حصن "أبل" المنيع في الصين في مرمى الحجر

حصن "أبل" المنيع في الصين في مرمى الحجر

في مارس، كان تيم كوك من بين الدفعة الأولى من المديرين التنفيذيين الأجانب الذين هبطوا في بكين للتودد إلى مسؤولين رفيعي المستوى بعد رفع قيود حقبة الجائحة، حيث أشاد رئيس شركة أبل بكيفية نمو الشركة والصين معا في "علاقة تكافلية".
بعد ستة أشهر، تتعرض هذه العلاقة لضغوط. تواجه "أبل" ضغوطا تنافسية جديدة في دولة ليست أكبر مركز تصنيع لها فقط، بل أكبر سوق دولية لها أيضا، حيث كانت مسؤولة عما يقارب 20 في المائة من مبيعات ربعها الأخير.
خفضت عمليات بيع الأسهم كثيفة 200 مليار دولار تقريبا من القيمة السوقية لـ"أبل" هذا الشهر بعد أنباء عن فرض وكالات حكومية كثيرة حظرا على استخدام منتجات "أبل" في الدوائر الحكومية والشركات المملوكة للدولة. نفت وزارة الخارجية الأسبوع الماضي أي حظر رسمي، لكنها ألمحت إلى "حوادث أمنية" متعلقة بهاتف آيفون وطلبت من صانعي الهواتف الذكية الامتثال للقانون.
رد متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض بأن الولايات المتحدة "تراقب بقلق"، مضيفا أن الإجراءات التي اتخذتها الصين تتماشى مع الانتقام من شركات أمريكية أخرى مع تصاعد التوترات بين القوتين العظميين. امتنعت "أبل" عن التعليق.
حتى الآن، احتفظت الشركة بمكانة مرموقة في الصين، وتجنبت مصير عمالقة التكنولوجيا الأمريكيين الآخرين، من ضمنهم "جوجل" و"ميتا" و"تويتر" و"ميكرون"، التي شهدت تقييد استخدام منتجاتها أو حظرها تماما.
تم الإشادة بكوك، الرئيس التنفيذي منذ 2011، بصفته "مهندس" تحول إنتاج "أبل" إلى الصين بعد أن عينه ستيف جوبز في الأصل في 1998 لإدارة العمليات في جميع أنحاء العالم.
تحت قيادة كوك، سمحت أعوام من الاستثمار والتسويق ودبلوماسية الشركة الحذرة لـ"أبل" بتنظيم قوة تصنيع مع تحقيق أرباح في الصين أكثر من أي شركة أخرى، غربية أو صينية.
قال بول تريولو، الشريك المساعد في مجموعة أولبرايت ستونبريدج الاستشارية: "استثمرت الشركة كثيرا في علاقاتها مع كل من الحكومات المركزية والبلدية، ولا سيما في تشنجتشو"، حيث دخلت في شراكة مع فوكسكون وأوجدت مئات الآلاف من فرص العمل. وأضاف أن "أبل" كانت "حذرة للغاية" في الالتزام باللوائح المحلية، وإزالة التطبيقات الحساسة سياسيا.
إلى جانب المخاوف بشأن القيود المحتملة على منتجات "أبل"، ظهر تهديد تنافسي جديد مع الإطلاق غير المتوقع لهاتف "هواوي" الذكي الجديد في الصين نهاية أغسطس. بيع هاتف ميت 60 برو بالكامل فورا في موجة وطنية من الحماس، حيث كشف خبراء التفكيك أنه كان يعمل على رقائق صينية متقدمة داخله. شلت العقوبات الأمريكية المفروضة على "هواوي" في السابق إمكانات أجهزتها الذكية ومكنت "أبل" من السيطرة على مبيعات الهواتف الذكية المتطورة في الصين.
انخفضت أسهم "أبل" أكثر بعد الإطلاق الذي لم يكن كاسحا جدا الأسبوع الماضي لسلسلة آيفون 15، لكن خبراء في الصناعة قالوا إن الانخفاضات الأخيرة في الأسهم بسبب الأحداث في الصين كانت مبالغا فيها.
قال جين مونستر، الشريك الإداري في شركة ديب ووتر لإدارة الأصول، إن "أسوأ الحالات" هي أن يؤدي الحظر الحكومي إلى تخفيض مبيعات آيفون العالمية 2 في المائة والإيرادات الإجمالية 1 في المائة في 2024.
ذكرت "فاينانشيال تايمز" سابقا أن القيود المفروضة على استخدام موظفين حكوميين لأجهزة "أبل" تعود بالفعل إلى عدة أعوام.
قال تريولو: "ستتردد بكين كثيرا في اتخاذ إجراءات أخرى تضعف مكانة أبل في الصين، لأن هذا سيكون له تأثير سلبي جدا في مناخ الأعمال".
أضاف أن العلاقة بين "أبل" والصين كانت "مربحة لكلا الطرفين". رفعت "أبل" مستوى معايير الإنتاج وعملياته للمصنعين الصينيين فيما تحمي ملكيتها الفكرية بتنويع سلسلتها للتوريد لضمان ألا يتمكن مورد واحد من نسخ منتجاتها.
أشار ثلاثة موظفين سابقين في "أبل" من ذوي الخبرة في الصين إلى أنه من غير المرجح أن تشعر الشركة بالقلق، وأشاروا إلى أن بكين تبدو منهمكة في بعض إجراءات الثأر، واحدة بواحدة، لمواجهة سياسات الولايات المتحدة المتشددة المناهضة للصين.
قال أحدهم: "هذه الطلقة التحذيرية لم تكن موجهة لشركة أبل حقيقة. بل لحكومة الولايات المتحدة. الصين تستعرض عضلاتها".
كما أن عدم إصدار الصين أي توجيه علني ضد "أبل" يتناقض مع موقفها الصريح عندما حظرت شركة ميكرون الأمريكية لصناعة رقائق الذاكرة من البنية التحتية الرئيسة في مايو، قائلة إنها تشكل "مخاطر خطيرة على أمن الشبكة".
مع هذا، يواجه كوك "عملا حساسا لتحقيق التوازن" لتنويع مزيد من الإنتاج خارج الصين مع الحفاظ على علاقات وثيقة مع بكين، كما قال مسؤول تنفيذي سابق في شركة فوكسكون، الشركة التايوانية التي تجمع الجزء الأكبر من أجهزة آيفون من "أبل" في الصين.
لدى "أبل" 14 ألف موظف مباشر في الصين، لكن خبراء يقدرون أنها تدعم أكثر من 1.5 مليون وظيفة في الدولة. تحت ضغط التوترات بين الولايات المتحدة والصين، بدأت "أبل" في تحويل أجزاء من إنتاجها إلى فيتنام والهند.
في ظل هذه الخلفية، قال خبراء إن بكين ستحرص على دعم البدائل المحلية لـ"أبل" مثل "هواوي" - التي كانت صانعة أعلى الهواتف مبيعا في العالم فترة وجيزة قبل أن تمنعها العقوبات الأمريكية من الاستفادة من مكونات أجنبية معينة، ما أجبرها على وقف مبيعات هواتفها الذكية التي تدعم شبكات الجيل الخامس.
مبيعات الشركة التي تتخذ من شنجن مقرا لها في الصين مدعومة الآن بتصور المستهلكين لمكانتها بأنها "بطل وطني"، لكن حتى جهاز ميت برو الأفضل في فئته لا يزال متخلفا عن آيفون في الجوانب التقنية.
قال إيفان لام، المحلل في كاونتربوينت ريسيرتش في هونج كونج: "قدمت هواوي شيئا متخلفا بجيل. سيلعبون لعبة اللحاق بالركب فترة طويلة"، وأضاف أن "أبل" تشكل 80 في المائة من سوق الهواتف التي يزيد سعرها عن 800 دولار.
"سيكون تحديا كبيرا على هواوي أن تحول تلك النسبة مجددا إلى 50:50، أو حتى غير ممكن".

الأكثر قراءة