رسالة الخطأ

  • لم يتم إنشاء الملف.
  • لم يتم إنشاء الملف.


تراكمات اقتصادية وضغوط الفائدة

لا تزال الصورة غير واضحة بشأن مسار مؤشرات نمو الاقتصاد العالمي. فهناك كثير من العوامل والتطورات التي تعمق حالة الشكوك الاقتصادية على الساحة الدولية عموما، إضافة إلى مجموعة من الأزمات المتفرعة والمتتابعة، الناتجة عن الموجات التضخمية الحادة غير المسبوقة التي لم يسجلها العالم من قبل، وأصابت هذا الاقتصاد الجريح، وما تبعها من سياسات التشديد النقدي، باعتبارها الوسيلة الوحيدة المتوافرة لوقف موجة ارتقاع أسعار السلع الأساسية للمستهلكين. كما أن الاقتصاد العالمي يمر منذ أعوام بفترة من التوترات بين الدول المؤثرة سياسيا واقتصاديا، فضلا عن الأجواء المرعبة التي تركتها الحرب في أوكرانيا، والآثار التي أضافت مزيدا من الضغوط على الحكومات الساعية لعلاج الأزمات المختلفة.
من هنا، يمكن النظر إلى صورة الاقتصاد العالمي المتأثرة بأزمات متفاعلة، أو متوالدة من أخرى، كما يمكن فهم التحذيرات الآتية من المؤسسات الدولية بشأن مسار نمو الاقتصاد في الأعوام القليلة المقبلة. وفي ظل هذه الصورة الضبابية، تبرز قضايا لا تقل خطورة عن هذه التي توجه عمليا الاقتصاد العالمي، في مقدمتها بالطبع الهم الآتي من ارتفاع تاريخي لمستويات الديون الحكومية حول العالم، ولا سيما في الدول الكبرى. فالدين العالمي تضاعف - وفق صندوق النقد الدولي - ثلاث مرات منذ سبعينيات القرن الماضي، وبلغ أعلى مستوياته في عدد كبير من الدول متجاوزا حدود ناتجها المحلي الإجمالي. ففي بريطانيا مثلا، فاق الدين العام حجم الناتج المحلي أخيرا، وبلغ نحو الضعف في اليابان، وفي الولايات المتحدة يستمر الدين العام مرتفعا، ليس فقط في أوقات الأزمات، بل في أزمنة الازدهار.
ومن هذا الباب، تأتي التحذيرات من الآثار التي تتركها هذه الديون على الأداء الاقتصادي في هذه الدولة أو تلك، فضلا عن ديون بعض الدول الفقيرة والناشئة التي وضعت اقتصاداتها على حافة الهاوية فعلا.
وفي الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد العالمي إلى قوة دفع من التيسير النقدي، لم يكن أمام الحكومات سوى التشديد، وبينما كان العالم يعتقد أن المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيجمد رفعه لأسعار الفائدة، باتت المؤشرات تدل على أنه سيواصل رفع تكاليف الاقتراض مع الزيادة الأخيرة لمعدلات التضخم في الولايات المتحدة التي بلغت 3.7 في المائة، بينما يظل الحد الأقصى المستهدف عند 2 في المائة، ما يعني أن الضغوط ستتواصل بدورها عالميا حتى نهاية العام الجاري على الأقل. وعلى الساحة الأوروبية الأمر لا يختلف كثيرا. فقد خالف البنك المركزي الأوروبي أخيرا كل التوقعات بما في ذلك توقعات الحكومات المنضوية تحت لواء منطقة اليورو، ورفع الفائدة ربع نقطة مئوية، لمواجهة الهجمة التضخمية، أي أن التشديد النقدي آت من ضفتي المحيط الأطلسي.
وإذا كان الأمر هكذا من جهة الغرب، فإن الحالة المتفاقمة في الصين تترك مخاوف متصاعدة ليست محليا فحسب، بل على الساحة الدولية، نتيجة المخاطر الجمة التي تواجه القطاع العقاري في الصين. فالانهيار يمكن أن يحدث في أي لحظة مع تخلف المطورين عن السداد، وتوقف مشاريع بمئات المليارات من الدولارات. والمشكلة تتعمق أكثر، إذا ما أخذنا في الحسبان انكشاف مؤسسات مالية غربية على النظام المالي الصيني، تحديدا على القطاع العقاري. الأمر الذي يعني إمكانية أن يشهد هذا العالم أزمة قد لا تكون بقوة تلك التي أحدثها بنك "ليمان براذرز"، وفجرت ما أصبح يعرف بالأزمة الاقتصادية العالمية، لكنها ستؤثر بصورة واسعة وقوية عالميا. المشهد الاقتصادي العالمي العام يبقى بعيدا عن الوضوح، خصوصا في ظل التطورات المتلاحقة التي تضع معوقات إضافية أمام المحاولات الهادفة إلى تخفيف الضغوط على الساحة الدولية كلها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي