"إنستاكارت" .. نقطة تحول الواقع المالي

"إنستاكارت" .. نقطة تحول الواقع المالي

مر ما يقارب عامين منذ بلغت تقييمات أسهم شركات التكنولوجيا الخاصة ذروتها، الأمر الذي ألقى بالشركات الناشئة في وادي السيليكون إلى عالم سفلي مثير للفضول.
في غياب سوق نشطة لأسهمهم، لم يرغب سوى عدد قليل منهم في الاعتراف بمدى انخفاض التقييمات - وبالتأكيد ليسوا المستثمرين الذين وصلوا متأخرين إلى طفرة السوق الخاصة الطويلة، الذين لم يقيم كثير منهم حيازاتهم وفقا لما يقارب قيمتها السوقية الحالية.
طالما أن الشركات المعنية لا تجمع جولات جديدة من التمويل - وعديد منها لا تحتاج إلى ذلك، بفضل غمرة الأموال النقدية التي سبقت تحول السوق - فإن هذا الوضع من الممكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى.
تحتاج الشركات الخاصة التي تصدر خيارات أسهم جديدة لموظفيها إلى إجراء تقييمات رسمية على فترات منتظمة، وإلقاء بعض الضوء على الوضع الحقيقي، ولكن هذه الإجراءات الداخلية لا تجبر المستثمرين على إعادة ضبط التقييم.
في هذه الأثناء، بالنسبة إلى جيل من رواد الأعمال الذين نضجوا خلال الطفرة التكنولوجية الأخيرة، فإن فكرة قبول تخفيض حاد في القيمة تعد نقمة. إذا كان العمل يسير على ما يرام وكانت الشركة تحقق جميع أهداف النمو الخاصة بها، فلماذا تضطرها نزوة السوق إلى ما يبدو وكأنه اعتراف بالفشل؟ كما أدى انتعاش أسهم شركات التكنولوجيا العامة هذا العام إلى تغذية الآمال في أن الركود قد يكون مؤقتا - على الرغم من أن عديدا من الشركات ذات النمو المرتفع التي كانت تتمتع في السابق بأعلى التقييمات قد تركت في الخلف.
كل هذا يجعل الاكتتاب العام الأولي لشركة توصيل البقالة إنستاكارت بمنزلة لحظة نفسية مهمة في التكيف الطويل الأمد في وادي السيليكون مع الواقع المالي. شركة إنستاكارت، غير المعروفة خارج الولايات المتحدة، كانت من المشاهير في دوائر الشركات الناشئة، حيث ارتفعت قيمتها إلى 39 مليار دولار في أوائل 2021.
لا تزال هيئة المحلفين غير متأكدة مما إذا كانت شركات مثل هذه ستحقق أرباحا مستدامة من إرسال الأشخاص للقيام بالتسوق من البقالة نيابة عنك. لكن إنستاكارت وجدت وسيلة مربحة للتنقيب في بيع الإعلانات، ما يشير إلى أن تطبيقات التوصيل التي يمكن أن تجمع جمهورا كبيرا ستكون دائما قادرة على جني الأموال من قدرتها على التأثير في قرارات الشراء لأعداد كبيرة من المستهلكين.
اعتمادا على كيفية تلقي بيع الأسهم في وول ستريت، يمكن أن يكون الاكتتاب العام الأولي لشركة إنستاكارت بمنزلة نقطة تحول في التكيف البطيء في عالم الشركات الناشئة مع الواقع المالي.
منذ أن بلغت تقييمات أسهم النمو ذروتها في نوفمبر 2021، كانت "جولات الهبوط" التي قامت بها الشركات الناشئة البارزة - والتي تنطوي على خفض التقييم - قليلة ومتباعدة. تعد شركات الدفع كلارنا وسترايب من بين الشركات القليلة التي اتخذت هذه الخطوة.
مع "إنستاكارت"، فإن وول ستريت على وشك أن تدعى لاكتتاب عام بأسهم هابطة أقل من جولات التمويل السابقة. عند منتصف النطاق الذي تتوقعه إنستاكارت لأسهمها، فإن أي شخص يشتري أسهما في الاكتتاب العام سيحصل عليها بخصم مذهل بنسبة 78 في المائة على السعر الذي دفعه المستثمرون في جولة التمويل الخاصة الأخيرة للشركة.
لن تقوم أي شركة بإخضاع نفسها عن طيب خاطر لهذا النوع من بيع الأسهم المخفف بشدة ما لم تضطر إلى ذلك، إنستاكارت ليست استثناء. ولديها حاجة ملحة إلى 500 مليون دولار لدفع فاتورة ضريبية مرتبطة بتعويضات أسهم موظفيها، ما عجل بعملية الاكتتاب العام.
الأوقات العصيبة تتطلب اتخاذ تدابير يائسة. بدلا من بيع بعض أسهمهم في الاكتتاب العام الأولي، كما هو متوقع عادة، قال اثنان من أكبر داعمي رأس المال المغامر لشركة إنستاكارت - سيكويا كابيتال ودي 1، اللذان يمتلكان ما يقارب 30 في المائة من الشركة فيما بينهما - إنهما يخططان في الواقع لشراء المزيد. إلى جانب ثلاثة مستثمرين آخرين، يمكنهم شراء نحو ثلثي الأسهم المعروضة للبيع بقيمة 600 مليون دولار (تقوم إنستاكارت أيضا بجمع 175 مليون دولار من خلال طرح خاص منفصل للأسهم لشركة بيبسكو).
إلى جانب احتمالية أن تقطع شوطا طويلا في دعم الطلب في الاكتتاب العام الأولي، فإن استعداد رأس المال المغامر لطرح مزيد من الأموال فيما ينظر إليه عادة على أنه لحظة الخروج يعد بمنزلة تصويت كبير على الثقة. كم عدد الشركات الناشئة الأخرى التي ستكون قادرة على الاعتماد على داعميها في المراحل المبكرة للحصول على هذا النوع من الدعم عندما تأتي لحظة الحقيقة في وول ستريت؟
مما لا شك فيه أن العناوين الرئيسة الأسبوع المقبل ستسلط الضوء بشكل كبير على الانهيار في تقييم إنستاكارت منذ 2021، والألم الذي سيعانيه المستثمرون الذين انضموا متأخرا. ولكن بمجرد أن تجتاز إنستاكارت محنتها القاسية في وول ستريت، فستنسى تلك اللحظة بسرعة.
في إشارة أخرى إلى رضوخ مستثمري التكنولوجيا للواقع، قبلت "سوفت بانك"، المالكة لشركة آرم، أيضا تقييما أقل مما كانت تأمل فيه من أجل إكمال الاكتتاب العام الأولي لشركة تصميم الرقائق هذا الأسبوع - على الرغم من أنها لم تضطر إلى القيام بأي شيء مثل عرض خفض أسعار الأسهم المخطط له من قبل إنستاكارت.
سينظر إلى الاكتتاب العام الأولي لشركة تسليم البقالة على أنه نقطة منخفضة بالنسبة إلى الشركات الناشئة في وادي السيليكون. لكنه سيمثل خطوة مهمة في العودة البطيئة إلى الواقع المالي.

الأكثر قراءة