معضلة الديون الكبرى «2 من 2»
من اللافت للنظر أن ديون بعض الدول غير مستدامة بطبيعتها. وحتى لو أعفيت هذه الحكومات من ديونها فجأة، فإنها ستظل مفتقرة إلى الموارد اللازمة لتمويل المبادرات البيئية الكبرى. علاوة على ذلك، في غياب خطة متفق عليها لإعادة الهيكلة والقدرة على الوصول إلى موارد إضافية، فستكون الواردات الأساسية اللازمة للإنتاج والاستهلاك مقيدة بشدة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى العجز عن استغلال القدرات بالدرجة الكافية والركود الاقتصادي المحتمل.
تاريخيا، كانت مفاوضات إعادة هيكلة الديون عملية مطولة ومرتجلة، إذ يتعاون صندوق النقد الدولي مع الدول المدينة لتقييم التغييرات الواجب إدخالها على السياسة المحلية وتعديلات الديون.
من ناحية أخرى، يتشاور الدائنون السياديون، الذين يتعاونون من خلال نادي باريس، مع المقرضين من القطاع الخاص ويتخذون القرار بشأن استراتيجية إعادة الهيكلة اللائقة.
لكن مشهد الديون اليوم يفرض تحديات أعظم. ومن أجل التوصل إلى اتفاق لإعادة الهيكلة، يجب أن يكون كل الدائنين خاضعين للقدر ذاته من تقليم الديون، وإلا فإن بعض المقرضين سيحصلون على السداد الكامل في حين يتحمل آخرون عمليات شطب كبيرة، ومن المؤكد أنهم لن يوافقوا على هذا. لكن الصين، التي برزت كدائن رئيس على مدار العقدين الأخيرين، رفضت الانضمام إلى نادي باريس. وبدلا من قبول تقليم الديون المستحقة لها بالقدر ذاته كغيرها من الدائنين، تصر الحكومة الصينية على استرداد الديون المستحقة لها بالكامل، وهذا من شأنه أن يفضي إلى معاملة تفضيلية للصين، فضلا عن تفاقم المصاعب التي تواجهها الدول النامية في خدمة ديونها. وقد أدى الفشل في التوصل إلى اتفاق إلى تأخير عملية إعادة الهيكلة. نتيجة لهذا، تحملت دول مثل سريلانكا وزامبيا تأخيرات غير ضرورية في حل أزمات الديون، حتى بعد التوصل إلى اتفاقات مع صندوق النقد الدولي بشأن إصلاحات السياسات اللازمة. لمنع قدر عظيم من المعاناة التي يمكن تجنبها، يتعين على المجتمع الدولي أن يرسي الأساس لإجراءات تضمن تقاسم الأعباء على نحو عادل وموقوت بين الدائنين.
تؤكد الاضطرابات الاقتصادية الجارية في العالم النامي الحاجة الملحة إلى إنشاء إطار جديد لإعادة هيكلة الديون.
تشير تقديرات أخيرة صادرة عن البنك الدولي إلى أن 60 في المائة أو أكثر من الدول منخفضة الدخل المثقلة بالديون و"المعرضة بشدة لخطر ضائقة الديون". علاوة على ذلك، نجد أن دولا عديدة متوسطة الدخل، مثل مصر والأردن، ولبنان، وباكستان، وتونس، تواجه أيضا تحديات مالية كبيرة، فضلا عن التحديات التي تفرضها الديون. إذا فشلت دول متعددة في الوفاء بالتزامات خدمة الديون، فسيحجم الدائنون عن تمويل دول أخرى مثقلة بالديون، وقد يؤدي هذا إلى إشعال شرارة أزمة ديون عالمية. مثل هذا السيناريو من شأنه أن يخلف عواقب مدمرة على الاقتصادات المنخفضة ومتوسطة الدخل والاقتصاد العالمي كله. لكن من خلال تبسيط عملية إعادة الهيكلة والتعجيل بتنفيذها، يصبح بوسعنا تجنب زيادة الأوضاع سوءا على سوء.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.