هل نفد حظ أوروبا بعد تذبذب اليورو الأخير؟
إن استجابة اليورو للارتفاع الأخير في أسعار الفائدة هذا الأسبوع تخبرنا بالكثير عن الكيفية التي ينظر بها المستثمرون إلى العالم.
رفع البنك المركزي الأوروبي، الذي يركز على التضخم، الخميس الماضي، أسعار الفائدة على الودائع بمقدار ربع نقطة مئوية إلى 4 في المائة - وهي أعلى معدل للعملة المشتركة.
وفقا لحسابات دويتشه بنك، فإن هذه الدورة من ارتفاع أسعار الفائدة تبرز بمعايير تاريخية أطول حتى. كتب جيم ريد وزملاؤه في البنك: "إذا عدت إلى ما قبل تشكيل البنك المركزي الأوروبي ونظرت إلى حلقات التشديد السابقة من البنك المركزي الألماني، فقد شدد الآن في غضون 15 شهرا القدر نفسه الذي شدده البنك المركزي الألماني منذ بداية بياناتنا في 1948". تبدو تلك الأيام المقلوبة من أسعار الفائدة السلبية وكأنها عصر آخر.
من الناحية النظرية، فإن هذا من شأنه أن يعزز اليورو. ففي نهاية المطاف، لا تحب العملات شيئا أكثر من أسعار الفائدة الأعلى كقاعدة عامة، وكان القرار بمنزلة مفاجأة إلى حد ما - فقبل يومين فقط من ذلك، كان ينظر إليه على أنه بمنزلة قرعة عبر عملة معدنية بين الاحتفاظ بسعر الفائدة كما هو أو رفعه.
ولكن، مستحيل. انخفضت العملة 0.8 في المائة مقابل الدولار في ذلك اليوم، ما جعلها تزيد قليلا على 1.06 دولار - وهو أدنى مستوى لها في ثلاثة أشهر. كان أحد أسوأ الأيام بالنسبة إلى العملة المشتركة طوال العام، حيث شهدت خمسة أيام سابقة فقط في 2023 انخفاضات أكبر، وتمتد سلسلة خسائر اليورو الآن إلى تسعة أسابيع متتالية. التذكيرات في المؤتمر الصحافي الذي أعقب الاجتماع من كريستين لاجارد رئيسة البنك المركزي الأوروبي بأنها لا تزال على استعداد لرفع أسعار الفائدة بشكل أكبر لم تكن كافية لتغيير المسار.
قال باس فان جيفن، كبير الخبراء الاستراتيجيين في الاقتصاد الكلي في بنك رابوبنك، في مذكرة للعملاء: "ليس من مصلحة العامة أن يقوم بنك مركزي بتشديد السياسة فقط ليرى عملته تنخفض مباشرة بعد القرار".
وصف بول دونوفان، كبير الاقتصاديين في صندوق يو بي إس لإدارة الثروات، ارتفاع أسعار الفائدة بأنه "عبء". حيث قال: "بما أن معظم محركات التضخم الحالية في منطقة اليورو ليست حساسة لأسعار الفائدة، فإن تأثير هذا الارتفاع في أسعار الفائدة على التضخم أمر مشكوك فيه. لقد حاولت لاجارد اتخاذ موقف متشدد في المؤتمر الصحافي، لكن الأسواق تجاهلت لهجتها."
يستمر تحسين التوقعات بشكل مستمر. إذ يصر بعض المشاركين بشكل مباشر في قرارات سياسة البنك المركزي الأوروبي على أن رفع أسعار الفائدة مرة أخرى قبل نهاية العام لا يزال احتمالا واردا - وهو احتمال يأخذه بعض مراقبي السوق بمن فيهم فان جيفن من رابوبنك على محمل الجد.
