اقتصاد البيانات يعاني فوضى عارمة

اقتصاد البيانات يعاني فوضى عارمة

قد يندهش بعض السائقين والموظفين عندما يكتشفون ما يكمن مدفونا في سياسة شركة نيسان نورث أمريكا للخصوصية، المكون من 9500 كلمة، الذي يدرج جميع البيانات الشخصية التي قد تجمعها شركة السيارات. تمتد الفئات إلى "العرق، والأصل القومي، والمعتقدات الدينية أو الفلسفية، والموقع الجغرافي الدقيق، وبيانات التشخيص الصحي، والمعلومات الجينية".
تقول "نيسان"، "إنها قد تستخلص أيضا استنتاجات حول الاتجاهات النفسية والسلوكيات والعقليات والذكاء. وقد تشارك بيانات مجهولة الهوية مع موفري خدمات خارجيين غير محددين، فضلا عن استخدامها لأغراضها التسويقية والتشغيلية الخاصة".
إن شركات السيارات في الوقت الحاضر تتباهى بأنها مهتمة بالبرمجيات بقدر اهتمامها بأعمال الأجهزة، حيث تقوم ببناء "أجهزة كمبيوتر على عجلات" مليئة بالكاميرات والميكروفونات وأجهزة الاستشعار. حيث يمكن لهذه البرمجيات تشغيل خدمات مفيدة، مثل وضع خرائط للمسارات، والتحكم في السرعة، والقدرة على بث أغنية "موستانج سالي" أثناء القيادة بسرعة طوال الطريق السريع. لكن تقريرا أصدرته مؤسسة موزيلا هذا الأسبوع حول سياسات الخصوصية لـ25 علامة تجارية للسيارات، وجد أن الصناعة تدير أيضا عمليات بيع جانبية واسعة النطاق للبيانات. وخلص التقرير إلى أن "السيارات الحديثة تمثل كابوسا للخصوصية".
من إشعارات الخصوصية التي لا تتم قراءتها على الإطلاق، إلى ممارسات مشاركة البيانات التي لا يتم شرحها أبدا، إلى اللوائح التنظيمية المجزأة التي نادرا ما يتم تطبيقها، فإن اقتصاد البيانات لدينا يعاني فوضى عارمة. فنحن لا نتوقع قراءة الشروط والأحكام الخاصة بشركة المياه قبل تشغيل الصنبور. لماذا يجب أن يكون الأمر مختلفا مع البيانات؟ يمكننا، بل ويجب علينا، تنظيف الاقتصاد الرقمي. بدأت تظهر الآن بعض الأفكار الرائعة حول كيفية القيام بذلك.
يكشف تقرير موزيلا عديدا من عيوب اقتصاد البيانات، التي تمتد إلى ما هو أبعد من صناعة السيارات. فأحد المبادئ الأساسية التي تتبناها الهيئات التنظيمية والجمعيات الصناعية هو أن الشركات يجب أن تجمع فقط الحد الأدنى من البيانات اللازمة لتشغيل خدماتها. وقد فشلت جميع العلامات التجارية للسيارات الـ25 في هذا الصدد. فقد اشترطت 19 منها أنها قد تبيع البيانات لأطراف ثالثة. وقالت الأغلبية "إنها ستشارك هذه البيانات أيضا مع الحكومة أو وكالات إنفاذ القانون استجابة لطلب منها".
الأسوأ من ذلك، أن معظم شركات السيارات لا تقدم سوى وهم موافقة المستخدم. إذ إن شركة تسلا، التي وجهت إليها "موزيلا" معظم تحذيرات الخصوصية، تخبر مالكي السيارات بأنه يمكنهم الاتصال بالشركة لمنعها من جمع البيانات. لكنها تضيف بشكل مفيد "قد يؤدي ذلك إلى معاناة سيارتك انخفاض الأداء الوظيفي، أو حدوث أضرار جسيمة، أو عدم القدرة على العمل". وما يزيد المخاوف هو سجل الصناعة الفظيع في مجال الأمن السيبراني.
قدم كوري دوكتورو في كتابه الأخير "احتيال الإنترنت" إحدى الحجج القوية التي تشرح كيفية استغلال "وسائل الحساب". حيث يتمثل حله الأوسع لتشجيع اختيار المستهلك الحقيقي وزيادة المنافسة في فرض قابلية التشغيل البيني بين المنصات التكنولوجية، على النحو المنصوص عليه في قانون الأسواق الرقمية في الاتحاد الأوروبي.
لذلك، مثلا، يواجه مستخدمو فيسبوك تكاليف تحول مؤلمة إذا انتقلوا إلى شبكة اجتماعية أخرى لأنهم سيفقدون كل إمكانية الوصول إلى مجتمعهم والمحتوى الخاص بهم. لكن في عالم قابل للتشغيل البيني بالكامل، يستطيع المستخدمون بسهولة نقل "الرسم البياني الاجتماعي" الخاص بهم "شبكة علاقاتهم" إلى خدمة أخرى يفضلونها.
وقد يتوافق ذلك مع محاولات بناء بنية تحتية أكثر أمانا للإنترنت من التفاصيل الدقيقة وحتى النطاق الأوسع. وإحدى المحاولات المثيرة للاهتمام لتحقيق هذه الغاية هي مشروع الحرية، وهو مبادرة غير ربحية قيمتها 100 مليون دولار ويدعمها فرانك ماكورت، وقد أصدر المشروع بروتوكولا مفتوح المصدر يسمح للمطورين ببناء تطبيقات وخدمات تحافظ على الخصوصية. تقول مارتينا لاركن، الرئيسة التنفيذية لمشروع الحرية "إن القدرة على الوصول إلى بياناتك الخاصة والتحكم فيها هي جوهر المشكلة والحل الذي نقدمه".
إن محاولة إعادة تصميم صناعة تهيمن عليها بعض أغنى وأقوى الشركات في التاريخ تمثل تحديا من شبه المستحيل التغلب عليه. ويعتقد قليلون أنه من المرجح لكثير أن يتغير ما لم يحدث تغيير جذري في عقلية الجمهور وانضم مزيد من شركات التكنولوجيا الكبرى إلى دعم قانون خصوصية فيدرالي أمريكي.
لكن لاركن تشير إلى أننا قد نصل إلى نقطة تحول إذا رأينا تلاعبا جماعيا في الانتخابات الـ65 المقرر إجراؤها العام المقبل. ففي المجموع، هناك نحو أربعة مليارات شخص مؤهلون للتصويت في استطلاعات الرأي، من ضمنهم أشخاص في الهند والولايات المتحدة وإندونيسيا والمكسيك والمملكة المتحدة، وسط مخاوف من إمكانية استخدام الذكاء الاصطناعي حملات التضليل التي تعتمد على بيانات الناخبين الشخصية كسلاح. تقول لي لاركن "يعمل الذكاء الاصطناعي على تسريع كل شيء، بما في ذلك الحاجة إلى الحلول".
في غضون ذلك، ينبغي لنا جميعا أن نقرأ تلك الشروط والأحكام الجهنمية، وننتقد شركات السيارات "وغيرها" بسبب معاييرها المروعة للخصوصية، وندعم مبادرات البيانات الأكثر أمانا، ونضغط على الجهات التشريعية لتعزيز المنافسة.

الأكثر قراءة