شركاء لا أعداء .. التفاوض مفتاح سوق العمل الواعية

شركاء لا أعداء .. التفاوض مفتاح سوق العمل الواعية

تنتابني الحيرة عندما يشتكي الناس من أن حزب العمال المعارض في المملكة المتحدة بقيادة السير كير ستارمر ممل وفاتر. عندما يتعلق الأمر بسوق العمل على الأقل، فإن خطط الحزب أكثر جذرية مما يدركه كثيرون كما يبدو، حتى بعد تحركات أخيرة من أجل تخفيفها. أحد الأمثلة على ذلك هو الوعد بمباشرة المفاوضة الجماعية القطاعية، وهو نظام شائع في أوروبا القارية لكنه سيمثل تغييرا كبيرا في الطريقة التي يسير بها اقتصاد المملكة المتحدة.
استلهم حزب العمال، جزئيا على الأقل، من مثال حكومة حزب العمال في نيوزيلندا، التي قدمت ما تسميه "اتفاقيات الأجور العادلة" نهاية العام الماضي. لسوق العمل في نيوزيلندا نقاط قوة وضعف مماثلة لسوق العمل في المملكة المتحدة، فهي مرنة للغاية وتميل إلى حفاظها على معدلات توظيف عالية، لكن الإنتاجية ونمو الأجور كانا ضعيفين عادة. اتفاقيات الأجور العادلة هي الحل المقترح من الحكومة النيوزيلندية. الفكرة هي جعل أصحاب العمل والنقابات يجلسون ويتفاوضون على الحد الأدنى للأجور والشروط في مختلف القطاعات أو المهن.
يرى كريج ريني، مدير السياسة في المجلس النيوزيلندي لنقابات العمال، أن الأمل يكمن في إقناع أصحاب العمل بالتنافس على "ابتكار المنتجات" أو "الجودة"، بدلا من اتخاذ "الطريق معدوم الضمير" بخفض تكاليف العمالة. يقول: "إذا نظرت إلى الدول التي لديها اتفاقيات قطاعية مثل ألمانيا والدنمارك والسويد - فيسود صناعتها سلام وتتمتع بمستويات إنتاجية أعلى".
لكن ريني قد لا يكتشف أبدا ما إذا كان على حق. لم تقبل جمعيات أصحاب العمل في نيوزيلندا الفكرة، ووعدت أحزاب المعارضة في الدولة بإلغاء هذه السياسة إذا أطاحت بحكومة حزب العمال في انتخابات الشهر المقبل، وهو ما تشير استطلاعات الرأي إلى أنه محتمل.
يبدو أن حزب العمال البريطاني قد استخلص درسا من هذا. إذا فاز الحزب بالسلطة في الانتخابات المتوقعة العام المقبل، فسيخطط الآن للتركيز على قطاع واحد فقط هو الرعاية الاجتماعية. وتتمثل الخطة في تسيير النظام بسلاسة حتى يؤتي ثماره قبل أن تتجه الدولة إلى صناديق الاقتراع مرة أخرى.
حتى هذا الطموح المصغر سيكون تحديا كبيرا. عندما تحدثت إلى ديفيد هوبر، المحامي في شركة لويس سيلكين المتخصص في العلاقات الصناعية، طرح سلسلة أسئلة تحتاج إلى إجابة. كيف سينظم أصحاب العمل في القطاع أنفسهم، حتى قبل أن يجلسوا مع النقابات؟ قد تكون لدى الشركات المختلفة مصالح متنافسة، ولا سيما بين الكبرى والصغرى. ما هي الآلية التي سيلجأ لها إذا لم يتفق الطرفان؟ كيف ستشمل الاتفاقية الشركات التي لا ترغب في المشاركة؟ من سيفرضها وكيف؟
ولعل السؤال الأهم هو إذا نجح الاتفاق في رفع الأجور المنخفضة وتحسين ظروف العمل في هذا القطاع، فمن سيدفع تكاليف العمالة المرتفعة؟ المشكلة الأساسية في قطاع الرعاية الاجتماعية هي عدم كفاية التمويل الحكومي. قد تضمن اتفاقية أجور عادلة الاستفادة من أي تمويل إضافي لتحسين ظروف العمل بدلا من تعزيز هوامش الربح، لكنه لا يمكن أن يوجد هذه الأموال الإضافية بالسحر.
مع هذا، أرى أنها تجربة جديرة بالاهتمام. جزئيا، لأني أعتقد أن التحسينات في الأجور المتدنية والتدريب الضعيف وعقود الساعات الصفرية في قطاع الرعاية الاجتماعية، ستفيد كلا من الموظفين والأشخاص الذين يعتنون بهم.
قد يكون التفاوض بهذه الطريقة مفيدا للشركات أيضا. في السويد، التي لديها نظام طويل الأمد للمفاوضة الجماعية القطاعية، يعتقد ماتياس دال من اتحاد الشركات السويدية أنه من الأفضل للشركات التفاوض على الأجور والشروط مع النقابات بدلا من أن تنظمها قوانين العمل. "لقد تمكنا من أن نتسم بمرونة أكثر - يمكننا تغيير اللوائح أسرع من القانون. يمكننا التفاوض مجددا كل عام ثالث - من وجهة نظر تجارية هذا أفضل بكثير".
بطموح أكبر، قد يضع هذا المملكة المتحدة على الطريق نحو نظام علاقات صناعية أكثر وعيا، حيث تعامل الشركات والنقابات بعضها بعضا بوصفها شركاء في التفاوض وليست أعداء. توجد اقتصادات أوروبية كثيرة مثل السويد التي تكون فيها العلاقات الصناعية البناءة هي القاعدة. هذه الدول لها تاريخ وتقاليد مختلفة جدا، بالطبع. إنه طريق طويل من هنا إلى هناك بالنسبة إلى بريطانيا. لكنه ليس سببا لعدم اتخاذ الخطوة الأولى.
سيظهر من يخشى أن يؤدي تمكين النقابات بهذه الطريقة إلى مزيد من النزاعات، لكن دال يجادل بأن العكس هو الصحيح. يقول: "أسوأ شيء من وجهة نظر شركة هو النقابات الصغيرة والضعيفة. فهذا يضع ضغوطا على النقابة، عندها قد يحاولون جذب الأعضاء بحرق الإطارات والصراخ".

الأكثر قراءة