ولكن على نطاق واسع، يعتقد قليلون حقا أن البنك المركزي سيرفع أسعار الفائدة أكثر من ذلك، خاصة في وقت يشعر اقتصاد المنطقة بالضغوط الناجمة عن السياسة الأكثر صرامة والتي تم إقرارها حتى الآن ومن تأثير ضعف الطلب الصيني على التصنيع الألماني. ومن الواضح أن موظفي البنك المركزي خفضوا توقعاتهم للنمو في منطقة اليورو بشكل كبير، حيث توقعوا نمو 0.7 في المائة لهذا العام، من 0.9 في المائة سابقا، وخفضوا نصف نقطة مئوية عن توقعات العام المقبل، إلى 1 في المائة.
حذرت كاثرين نيس، كبيرة الاقتصاديين الأوروبيين في شركة بي جي أي إم فيكسد إنكوم، من أن "الرفع قد يقلب الميزان". وأضافت: "إنه يخاطر بإثارة تباطؤ اقتصادي سريع وتضخم أقل من الهدف في المدى المتوسط".
في المجمل، إن هذه ليست وصفة عظيمة للمراهنين على ارتفاع اليورو، إذا تبقى أي منهم بالفعل. يقول البنك الفرنسي بي إن بي باريبا إنه لا يزال يحب استخدام اليورو بوصفه ما يسمى بالممول - وهو شيء تبيعه لتمويل رهانات أكثر فائدة وذات عائد أعلى في أماكن أخرى.
هذا وصف عبثي يطلق بشكل عام على العملة فقط إذا كانت أسعار الفائدة الخاصة بها عالقة عند الصفر أو بالقرب منه، أو حتى تحته (أهلا بالين الياباني). وانطباق هذا المصطلح على عملة مدعومة بأعلى أسعار الفائدة في التاريخ يؤكد حقا كيف أدت نهاية حقبة التضخم المنخفض إلى قلب آليات السوق.
يؤكد تعثر اليورو الأخير أيضا على نقطة أخرى أوسع، وهي الفجوة متزايدة الاتساع بين تصورات المستثمرين للولايات المتحدة وتصورات المستثمرين لكل مكان آخر تقريبا. الأهم من ذلك أن ضعف اليورو ليس واضحا مقابل العملات الأخرى. فهو ثابت مقابل الجنيه الاسترليني أو الين منذ مايو. بدلا من ذلك، فهو يعاني بشكل خاص مقابل الدولار، الذي يستمر في الارتفاع. فقد ارتفع مؤشر دي إكس وأي الذي يتتبع قيمته مقابل سلة من العملات الأخرى أكثر من 5 في المائة منذ يوليو، في حين أن البيانات الاقتصادية الأمريكية الوردية تدفع مخاطر الركود إلى المستقبل أكثر من أي وقت مضى.
يشكل التذبذب الأخير لليورو أيضا إشارة كبيرة أخرى إلى أن المستثمرين يعتقدون أن حظ أوروبا قد نفد. فمن الواضح أن المرونة المذهلة التي يتمتع بها اقتصاد منطقة اليورو والتي دعمت العملة وجعلت أسهم المنطقة اختيارا مثيرا بشكل غير عادي في بداية هذا العام تتلاشى بشكل واضح.
قال كيت جوكس، وهو خبير استراتيجي في الاقتصاد الكلي في بنك سوسيتيه جنرال في لندن: "لا تتعلق أسواق العملة أبدا بالسياسة النقدية فحسب، حتى عندما تكون أسعار الفائدة عادة المحرك الأكبر لأسعار الصرف في المدى القصير إلى المتوسط". ولكن انخفاض اليورو نتيجة لتوقعات البنك المركزي الأوروبي المنخفضة للنمو هو أمر تنبغي مراقبته. وأضاف: "يمكن أن يتم تداول اليورو بسهولة دون 1.05 دولار إذا لم نحصل على أي مفاجآت إيجابية من بيانات الاقتصاد الحقيقي في أوروبا قريبا". إن انتظارك تلك المفاجآت الإيجابية يبدو استراتيجية محفوفة بالمخاطر.