جوجل تستعد لأكبر مواجهة لمكافحة الاحتكار في أمريكا منذ مايكروسوفت

جوجل تستعد لأكبر مواجهة لمكافحة الاحتكار في أمريكا منذ مايكروسوفت

في الشهر المقبل سيكون قد مضى 25 عاما منذ أن وقف محامو الحكومة الأمريكية في قاعة محكمة اتحادية في واشنطن لاتهام مايكروسوفت بسحق المنافسة بشكل غير قانوني. هذه القضية التاريخية، التي رفعت في ذروة هيمنتها على صناعة التكنولوجيا، بلغت ذروتها عندما أمر القاضي بتفكيك الشركة، على الرغم من إلغاء الحكم لدى استئنافه.
الثلاثاء، أصبحت قاعة المحكمة في واشنطن مرة أخرى محور الجهود التاريخية التي تبذلها وزارة العدل لكبح جماح واحدة من أقوى الشركات في عالم التكنولوجيا. إن شكواها ضد جوجل الأولى ضد أحدث جيل من شركات التكنولوجيا المهيمنة التي تصل إلى المحكمة. وستكون النتيجة، وفقا لعديد من المراقبين القانونيين، اختبارا مهما للاستراتيجية القانونية الطموحة للهيئات التنظيمية الأمريكية وستساعد على تحديد جهودها الواسعة لكبح جماح شركات التكنولوجيا الكبرى.
سيكون للمقارنات مع مايكروسوفت صدى كبير - لأسباب ليس أقلها أن وزارة العدل نفسها صاغت قضية جوجل كمحاولة لتوسيع القواعد التي أسست في تلك القضية لتشمل أحدث جيل من عمالقة التكنولوجيا. وقال مايكل كاريير، أستاذ القانون في جامعة روتجرز، مرددا وجهة نظر منتشرة على نطاق واسع في دوائر مكافحة الاحتكار، إنها تمثل "أهم قضية احتكارية لمكافحة الاحتكار منذ مايكروسوفت".
قبل ثلاثة أعوام، عندما خططت الحكومة الأمريكية لأول مرة لحملتها القانونية، شعر عديد من المستثمرين بالقلق من أن ذلك سيؤثر في أرباح شركات التكنولوجيا الكبرى، كما قال بول جالانت، محلل سوق الأسهم في شركة كوين في واشنطن. وأضاف أن كثيرين أصبحوا يعتقدون منذ ذلك الحين أن المنظمين يبذلون قصارى جهدهم لمحاسبة شركات التكنولوجيا، ومن غير المرجح أن تدعمهم المحاكم الأمريكية.
وقال جالانت إنه إذا انتصرت جوجل، "فلن تكون هناك تغييرات في نموذج أعمالها - وستكون القضية إيجابية خصوصا لشركات التكنولوجيا الأخرى التي تواجه دعاوى قضائية لمكافحة الاحتكار". لكن مع صعود شركات التكنولوجيا الكبرى في وول ستريت هذا العام، فإن فوز الحكومة قد يؤدي إلى انتكاسة حادة.
وفي الوقت نفسه، بالنسبة إلى إدارة بايدن، تمثل القضية أول اختبار لتحولها إلى موقف أكثر صرامة لإنفاذ مكافحة الاحتكار ضد شركات التكنولوجيا الكبرى. وقال كاريير: "سواء أكان ذلك للأفضل أو للأسوأ، ستشكل هذه المحاكمة الرأي حول ما إذا كان بإمكان رؤساء الوكالة التغلب على عملاق التكنولوجيا أو ما إذا كانوا قد بالغوا في لعب دورهم وتمادوا في جهودهم".
إنها لحظة مهمة بشكل خاص لجوناثان كانتر، رئيس وحدة مكافحة الاحتكار في وزارة العدل. وهو من بين جيل جديد من مسؤولي مكافحة الاحتكار التقدميين الذين عينهم الرئيس جو بايدن في محاولة لمعالجة ما يعده البيت الأبيض سلطة مفرطة تملكها الشركات.
وبينما ورث كانتر القضية، إلا أنه لم يخف طموحه في كبح جماح شركات التكنولوجيا الكبرى. وقال لصحيفة فاينانشال تايمز العام الماضي إن التكنولوجيا هي "النفط الجديد"، وأن الحكومة يجب أن تضمن "معايرة القانون وبرنامج الإنفاذ لدينا وفق حقائقه". ورفعت وزارة العدل قضية ثانية في يناير ضد جوجل، بسبب ممارساتها الإعلانية.
كما جلبت مشاركة كانتر في القضية ميزة شخصية للمواجهة القانونية. وكان رئيس الإنفاذ قد صنع اسمه سابقا في قضايا تكنولوجية رفيعة المستوى بما في ذلك تمثيل مايكروسوفت ويلب وشركات أخرى ضد جوجل. وفي 2021، دعت شركة البحث إلى إجراء تحقيق في ما إذا كان ينبغي إقصاؤه عن الدعوى القضائية والتحقيقات ضدها.
ولم تشر وزارة العدل بعد إلى سبل العلاج التي ستسعى إليها في حال ربحت القضية، لكن طموحها الواضح لتحقيق فوز كبير في محاكمة تكنولوجية بارزة أثار توقعات بأنها ستسعى إلى فرض عقوبات قوية. ودعا منتقدو جوجل في صناعة التكنولوجيا إلى تفكيك الشركة، على الرغم من أن عديدا من الخبراء القانونيين يقولون إن هذا غير مرجح.
