للتشرد في مانشستر الكبرى شيرد هيلث فاونديشين، إن السلطات المحلية تتجنب في كثير من الأحيان وضع معايير صارمة للغاية على الإسكان المؤقت، في حال أدى ذلك إلى "بيع كثير من أصحاب العقارات لعقاراتهم".
ويقول الخبراء: إن تجميد بدل الإسكان المحلي عام 2016، وهو البرنامج الذي يهدف إلى منح إعانات للأسر الفقيرة التي تعيش في قطاع الإيجار الخاص لكي تتمكن من دفع إيجاراتها، قد أدى إلى تفاقم المشكلة.
ووجد تحليل أجراه معهد الدراسات المالية، باستخدام بيانات من وكالة العقارات على الإنترنت زوبلا، أنه عبر بريطانيا، يمكن تغطية 5 في المائة فقط من الإيجارات الخاصة المعلن عنها في الربع الأول من عام 2023 باستخدام بدل الإسكان المحلي.
وفي مانشستر، أدى الطلب المزدهر على الإسكان إلى تجاوز الإيجارات معدلات بدل الإسكان المحلي، ما أدى إلى تعرضها لأزمة تشرد عائلية حادة لعدة أعوام. وارتفع متوسط إيجار منزل مكون من ثلاث غرف نوم في المدينة بنسبة 13 في المائة بين عامي 2022 و2023، وفقا لمكتب الإحصاءات الوطني، بينما ارتفعت معدلات التشرد بسبب ارتفاع الإيجارات أو مبيعات الملاك بنسبة 500 في المائة على أساس سنوي في الربع الأول من هذا العام.
قالت لويز إيموت، من وكالة كينجسدين العقارية في وسط المدينة، إنه منذ الجائحة، أدى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يعيشون في مانشستر ويتنقلون بشكل دوري إلى لندن إلى زيادة الطلب. وقالت: إن "النقص الكبير في العرض في سكن الطلاب" يزيد من الضغوط.
وفي أولدهام، قالت اليزابيث إنه رغم الرائحة الكريهة في مسكنها المؤقت، إلا أنها وأطفالها "أغلقوا النوافذ لمدة أسبوعين" لمحاولة التخلص من الذباب الكثير الذي ظل يظهر. وقالت: "لم نكن نعرف من أين يأتي".
واكتشفت في النهاية أن المرحاض كان مسدودا لأسابيع قبل أن ينتقلوا إليه.
واعتذرت أروج شاه، زعيمة مجلس أولدهام، عن المشكلات التي كانت تواجهها اليزابيث.
وقالت: "إننا نشهد ارتفاعا مقلقا حقا في عدد عائلات أولدهام التي تحتاج إلى سكن مؤقت"، مع تزايد الأرقام "أكثر من الضعف في الأعوام الثلاثة الماضية".
وعزت شاه الزيادة إلى "فشل قطاع التأجير الخاص".
وقالت وزارة التسوية والإسكان والمجتمعات: إنها قدمت ملياري جنيه استرليني إلى المجالس على مدار ثلاث أعوام للمساعدة على مكافحة التشرد.
وقالت: "على المجالس واجب ضمان عدم ترك أي أسرة دون سقف فوق رأسها، ويمكن استخدام التمويل الحكومي لمساعدة الناس للعثور على منزل جديد، أو العمل مع أصحاب العقارات لمنع عمليات الإخلاء، أو دفع تكاليف السكن المؤقت".