هذه بنوك لا سوبر ماركت مصرفي

هذه بنوك لا سوبر ماركت مصرفي

في أوائل فبراير، نشر فرع الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس مدونة تحذر من أن أسعار الفائدة المرتفعة قد تؤدي إلى "تعقيد" الأوضاع المالية للبنوك.
كان هذا المنشور متبصرا بقدر ما كان متفائلا. وقال المشرفون في الاحتياطي الفيدرالي إن أسعار الفائدة المرتفعة أوجدت "تحديات وفرصا للبنوك" على حد سواء. وأشاروا إلى ضرورة تحليل البنوك للوضع بعناية، لكنهم قالوا أيضا إن هناك عدة خطوات يمكن أن تتخذها البنوك للتخفيف من حدة أي مشكلة.
بعد أقل من شهر، أفلس بنك وادي السيليكون، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تأثير أسعار الفائدة المرتفعة بشكل حاد، ما أطلق بداية أسوأ فترة من الاضطرابات المصرفية منذ الأزمة المالية الكبرى. تبعه بنك سيجنتشر بسرعة إلى الهاوية. لقد انخفضت قيمة أسهم عشرات البنوك، ما أثار تساؤلات حول قدرتها على البقاء أيضا. وفي أوروبا، اشترى بنك يو بي إس بنك كريدي سويس الذي طالت معاناته في صفقة مدعومة من الحكومة أنقذت منافسه من الانهيار.
أدت الإجراءات الطارئة التي اتخذها الاحتياطي الفيدرالي، ومليارات الدولارات من صندوق تأمين الودائع الفيدرالي، وعشرات المليارات من القروض من بنوك قروض الإسكان الفيدرالية المدعومة من الحكومة، إلى تهدئة الأزمة. ويبدو أن قلة من البنوك، إن وجدت، معرضة لخطر الإفلاس الآن. لكن رغم مرور الأزمة، فإن التحدي المتمثل في أسعار الفائدة المرتفعة، كما حذر الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس في مايو، لم ينته بعد.
بشرت أسعار الفائدة المرتفعة بتغيير في الصناعة المصرفية. فقد أدى الاقتصاد المتباطئ والتدقيق المتزايد من قبل الجهات التنظيمية في أعقاب حالات إفلاس البنوك الأخيرة إلى الحد بشكل كبير من حجم الإقراض الذي يمكن للبنوك القيام به بأسعار فائدة مرتفعة.
وتشهد البنوك آثار أسعار الفائدة المرتفعة على المقترضين، خاصة أولئك في العقارات التجارية. كما أن حالات التخلف عن سداد قروض الشركات، التي تحمل عموما أسعار فائدة معدومة - ما يعني أنها تتكيف تلقائيا مع أسعار السوق، وليس فقط عندما يقوم المقترض بإعادة التمويل - آخذة في الارتفاع أيضا.
وحذر البنك المركزي الأوروبي في مايو من أن المقرضين الأوروبيين، مثل بنك وادي السيليكون والبنوك الأمريكية الأخرى التي واجهت مشكلات، سيشهدون انخفاضا في قيمة أصولهم بشكل أسرع، في المتوسط، من قيمة ديونهم - وهو سيناريو سيئ بشكل خاص بالنسبة إلى البنك إذا استمرت أسعار الفائدة في الارتفاع. أما بالنسبة إلى البنك المتوسط، فقد خلص البنك المركزي، إلى أن الانخفاض في القيمة الدفترية يمكن تدبر أمره بنسبة 4 في المائة. لكن البنك المركزي الأوروبي وجد أيضا أن الضرر الناجم عن أسعار الفائدة المرتفعة سيكون كبيرا بالقدر الكافي لإجبار تلك البنوك على اتخاذ خطوات لتخفيف الضرر.
وبالفعل، يبدو أن عددا من المؤسسات، بما في ذلك سيتي جروب وجولدمان ساكس، تتخلى عن فكرة أن أفضل نموذج للبنك العالمي هو تقديم جميع الخدمات للجميع - نموذج السوبر ماركت للخدمات المصرفية - وهو الأمر الذي بدا وكأنه لا جدل فيه في المجال المصرفي قبل عقد من الزمان فحسب.
يقول جريج هيرتريش، رئيس استراتيجية الودائع في بنك نومورا: "عليك أن تنظر إلى كل شركة من نشأتها، وليس من طورها الأخير في هذه المرحلة. قبل 25 عاما، كان الجميع يريدون أن يكونوا متجرا شاملا، وقد تغير ذلك".
وكان الأثر الأكبر لأسعار الفائدة المرتفعة، على الأقل حتى الآن، في النتائج النهائية للبنوك. فخلال معظم العقد الماضي، كانت البنوك واحدة من أكبر المستفيدين من أسعار الفائدة المنخفضة، وبشكل أساسي - على الأقل بالنسبة إليها - الأموال المجانية.