وقال دونالد بولدن، أستاذ القانون في جامعة سانتا كلارا في وادي السيليكون، إنه لا يوجد قسم واضح في أعمال جوجل من شأنه أن يتعامل مع القضايا التي أثارتها المحاكمة. وقال إن النتيجة الأكثر ترجيحا هي وضع قواعد لمنع إساءة الاستخدام في المستقبل ونوع المراقبة المستمرة لأعمالها التي تم فرضها على مايكروسوفت.
وتحتوي شكوى وزارة العدل ضد جوجل، المقدمة في 2020، على أوجه تشابه مع قضية مايكروسوفت. وتنطوي على سلسلة من الاتفاقيات التي أبرمتها الشركة والتي تضمن ظهور محرك البحث الخاص بها بشكل بارز عندما يقوم المستخدمون بتشغيل هواتفهم الذكية أو فتح متصفح الإنترنت. إن هذه العقود تقصي المنافسين بشكل غير قانوني، وفقا لوزارة العدل، التي قارنتها بالعقود التي وقعتها مايكروسوفت مع صانعي أجهزة الحاسوب للترويج لمتصفح إنترنت إكسبلورر وسحق متصفح نيتسكيب.
ومع ذلك، يشير الخبراء القانونيون إلى اختلافات معتبرة مع قضية مايكروسوفت، التي تركت الحكومة الأمريكية تواجه معركة شاقة.
سيكون محور القضية هو ما إذا كانت وزارة العدل قادرة على إثبات أن عقود جوجل تقصي المنافسين. وتتضمن العقود صفقة مع شركة أبل تجعل محرك بحث جوجل هو المحرك الافتراضي على أجهزة أبل، وهو ما يحقق لها مليارات الدولارات سنويا. كما تتضمن القضية سلسلة من العقود مع صانعي الهواتف الذكية وشركات الاتصالات المحمولة التي تدعم نظام التشغيل أندرويد وتمنح جوجل مكانة رائدة في البحث.
وقالت جوجل إنه على عكس العقود التي فرضتها مايكروسوفت على صانعي أجهزة الحاسوب لضمان استخدام متصفحها، فإن شكل اتفاقياتها تم تحديده بشكل أساسي من قبل شركات مثل أبل، التي صممت واجهات المستخدم الخاصة بها وسمحت لشركات أخرى غير جوجل بتقديم العطاءات.
وقال بولدن: "في كثير من الحالات أيضا، لم تكن الاتفاقيات حصرية، الأمر الذي سمح لصانعي الهواتف وغيرهم بإعطاء درجات متفاوتة من البروز لمحركات البحث الأخرى". وأشار إلى أن ذلك من شأنه أن يجعل من الصعب على وزارة العدل إثبات أن جوجل تعمل بنشاط على إقصاء المنافسين.
إن جوجل نفسها تشبه العقود بالصفقات التي تعقدها شركات الأغذية للحصول على مكان بارز على أرفف المتاجر الكبرى، ما يجعلها جزءا منتظما من الحياة التجارية.
ولإثبات حجتها أن الاتفاقيات إقصائية، من المتوقع في الوقت نفسه أن تقوم وزارة العدل باستدعاء شهود من الشركات التي أبرمت الصفقات. وخسرت شركة أبل محاولتها لمنع استدعاء ثلاثة من كبار مسؤوليها التنفيذيين للإدلاء بشهادتهم، ومن بينهم إيدي كيو، رئيس أعمال الخدمات في الشركة. ومن المتوقع أيضا أن يمثل مديرون تنفيذيون آخرون في مجال التكنولوجيا في المحاكمة، من بينهم الرئيس التنفيذي لشركة جوجل سوندار بيتشاي.
وفي تناقض آخر مع قضية مايكروسوفت، تدعي جوجل أنه من الأسهل بكثير على مستخدمي الهواتف الذكية اليوم التحول إلى محرك بحث مختلف عما كان عليه الحال بالنسبة إلى مستخدمي أجهزة الحاسوب الشخصية في التحول إلى متصفح نيتسكيب. من جانبها، من المتوقع أن تستدعي وزارة العدل خبراء سلوكيين لتوضيح أن قليلا من مستخدمي الهواتف الذكية يفكرون على الإطلاق في تغيير الإعدادات الافتراضية على أجهزتهم المحمولة، وهو أمر يقصي في الواقع منافسي البحث لجوجل.
وعلى أي حال، فرغم التحديات التي تواجهها وزارة العدل، يرى عديد من الخبراء أن نتائج المحاكمة متوازنة بدقة، خاصة في ضوء هيمنة جوجل على سوق البحث.
وقال جون كوفي، الأستاذ في كلية الحقوق في جامعة كولومبيا: "تدعي شركة جوجل أنها فازت بناء على تفوق منتجها، لكن يمكن للحكومة الرد بأن المستهلكين حرموا من فرصة رؤية المنتجات الأخرى واتخاذ القرار. أعتقد أن هذه القضية في المحكمة سيكون من الصعب التكهن بمخرجاتها خاصة في ضوء قوة حجج الطرفين".

الأكثر قراءة