التراث في أرض التراث
شكلت الثقافة محورا رئيسا ضمن مستهدفات وخطط "رؤية المملكة 2030". فالقيادة السعودية تنظر إليها كقطاع أساس في مجال التنمية والبناء، كما أنها الحاضن الرئيس لما تتمتع به المملكة العربية السعودية من مكتسبات ثقافية وتاريخية، وإمكانات لا محدودة في هذه الساحة. ويتوج ذلك بانطلاق قمة العلا العالمية للآثار، لتعزيز مختلف عوامل الجذب التاريخي والجغرافي والتراثي، والإسهام في زيادة الاكتشافات الأثرية وتفعيلها في جميع أنحاء العالم. والقمة التي يشارك فيها 80 متحدثا وأكثر من 300 خبير ومهتم في مجال قطاع الآثار والتراث الثقافي، تعمل على توظيف الرؤى المكتسبة من التراث الثقافي والتقدم العلمي لما يحقق النفع على الإنسانية، ما يسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
من هنا، يمكن النظر إلى المحاور الأساسية الثلاثة التي تضمنتها "الرؤية". الثقافة كنمط حياة، وأيضا من أجل النمو الاقتصادي، والثقافة من أجل تعزيز مكانة المملكة على الساحة الدولية. وهذه المنطلقات أسهمت في الأعوام الماضية في تحقيق قفزات نوعية في الميدان الثقافي بكل مخرجاته وعطاءاته وعوائده المباشرة وغير المباشرة. وتحرص المملكة على دعم المسار الثقافي للتنمية الشاملة، لأنه يمثل في النهاية أداة عملية لتحقيق مستهدفات البناء الاستراتيجي ككل.
من هذا المفهوم للثقافة بكل روابطها، يمكن النظر لاستضافة السعودية الدورة الـ45 الموسعة للجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو". وهذا القرار اتخذ بالإجماع حول اختيار المملكة رئيسا للدورة الحالية. والحق، أن الرياض لم تتوقف في دعم الجهود الدولية لحماية التراث العالمي، عبر تقديم المبادرات والمشاركة في الحراك الهادف لتوفير هذه الحماية بصورة مستدامة بصرف النظر عن أي اعتبارات. والنشاط السعودي في هذا المجال ينسجم تماما مع أهداف "اليونسكو" التي تسعى دائما إلى حماية التراث الثقافي والإنساني، ودعم أي جهود مساندة في هذا المجال. وهذا يعزز مرة أخرى، توجه القيادة السعودية على جعل الثقافة والتراث وما يرتبط بهما، رافدا أساسا في ساحات التنمية.
والرؤية في هذه الساحة، تستند إلى مجموعة من المفاهيم، في مقدمتها التزام البلاد بالحفاظ على التنوع الثقافي، على أساس أن هذا التنوع يمثل في المحصلة إرثا للأجيال القادمة، التي من حقها أن تفخر بتراثها وبقيمها الحضارية ومخرجات العمل الثقافي والتراثي عموما. وهذا المفهوم يشمل التراث الإنساني إلى جانب التراث المحلي العميق. وباستضافة المملكة الدورة الـ45 الموسعة للجنة التراث العالمي في "اليونسكو"، تأتي أيضا في جهة تحولها منذ أعوام إلى وجهة عالمية لاستضافة أهم الأحداث والمؤتمرات والتجمعات والمناسبات العالمية الثقافية والعلمية والاقتصادية. فالرياض أثبتت على مر الأعوام الماضية أنها ساحة عالية الجودة لمثل هذا الحراك الدولي، في ظل إمكانات قوية ومتميزة وتنافسية أيضا.
دورة "اليونسكو" الجديدة، تشهد نشاطا متنوعا على صعيد المهمة، التي تطلق من أجلها، بمشاركة أكثر من ثلاثة آلاف مشارك من 21 دولة عضو في لجنة التراث العالمي. وكما هو معروف صادقت 194 دولة على اتفاقية التراث العالمي. إنه تجمع بارز برؤى عميقة، وبمشاريع ومبادرات وأفكار وطروحات تمنح التراث العالمي ككل قوة دفع أخرى جديدة. والسعودية تدفع في هذا الاتجاه ليس فقط من خلال الرؤية الاستراتيجية الخاصة بها، بل عبر اهتمام لا حدود له، التي ترى أن صون وحماية التراث واجب وطني، وحق من حقوق الأجيال القادمة. ولأن الأمر كذلك، فإن دور الرياض مع المنظمات الدولية عموما، بات محوريا عبر الأعوام، من أجل نقطة مهمة عند القيادة، وهي تعزيز الحوار الثقافي العالمي، الذي يستهدف في النهاية دعم التفاهم الحضاري بين الثقافات والشعوب. لن تتوقف الجهود السعودية على صعيد دعم وتطوير وتشجيع النشاط الثقافي والتراثي، كما أنها لن تتوقف عن الدور الذي تقوم به على صعيد تلاقي الثقافات لما فيه الخير للإنسانية.