ومع اقتراب أسعار الفائدة من الصفر، لم يكن لدى المودعين مكان آخر يذهبون إليه بأموال لا يريدون المخاطرة بها في السوق. وكنتيجة لذلك، كان على العملاء أن يقبلوا - واعتادوا في النهاية - على عدم تلقي أي فائدة على حساباتهم. وقد أدى ظهور الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، إلى جانب أجهزة الصراف الآلي ورسوم الحسابات الأخرى، إلى جعل جذب العملاء وودائعهم أكثر ربحية بالنسبة إلى البنوك.
بدأ ذلك يتغير في أوائل 2022، عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة لإبطاء التضخم المتزايد بوتيرة سريعة. وفي الربع الأول من العام الماضي، كان لدى البنك الأمريكي المتوسط معدل تمويل سنوي يعادل - أي مقدار ما تم دفعه على شكل فائدة مقارنة بإجمالي أصوله - 0.15 في المائة. وقفز معدل التمويل هذا نحو 12 ضعفا إلى ما يقل قليلا عن 2 في المائة في الأشهر الـ18 الماضية، مدفوعا في الغالب بارتفاع تكاليف الودائع، مع تقديم بعض البنوك أسعار فائدة على الحسابات في نطاق 5 في المائة. ويشهد دخل الإقراض ارتفاعا أيضا، لكن ليس بهذه السرعة.
وفي الربع الثاني من 2023، شهد البنك المتوسط ارتفاعا في دخله من الفوائد بنسبة 8 في المائة فقط عن الربع السابق. لكن مصاريف الفوائد قفزت 27 في المائة.
يقول هيرتريش: "المشكلة هي أن تكاليف التمويل قد ارتفعت وأن قيمة أصولك، وقروضك واستثماراتك في السندات أصبحت ذات قيمة أقل. أعتقد أنهم سيستخدمون كل وسيلة ممكنة".
وقد بدأت بعض البنوك بالفعل التراجع عن الخدمات المصرفية الاستهلاكية، أو حتى الخروج منها.
لقد تحدث برايان موينيهان، الرئيس التنفيذي لبنك أوف أميركا، منذ فترة طويلة عن أهمية فروع البنوك. لكن حتى بنك أوف أمريكا يقوم بتقليص فروعه في وقت أصبحت فيه تكلفة جلب الودائع الجديدة، والاحتفاظ بالودائع التي لديك، أكبر بكثير مما كانت عليه منذ فترة. في العام الماضي، انخفض عدد فروع بنك أوف أمريكا إلى 3900 فرع، بانخفاض 7 في المائة عن العام السابق. وهذه هي المرة الأولى التي يمتلك فيها البنك أقل من أربعة آلاف فرع منذ وقت قصير بعد اندماجه مع نيشينز بنك في أواخر التسعينيات.
وقبل عام واحد فقط، كان بنك جولدمان ساكس يستثمر بكثافة في الخدمات المصرفية الاستهلاكية في المملكة المتحدة، في محاولة لكسب العملاء لبنك ماركوس الناشئ عبر الإنترنت. وفي هذه الأيام، يبدو أنه فقد اهتمامه ببنك ماركوس والخدمات المصرفية الاستهلاكية بشكل عام، سواء في المملكة المتحدة أو في الوطن في الولايات المتحدة. وفي أواخر العام الماضي، توقف بنك جولدمان عن تقديم القروض الاستهلاكية من خلال بنك ماركوس وألغى خططا لإنشاء حساب جار. لقد أطلق أخيرا حساب توفير بفائدة عالية، يدفع في البداية 4.5 في المائة سنويا، لكن في شراكة مع شركة أبل وتحت العلامة التجارية للشركة المصنعة لهواتف أيفون، وليس بنك ماركوس.
يقول إيمانويل دوزمان، الرئيس العالمي للخدمات المصرفية في شركة مازارز للمحاسبة والاستشارات، ليس أمام البنوك إلا هذا القدر من الخيارات. ويشير إلى أن كثيرا من المقرضين التزموا بقروض طويلة الأجل عندما كانت أسعار الفائدة لا تزال منخفضة، ما سيؤثر بشكل كبير في الأرباح.
ويقول إنه قد يكون هناك اهتمام متجدد بإقراض الشركات الصغيرة، وكذلك الإقراض العقاري، حيث ارتفعت أسعار الفائدة. لكن هذا من شأنه أن يعرض البنوك لخطر عدم سداد القروض ذات الفائدة المرتفعة الممنوحة الآن إذا تدهور الاقتصاد.
ويشير دوزمان إلى أنه "لا توجد إجابة في المدى القصير". والطريقة الوحيدة أمام البنوك للتعامل مع انخفاض دخل الإقراض هي خفض التكاليف حتى تنتعش الربحية. وفي الأسبوع الماضي، أعلن ترويست، أحد أكبر البنوك في الولايات المتحدة، عن جولة جديدة من التخفيضات التي يقول إنها ستوفر 750 مليون دولار من النفقات سنويا.

الأكثر قراءة