خيوط المستقبل
قبل الميلاد بنحو 2700 عام، أمر الإمبراطور الأصفر الصيني زوجته لي زو بمحاولة معرفة سبب تلف أشجار التوت الخاصة به، لتكتشف أن السبب وجود ديدان تتغذى على أوراق التوت وتقوم بغزل شرانق لامعة وبالمصادفة عندما سقطت إحدى الشرانق في ماء ساخن، وبينما هي تلعب بالشرانق في الماء لاحظت خيطا رفيعا ينفصل عن الشرنقة، ومن هنا كانت بداية اكتشاف خيوط الحرير.
تتميز هذه الخيوط بالمتانة، إذ تفوق قوتها شعيرة من الفولاذ لها القطر نفسه والمرونة العالية، والملابس الحريرية خفيفة الوزن جدا، دافئة ذات بريق لذا شاع استخدامه في صناعة الملابس النسائية والمفروشات والستائر، ويتم إنتاج الحرير من قبل عديد من الحشرات والفراشات والعناكب.
منذ اكتشاف الحرير وهو يثير دهشتنا بمعجزاته وتحوله من مجرد خيط تنتجه حشرة إلى سبب في ربط العالم تجاريا وحضاريا وتسمية ذلك الطريق الذي يشق العالم من أقصى الشرق إلى الغرب "طريق الحرير"، واليوم يعود خيط الحرير إلى السطح ويواصل إدهاشنا. إنها مادة مستدامة، يمكن مشاهدتها تتحلل لحظيا في كأس من الماء أو جعلها ثابتة لأعوام، كما أنها صالحة للأكل، قابلة للزرع في الجسم البشري دون أن تسبب أي ردود فعل مناعية. هي في الواقع تندمج مع الجسم.
تخيلوا معي أن هذه المادة العظيمة مكونة من البروتين والماء فقط، وباستخدام الهندسة المعكوسة تمكن العلماء من صناعة أشياء لا تخطر لك على بال من هاتين المادتين، إذ اكتشفوا أن تلك البروتينات ذكية تشبه في عملها الخلايا الجذعية تتشكل كيفما وجهتها لتمكننا من صناعة مواد تلتصق بالجسم البشري دون أن تضره، فقد استخدم الحرير قديما كخيوط جراحية خاصة للبشرة والعيون أو إنتاج مواد استهلاكية صديقة للبيئة مثل كوب شاي يذوب بمجرد أن تنتهي من استخدامه وصواميل وتروس تعمل حتى في الماء.
كما يمكن استخدام ذلك النسيج السائل في صناعة شيء أقوى مثل تعويض الأوعية الدموية أو العظام أو إنتاج قطع إلكترونية تطوى وتلف، وكوسيلة لنقل الأدوية أو يمكنكم وضع الأدوية في محفظة نقودكم بدل الثلاجة. فقد صنع الباحثون بطاقة حرير ببنسيلين داخلها. وقاموا بحفظ البنسلين في 60 درجة مئوية، لمدة شهرين دون أن يفقد البنسلين فاعليته. وتبين بعض الدراسات العلمية، أن الجروح المغطاة بطبقة حرير تلتئم سبعة أيام أسرع من الجروح المغطاة بمواد تقليدية. وذكر أنه يمكن بسهولة إنتاج وتعقيم الغشاء الحريري كضماد للجلد، كما أنه يعزز تصنيع الكولاجين ويقلل التورم وآثار الجروح.